قراءة نافلة العامرStella Ra Nch في قصيدة رفيقة بدياري متورط في حبّه
"""متورط في حبّه""""
بعد أن زال عقل قيس وحلّ به الجنون إذ أُبعد عن ليلى نصح القوم أباه بالطواف به حول الكعبة المشرفة وهناك قال له الأب:" قل يا بني اللّهم أرحني من حب ليلى" فما كان من المجنون إلا أن صاح "اللّهم زدني لليلى حبّا إلى حبها وأرني في وجهها خيرًا وعافية".!إنها ورطة العاشق وها شاعرتنا المرهفة في طرحها المثير والملفت تحيك قصيدتها حول موضوع "مازوخية العشق ".
تتعرض إلى هذا الجانب من الحب فتقول:
متورّط في حبّه لا يسمع
نصحًا وهل نصحُ المتيّم ينفع
صدقت شاعرتنا فهل نفع نصح قيس ؟..وهل نفع نصح كليوباترا؟
أم هل نفع نصح روميو وهل انصاعت جولييت؟..!!سؤال بلاغي وتصريح بليغ..بليغ إذ صورت شاعرتنا عصيان العاشق بالورطة ولم تنعت هذا التصرف خطأ مثلا او انحرافا أو أو ...بل ورطة او كما أسموها في المآسي والتراجيديات الزّلةThe flawTragic..أو الوقعة المأساوية ..أي الورطة إذ فيها يقع البطل في صراع داخلي عنيف عليه فيه أن يختار بين مسارين وهما مسار العقل أو مسار القلب..وعلى الأغلب او الإطلاق يتمخض عن هذا الموقف زلل أو خطأ مصيري يؤدي بالبطل إلى مصيبة قليلا ما ينجو منها بل كثيرا ما يدفع ثمنها حياته نفسها..لماذا ؟ لو بحثنا عن الجواب هنا لوجدنا أن السبب هو فهم العاشق الشخصي لمعنى الحب وضعفه أمام سلطانه الجبار فالحب ذلك الشعور العاطفي المكثف النابع من نزعة شغف وميل قوي للمحبوب حيث فيه تتلاشى شخصية العاشق لتذوب في المعشوق أو قل "لتستشهد "من أجله. من هنا تترتب على ذلك تبعات كارثية مدمرة فهو تصرف ناتج عن قرار عاطفي محض وحتى تعالٍ عن كل ما هو منطقي و"طبيعي".إذا فالنصح لا ينفع سوف لن ينصت المتيّم لأقوال الناصحين والبعيدين عن عواصف العاطفة العاتية لأنه في مهب:
ريح تهبّ بماتجمّع من جوى
عصفت بقلب هائم يتطلّع
العاشق الهيمان مستهدف نعم فقلبه كما تقول شاعرتنا في تصويرها المدهش هائم تائه في مهب رياح تكثفت فيها مشاعر وأحاسيس الوجد والجوى وهل أصعب من هجوم الرياح على مساكن بلا أساس..نعم فالقلب مسكن العشق والعشق يبيد سلاح العقل في الإنسان والعقل أساس كل تفكير منج وكل عمل ناجح..إن زوال العقل في الشخص كزوال الأساس في العمارة.قد نلوم العاشق ونؤنبه لكن وضعه مقلق:
فبه التولّه حيث ذاك عقيدة
وبه الترقّب ليته لا يُفجَع
نعم إن الحب عقيدة عند بعضهم والعقد يأتي من غليان العناصر على حرارة عالية تؤدي إلى امتزاحهما إلى لا انفكاك.أوليس هذا حال المتصوف والمحب العذري وكل متطرف في مبدأه!! يحضرني قل ليلى هنا:"ويح قيس تقرحت راحتاه وما شعر!"
إنه غياب الوعي في حضور الغائب!
يا له من طرح فلسفي وجداني مدهش!!
نعم المحب يترقب لحظات الفرج ويتمنى لو لم يفجع وإن كان في بعض الحالات عذاب الحب عند العاشق راحة كما رأينا (وقد تقصد شاعرتنا بالترقب عن ترقبنا وتمنينا لو لم يفجع )في قيس وليلى.في درجات العشق الشاهقة يلتذ العاشق في المعاناة من أجل حبيبه تظلم الدنيا من حوله إلا شخص المعشوق فهو لا يرى لا يسمع ولا يشعر إلا بحبيبه وكم من جمع وحشد كان عنده أشد وحدة من عزلته لوحده في البراري.لذلك تقول شاعرتنا المصورة البارعة في استعارتها الآتية:
ليلان ظلّا يكتبان حياته
ليل اللقا شطرُ الكتاب الأروع
أمّا الفراق فليله من أشهر
وكتابه من أدهر لاتُجمع
إن الليل يتحكم في نهارات العاشق ليل الحلم والتمنّي في اللقا بالحبيب وليل الفراق الأسود الحالك .الأول شاعري ككتاب شعر عذب تمضي لحظاته كالبرق والأخير مظلم كليل العليل لحظته دهر لا ينتهي جمعت كما نرى هنا رونق الكناية والجناس والتشبيه في بيت واحد وقد برعت رفيقتنا في حصرتهم في مفردة "ليل" والليل ليس بقليل فهو نصف اليوم نصف حياة..رغم ذلك تستطرد شاعرتنا قائلة ونعود لمازوخية العاشق فأن:
جور الأحبّة قد أتاح مسلّما
ملك الفؤاد فأرهقوه وأخضعوا
وإذا تسيّد من تسيّد بالرضا
فاللّوم يسجد في البلاط ويركع
حتى وإن جار الأحبة وأرهقوا النبض فرضاه عنهم سيبقى سيد سائدا على روحه بل ويسيّدها فداء للأحبة واللوم منه لا ينبع كيف ينبع؟
في التزام القديم مع قرض حديث وموضوع هام عام أزلي يعني الكثير الكثير لنا ألقت أمامنا شاعرتنا الرقيقة بساطا من حروف ازدان بالأسلوب التعبيري السردي العذب وفاح منه عبق البيان المحبب وبديع التصوير الفذ. كم هي موفقة القافية العينية حاملة الرؤيا الشاسعة والمشرفة على الآفاق الواسعة في حقول الفكر والحسّ
التعليقات على الموضوع