سحر البيان .العباس بن الأحنف ...رجاء احمد

 



العباس بن الأحنف

( ١٣٨ / ١٩٨ هجرية )
أبو الفضل العبّاس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة من بني عَديّ بن حنيفة ، وقيل من بني الدّؤل بن حنيفة ، أصل بني حنيفة قوم العبّاس من اليمامة الّذين نزحوا إلى خُراسان
شاعر عبّاسيّ ولد ببغداد ، وكان جميل الخَلقِ والخُلق ، فصيح اللّسان مليح الحديث ظاهر النّعمة مُترفًا ، ولم يكن خليعًا ماجنًا ، وكان كريمًا سخيًّا ..
كان من الشّعراء الّذين تخصّصوا بالغزل ، أطالوا فيه ، وصوّروا معاناته ، فبرع بالاستعارات التّمثيلية والتّشابيه الحكائية ، فجاءت عباراته صادقة الحسّ ، ولعلّ من أبرز خصائص شعره : التزام العفة والألفاظ المهذبة والابتعاد عن الألفاظ المبتذلة ، ولهذا نجد أسلوبه الشعريّ يجمع بين القديم الصّلد في المتانة وقوّة السّبك ، وبين الرّقة في المعنى وسلاسة العبارة وحسن التّعبير ..
بناء الصورة الفنية :
استطاع العبّاس بن الأحنف إعادة صياغة الصّورة وبناء تركيبها ليقدّمها بلغته الفريدة ، كما أعاد تركيب مكنونات الأشياء وإحيائها من خلال تحويل المجرّد إلى المحسوس ، فيُجسّد الشّوق ويجعل من ماهيته كائنًا يُلبس ..
قال أبو فرج الأصفهانيّ فيه : " كان العبّاس شاعرًا ظريفًا مطبوعًا وله مذهب حسن ، ولديباجة شعره رونق ولمعانيه عذوبة ولطف " .
وصفه بمثل ذلك ابن خلّكان : " كان العبّاس رقيق الحاشية ، لطيف الطّباع جميع شعره في الغزل " ..
اخترت لكم هذه الأبيات التي تسيل رقة وعذوبة :
أَبكـــي الَّذينَ أَذاقــــوني مَــوَدَّتَهُـــم
حَتّــى إِذا أَيقَظوني لِلهَوى رَقَـدوا
وَاِستَنهَضــوني فَلَمَّــا قُمتُ مُنتَصِبـًا
بِثِقــلِ ما حَمَّلوا مِـن وُدِّهِـم قَعَدوا
جــاروا عَلَّيَ وَلَـم يوفــوا بِعَهــدِهِمُ
قَـد كُنتُ أَحسَبُهُم يوَفونَ إِن عَهِدوا
لَأَخــرُجَــنَّ مِــنَ الدُنيـــا وَحُبُّكُــمُ
بَيـنَ الجَوانِـحِ لَـم يَشـعُر بِـهِ أَحَدُ
أَلفَـيتُ بَينـي وَبَينَ الهَـــمِّ مَـعــرِفَـــةً
لا تَنقَضي أَبَدًا أَو يَنقَضي الأَبَــدُ
حَسـبـي بِأَن تَعلَمــوا أَن قَد أَحَبَّكُــمُ
قَلبــي وَأَن تَسمَعوا صَوتَ الَّذي أَجِدُ

وله قصيدة
" فوز " التي اشتهرت كثيرا

ألم تعلمي يا "فوز" أني معـــــــــــــذب ُ
بحبكم , والحين للمرء يجلــــــــــــــــب ُ

وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ
أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــو
أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ
فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا
فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب ُ
وقد قال لي ناس تحمل دلالهــــــــــــــا
فكل ُّ صديق سوف يرضى ويغضـــب ُ
واني لأقلى بذْل غيرك فاعلمــــــــــــي
وبخلك ِ في صدري ألذ ُّ وأطيــــــــــــب ُ

فاني أرى من أهل بيتك نســــــــــــــوة ً
شبين َ لنا في الصدر ِ نارا ًتلهــــــــــب ُ

