وفاء بالعهد ...قراءة انطباعية بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم لقصيدة اسد نابلس للشاعر هيثم نسور

وفاء بالعهد ...قراءة انطباعية بقلم  فاطمة يوسف عبد الرحيم لقصيدة اسد نابلس للشاعر هيثم نسور

وفاء بالعهد

قراءة انطباعية بقلم "فاطمة يوسف عبد الرحيم"
في قصيدة "أسد نابلس" لهيثم النسور :
* أجمل البدايات كانت في الروح الإيمانية التي استهل بها الهيثم رائعته:
يَـا ربُ لُــذْنَــا تَـحْــتَ ظِـــلِّ حِـمَـــاكَ
مَـا مِــنْ مُــغِــيـثٍ نَـرتَـجِـيـهِ سِـــوَاكَ
*هيمنت الأنا الثاثرة والمناهضة للظلم على سياق الجمل الشعرية وبنيتها الفنية فكانت القصيدة كالنبع الهادر الذي يتدفق مقاومة عنيدة ووطنية صادقة، حتى تخال نفسك تسمع ضجيج الوغى.
* لقد استخدم الشاعر أدواته البصرية (أَضَـــاءَ أَفــلَاكَ الــسَّــمَـــاءِ سَــنَــاكَ)، وكتب حروفه على إيقاع أفعاله الحسية (فَـأسْـتَـنْـكَـرَ الْـفَـعـلَ الْـقَـبـيـحَ/فَـرِحُـوا لِـقَـتـلِـكَ/تَـحْـزَنَــنَّ/عَـجِـبـتُ/ اسـتَـبـشَـرَت مَـشـغُــوفَــةً/ فَـتَـهَـلَّـلــتْ)
* استخدم الشاعر أساليب إنشائية حين وظف أسلوب النداء لإعطاء النص حيوية الصوت ولهفة التقريب (يَـا ربُ لُــذْنَــا/ يَـا أُمَّ إِبــرَاهِــيــمَ يَـا نَـبْــعَ الـصَّــفَـــا/ يَـا قَـلـبُ صَـبـرًا/يَــا أَيُّـهَــا الْــقِــدِّيــسُ) وأسلوب المدح والذم لبيان الرأي (طُــوبَــــى لِأُمٍّ أَنـجَــبَـــتــكَتَــبًّـــا لِأَعــرَابِ الــنِّــفَــاقِ،) وأسلوب الأمر والنهي لبيان القدرة التنفيذية(فَـارقُـدْ بِـرَمـسِـكَ هَانِـئًـا/ لَا تَـبـتَـئِــسْ)
* جعل نصه يلامس الواقع الذي رأيناه صورة حية على وسائل الإعلام بأفعاله الحركية لتوضح نبض الحدث، وترك أثرا موجعا في الذات الثائرة والرافضة لكل أشكال الظلم.
* اتقن الشاعر النسق الداخلي للقصيدة وبناها على أساس جمالي اعتمد الوهج البصري والفكرة التأملية، وبنى ملامح التشكيل المتخيل الذي يجعله في مضمار تفاعلي واقعي مع المجتمع الذي يعيش فيه.
* امتازت قدرة الشاعر الإبداعية من خلال النسج والربط بين المحسوسات والمجردات بأسلوب فلسفي تجريبي وبإيقاع موسيقي داخلي.
تَــبًّـــا لِأَعــرَابِ الــنِّــفَــاقِ، إِمـامُـهُــمْ
أَرْخَـى اللِّـحَـى لِــيُـقـلِّـدَ الــنُّــسَّــاكَـــا
*صور القصيد الحية عمقت لدينا الإحساس بالأشياء عبر تشخيصها، مما سهل علينا تلمس الأشياء ورؤية ألوانها وظلالها، لنصل إلى عالمه الحيوي الذي بناه في صور متخيلة استمد ملامحها من الواقع المرير والشجي.
بُـورِكـتَ إِبـراهــيــمُ إِنَّــكَ لَـمْ تَـمُـتْ*
