قراءة في ،،شهباء طيفك في مخيّلتي،، للشّاعر عبدالناصر عليوي بقلمي: نافلة مرزوق العامر
قراءة في ،،شهباء طيفك في مخيّلتي،، للشّاعر عبدالناصر عليوي
حنينٌ(Nostalgy)
قراءة في
،،شهباء طيفك في مخيّلتي،،
للشّاعر Abdal Nasser Aliwi
بقلمي:
نافلة مرزوق العامر
تطبيقا لمقولة:W.James
"Belief creates the actual fact”
"الإيمان يوجِد الحقائق"
جاءت حسب أعتقادي ومُثبَتا بالبراهين الشّعريّة قصيدة شاعرنا القدير فالشّعر الأصيل ليس تركيبة لفظيّة وحلّة مجازيّة وترنيمة سحريّة (كما سنلمسها في قصيدتنا) فحسب بل هو رسالة معنويّة أخلاقيّة فلسفيّة إنسانيّة قبل أيّ شيء.من هنا جاءت رسالة شاعرنا الوطنيّة في حلّة غزليّة إنفعالية تقول بأنّه لو كان البين بين النّائي والوطن قائم فالوعد في لقاء لا محالة قائم وآت.فالشّعر ما أدراك ما الشُعر دفقات من حسّ مضطرم في حرف بالنّور ذائب والنّور منبع البصر والبصيرة الرّؤى والرّؤية..عنده تقف الرّؤية واضحة وهل ما بعد الرّؤية سوى الحركة والعمل!! للتّوضيح أكثر لو أخذنا العنوان"شهباء في مخيّلتي"
والبيت الأخير:
"لنا لقاء إن طال الزّمان بنا
إنّ اللّقاء على الأحباب قد وجبا"
فالقضيّة تراجع الماضي تطرح قرارا في "حاضر" به يحضر الوطن في مخيّلة الشاعر لا يبرح ذاكرته أبدا فكلمة "في" بأسلوب تقريري تلقائي فجاءت للتّوكيد والحتم..و"مستقبل" فيه لقاء بينهما لا بد آت وفيه أيضا حتم وما كلمتيّ" لنا" دون مقدمات ولا وتمهيد بل إيحاء للتّأكيد والتّشديد على وجود قرار قد حُسِم "للقاء" محتوم، كلمة "وجبا" هنا وهي فعل ماضي لكنّه ذو دلالة مستقبليّة توحي بإنجاز الفعل وما هذا مرّة أخرى إلّا تعزيز وإثبات لهذا القرار يلحقه تنفيذ محتوم.
قلنا قصيدة شاعرنا قد جاءت دفقة شعوريٍّة في الحنين لكنّها عاطفيّة منفعلة تستند على المبالغة hyperbole فشاعرنا قد,تعمّد رسم لوحة الحنين الآتي من مخيّلته في جوّ إنفعالي وعاطفيّةمفرطة sentimentality بهدف استجلاب ،وبشدّة، حواسّ القارئ ودمجه في جو القصيد وآخر لتوعية القارئ إلى أهمّيّة الموضوع المطروح وهو عشق الشّاعر لوطنه ومدى تأثيره عليه في غربته ،يقول شاعرنا:
لن تعرف العشق والأشعار والأدبا
كلّا وسحر الهوى مالم تزرْ حلبا
نعم نيران الحنين تنفث أبيات المستحيل ومرّة أخرى مبالغة كيف لا والحبّ "لحلب "موطن الشّاعر وأوّل منزل..يبالغ شاعرنا حين يجعل من حلب مصدر "الشّعر" "الأدبا"وحتى" سحر الهوى" معذور شاعرنا فهل يلام عاشق!بل معذور شاعرنا فأجمل الشعر ما أدهش!
يتابع شاعرنا في وصف حلب ومجازيّته تحتوي أركان الحياة كلّها٤ لتهز وتشغل حواسّ القارئ وتشعل فكره وأيّ شعر أقوى من هذا!
فها هو يقول:
تاج المدائن طول الدّهر شامخة
تعانق الشّمس والأفلاك والشهبا
الفلك في خدمة الوطن!فحلب بمجدها تعانق النّجوم بشموخها وعزّها
ملوكيّة الهيبة تفوق بحمالها جمال المدائن كلّها! بل:
قد أنجبت كل مخراق ونابغة
فوق الثّريا بسفر المجد قد كتبا
كتبتِ التّاريخ فوق الثّريا كيف لا وقد أنجبت نوابغا غزت أفكارهم وأعمالهم كتب العظمة والرّفعة وأكثر فهو يقول:
قف عند قلعتها واقرأْ مآثرها
تر الغرائب والأهوال والعجبا
عند قلعتها مرتع المآثر
وقصص العجائب والأحداث المدهشة
في كل زاوية سفر وملحمة
بها ثوى بطل أو فارسُ وثبا
نعم ملاحم وبطولات وروايات وفرسان كلّها وقائع تسطّر تاريخا من عزّة وإباء فهي شهباء قد جُدلت من سموّ الشّهب وسطوعها وشهاب البأس وصرامتها وشهباء في بياض بيضاء بحكمة الشيب بيضاء بخير الثّلج وجماله :
أبوابها في صروف الدّهر صا مدة
تصارع الرّيح والأيّام والحقبا
عصيّة على الزّمن أبيّة شامخة
ويا لجمال التّشخيص هنا فحلب ليست حجارة وجغرافيا بل روح محاربة تواجه شدَة الرّيح والأيّام والدّهور أبدا صامدة أمام مجريات القدر .