رَبُّ الْأَنَـــامِ إِلَــى الْـجِـــنَــانِ دَعَــــاكَ
*القصيدة تحلقت في فضاءات من الجمال، حين أبحر الشاعر في متاهات الخيال برحلة لا تنتهي، وأحسن سبك المعاني ونسج الصور الراقية.
وَ أَذَقـتَـهُـمْ كَــأْسَ الْـمَـنُـونِ وَ قَـيلُهُمْ
لَا يَـسـتَـطِـيـعُ مِـنْ الـرُّهَّـابِ حِــرَاكَــا
* يتمتع الشاعر بقوة خلق في روحه، وذاتيته التي أثرت عمله الشعري الفني، فبدلا من محاكاته للواقعة أضاف إليه تميز خاص به، ليمنح المضمون بعضا من الكمال والثبات في مشهديته، وأمعن في المثالية وتطرف في الواقعية .. فكانت المشهد مرآة تعكس الموضوع وكأنه يبارح عالم الواقع، لانه لم ينقل الواقع بل اختار الصفات والاشكال التي في الفكره، لتكون مؤثرة.
فَـرِحُـوا لِـقَـتـلِـكَ كَي يَـنَامُوا لَـيـلَـهُـمْ
فَـتَـهَـلَّـلُـوا إِذْ مَــا الـــتُّــرَابُ طَـواكَـــا
* هذا السحر مغلف بمضمون بطولي بين الفتى وأمه وكأنه يوائم بين الزرع والحصاد،
كلماته تعبر عن حالنا وامتنا التي ما زالت ترزح تحت خيباتها إلى أن جاء هذا البطل ونفض عنها غبار التخاذل واللامبالاة والعدمية الشعورية.
يـا أُمَّ إِبــرَاهِــيــمَ يَـا نَـبْــعَ الـصَّــفَـــا
لِـمُـصَـابِـكُــمْ وَردَ الْـجَـنَـائِـنِ شَــاكَـــا
* ياالله كم هذه الكلمات فيها من الاسى والحزن ووصف دقيق لمنابع الالم عند الأم الذي حولت حزنها إلى ما يشبه زغرودة فرح، وحولت ضعفها إلى قوة حين حملت النعش كالرجال لأن ابراهيم ربته امرأة هي أخت الرجال وكما قيل نساؤنا تحمل وتلد الرجال وكذلك تحمل النعوش لتدفن الغالي ليطمئن قلبها.
عَـجِـبـتُ، أُمُّــكَ أَطْلـقَـتْ زَغــرُودةً
فَـظَـنَـنـتُ أَنَّ الْـعُـرسَ صَــــارَ رِثَـاكَــا
* لقد حاكيت ما يدور فى مخيلتنا من مشاعر تجاه الظلم والقهر الذى عانيناه ونعانيه، لعل الانسانية التي ماتت على اعتاب الظلم تنبت من جديد لتصف المواجع والفواجع بأسلوب عذب رشيق المباني وراق المعاني خالد المرامي خلود الشهداء ..
* أنطقت الحيوية المفعمة بالتفكير والتأويل والتحليل لتبني انطباعا أوليا، على ما يمكن أن ترد عليه تفاصيل القصيدة وما تتضمنه من دلالات ومعان، كنمط إبداعي يعكس الحالة الشعورية الكاشفة لمساحته الخفية.
* بنى القصيد بتقنية السرد التي تشد القارئ للوهلة الأولى عند طريق الصدمة والإثارة والمشهد الحركي في تتابع الأحداث وتوشجها ضمن علاقة ترابطية نابعة من وجدان مفعم بالأحاسيس... (أَفـسَــدوا أَوطَـانَـنَـا/هَــبُّــوا فَــهَـزوا/قَـارَعـتَ أَبـنَـاءَ الْــعَــوَاهِــرِ/شَــتَّــتَ)