والرّوح واعية يقظة تحفظ كرامتها وتحمي وجودها:
قد خاب من ظنّ أن البغي يغلبها
ما مرّ باغ بها إلّا وقد غلبا
نعم هي الإبّهة والعلوّ فمن يطال يذلّها؟
وكلّ جائر فيها كان مهزوما!
أنّى اتّجهت تر الجوريّ مؤتلقا
فاح الشذا منه مثل المسك منسكبا
قصيدتنا في الغزل الوطني تنضح شاعريّة وخفّة إيقاع في موسيقا داخليّة هنا في المسك المنسكب حتى كأنّنا شممناه وشربناه بل ورأيناه ونحن نهتز طربا يزيدها نغما الباء المطلقة تطبق الشّفتين وترتاح في عبق الوصف الجزل المختزل.وصف ساحر جاذب أنظر:
وللعصافير أنغامٌ وأغنية
تغازل الصّبح كي يشدو الورى طربا
يا لروعة التّصوير التي جاءت في زقزقة الحرف والنّغم
فالعصافير تزقزق مغازلة الصّبح
كيف يغازل المحسوس مجرَدا
كيف يرى غير العاقل زمنا!!!
كلّ هذا يعيش في الشّعر ذلك العالم الخلّاق والذي يخلقه خيال الشّاعر المبدع
!!إذا فمخيَلة الشّاعر هي تلك الطّاقة التي تتفاعل مع أحاسيسه لتنتج صورا تظهر لنا كيف يرى العالم من خلالها فهي الوطن الذي يحتضن وطنا.نعم لقد كنّا وشاعرنا مع الأفلاك والشّهب الطّبيعة والعصافير
وهنا مع البحر والبدر:
والغيد كاللّؤلؤ المكنون في صدف
كالبدر خاف من الأنظار فاحتجبا
هو تصوير بانورامي يحتوي الكون بدءا بفلك مرورا برياض وغوصا بعمق البحار.
أنظر روعة الصّورة والتّشبيه فحلب فاتنة من لؤلؤ مكنون عندما تخجل وتخاف تتوارى كبدريختفي من وراء الغيم!
صورة ضوئية واللّون إيحاء للبياض والنّصاع والسّبب واضح!ينتقل بنا الشّاعر إلى الأثيريّة ومجالات النّفس إلى وقع حلب في النّفس كوقع الموّال منها:
وللمواويل سحر حين تسمعها
فتنتشي الرّوح إذْما كنت مكتئبا
إنَه الشعور والشفاء فالشّعر علاج ودواء
كيف لا واللّحن من الملل واليأس متمكَن نعم في ذكر شهباء شفاء من الكآبة بل:
كلّ الجمال تربّى في مرابعها
وراح يزحف في الأصقاع مغتربا
مبالغة في الوصف فالجمال مرادف لها وحدوها مداه !
بل أكثر فهو في باقي البقاع مغترب فاقد لهويّته وأصالته.
ويعود إلى ذاكرته شاعرنا ويكرّر القول ويجدّد العهد قائلا:
شهباء طيفك دوما في مخيّلتي
ماغاب يوما عن الأذهان أو ذهبا
رائع تموضع هذا البيت ها هنا فهو كما ذكرنا في بداية القراءة وصل معنويّ لما كان وما سيكون ما كان من ماضي وبعد وما سيإتي من وصل وقرب وهنا مربط الفرس وجوهر الرّسالة
فالوطن في مخيّلة تكتنز حياة ونبضا
بل بعثتها في قصيد سيبعثها حتما في واقع والوطن في الضّلع مسكنه:
جذور حبّك في الأضلاع راسخة
لاتعرف الزّيف والتّحريف والكذبا
نعم فهو عشق مزروع ومتجذّر في الرّوح والجسد ولأنّ صدق العشق كالذّهب لا يخدش يبقى حيٍا أبد الدّهر.وتكتمل دائرة الزّمان لتنتهي في المكان ويبدأ ما سيكون وينتهي ما قد كان .يقول شاعرنا:
لنا لقاء وإن طال الزمان بنا
إ نّ اللّقاء على الأحباب قد وجبا
تفاؤل وأمل في لقاء بل وعد وعهد لا يهملان!
التعليقات على الموضوع