* الانزياح الذي لجأ إليه الهيثم في صياغة وبلورة مفرداته المنتقاة وفق خياله وتجربته العميقة أعطى للجملة الشعرية وصورها إيقاعا موسيقيا متجانسا إذ زخر بالألفاظ والاستعارة والتشبيه بصور فنية متعددة للمعنى الواحد، حين شبه البطل ب( القسورة /سميدع/الـلَّـيـثُ يُـولَـدُ ضَـيـغَـــمٌ /لَــبـــوَةٍ، أَشــبَــالُــهَــا آساد الشرى)، وهذا دليل على ثقافة الشاعر وثراء بنيته المعرفية.
يعد الانزياح خروج النص عن المعتاد والتمرد على المألوف في القول العادي والابتعاد عن الخطاب المباشر والتخلي عن المعنى المجرد عن طريق التلاعب بالألفاظ بالتقديم والتأخير أو الحذف ضمن دائرة إطار اللغة وجمالياتها بأسلوب بلاغي دلالي كالتشبيه أو مجازي أو تركيبي مرتبط بتراكيب المفردات، فالانزياح الذي اتخذه الشاعر هو اختراق مثالية اللغة والتجرؤ عليها في الأداء الابداعي حيث لا يفضي هذا الاختراق الى انتهاك الصياغة التي عليها النسق المألوف والمثالي أو العدول. (مِـن رَحــمِ نَـابِـلـسِ الْـجَـرِيحَةِ فَارِسٌ/ مَـا غَـــادَرَ
الْإِبــشَــاشُ فَـــرقَ ثَــنَــاكَ /لَـنْ يَـطـولَ لِـطَـرفِ شِسعُ حِذَاكَ )
* إن مستوى اللغة الصوتي والدلالي متنوع في هذا النسق، مما منح اللغة الشعرية مجازا ناتجا عن تشابك الدلالات وتعالقها لتوليد دلالات جديدة في بنيتها وتركيبها عن طريق الانتقال من اللغة بوظيفتها الخطابية إلى اللغة الوظيفية الشعرية.
* تكشف التجربة الشعرية عن مخاض حقيقي للذات الشاعرة والتي تمثل الأحاسيس والفكر من خلال حوارها مع ما يحيط بها من مؤثرات خارجية وداخلية، لتبني(الذات البطولية) التي هي المنبع الرئيسي الذي تدور حوله الجمل الشعرية وكل ما يتشظى عنها من صور منبثقة من الذات المتميزة وما يدور حولها من فضاء الجمل وبنيتها الشعرية، وقد تخلل بعض الجمل صور فلسفية تفتح باب التأويلات المتعددة مما يحقق الثراء في النص الشعري ويخرجه من الإطار التقليدي إلى إطار فلسفي تجريبي ينهل من تيار الوعي
وَبِـإِذنِ رَبِّـكَ لَــنْ يَـطُـولَ سُـكُـونُـهُـمْ
مَــا مِــنْ رَضِــيــعٍ بَـيـنَـنَـا يَــسْــــلَاكَ
سَـبَـقَـتـكَ فِي دَربِ الشَّهَادَةِ عُـصـبَـةٌ
وَ تَـتَـبَّـعُــوا صَــوبَ الْـفَـخَـارِ خُـطَـاكَ
* مثلبة: في قولك "يوم التغابن" لأن دلالتها هنا غير مناسبة إذ يقال أن "يوم التغابن" هو اليوم الذي تؤخذ فيه حسنات الصالح الذي أحبط أعماله بالغيبة والنميمة لتعطى إلى العاصي.
* تحية للشاعر هيثم محمد النسور الذي أثر بكلماته عميقا في الفكر والوجدان، ولشعره رونق خاص.
دمت بجمال وروعة حروفك وللكلمة التي بنيت لها شأنا وإبداعا

قراءة انطباعية بقلم "فاطمة يوسف عبد الرحيم"

ليست هناك تعليقات