عرفن الهوى منـّا فأصبحن َ حـُسـّـــــدا
يخبرن عنـّا من يجيءْ ويذهـــــــــــب ُ
واني ابتلاني الله منكم بخــــــــــــــادم ٍ
يبلغكم عني الحديث ويكـــــــــــــــذب ُ
ولو أصبحت تسعى لتوصل بيننـــــــا
سعدت ُ , وأدركت ُ الذي كنت ُ أطلب ُ
وقد ظهرت أشياء ٌ منكم كثيــــــــــرة ٌ
وما كنت منكم مثلها أترقــــــــــــــب ُ
عرفت ُ بما جرّبت ُ أشياء جمـّــــــــة ً
ولا يعرف الأشياء إلا المجــــــــرب
ولي يوم ٌ شيعت الجنازة قصـــــــــة ٌ
غداة بدا البدر الذي كان يـُحجــــــب ُ
أشرت ُ إليها بالبنان فأعرضــــــــت
تبسم ُ طورا ً ثم تزوي فتقطـــــــــب ُ
غداة رأيت الهاشمية غــــــــــــــدوة ً
تهادى حواليها من العين ِ ربــــرب ُ
فلم أر َيوما ً كان أحسن منظـــــــراً
ونحن ُ وقوف ٌ وهي تنأى وتنــدب ُ
فلو علمت " فوز ٌ " بما كان بيننــا
لقد كان منها بعض ما كنت ُ أرهب ُ
ألا جعل الله الفدا كل ّ حــــــــــــرة
"لفوز" المنى إني بها لمعــــــذّب ُ
فما دونها في الناس للقلب مطلــب ٌ
ولا خلفها في الناس للقلب مذهـب ُ
وان تك " فوز " باعدتنا وأعرضت
وأصبح باقي حبلها يتقضـّــــــــــب ُ

وحالت على العهد الذي كان بيننــا
وصارت إلى غير الذي كنت أحسب ُ
وهان عليها ما ألاقي فربمـــــــــــــا
يكون التلاقي والقلوب تـُقلـــــــــــّب ُ
ولكنني والخالق البارئ الــــــــــذي
يـُزار ُ له البيت العتيق المحجــــــب ُ
لاستمسكن َّ بالود ِّ ما ذر َّ شــــــارق
وما ناح قمري ُّ وما لاح كوكــــــب ُ

وأبكي على فوز بعين ٍ سخينـــــــــة ٍ
وان زهدت فينا , نقول ُ : سترغب ُ

ولو أن لي من مطلع الشمس بكـرة
إلى حيث تهوى بالعشي فتغــــرب ُ
أحيط به ملكا ً, لما كان عـِدلهـــــا
لعمرك .. إني بالفتاة لمعجـــــــب ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الحين : الهلاك .
2- يثرب : الاسم القديم للمدينة المنورة.
3- أقلى : أبغض وأكره . بذل غيرك : عطاء غيرك ووصاله .
4- شبين : أوقدن وأشعلن .
5- البنان : طرف الإصبع . تزوي فتقطب : تزوي ما بين حاجبيها علامة الغضب والاستياء.
6- الربرب : القطيع أو السرب من بقر الوحش , والمقصود به هنا سرب من الحسان . العين : جمع عيناء , وهي البقرة الوحشية ( كانت العرب تشبه الحسان بجمالها ) .
7- تنأى : تبعد .
8- مذهب : سبيل .
9- يقتضب : يتقطع . حبلها يتقضب , أي يذهب ما بيني وبينها من ود ٍّ ومحبة .
10- حالت : تغيرت وتبدلت .
11- تقلب : تتغير وتتبدل من حال إلى حال .
12- ذر : بزغ ولمع ولاح . شارق : أي نجم في السماء . قمري : نوع من الحمام حسن الصوت .
13- سخينة : الباكية بالدموع الحارة .
14- عدلها : كفؤا ً لها ومساويا ً لقيمتها ومعبرا ً عن تقديري واعتزازي لها .





رجاء احمد

ليست هناك تعليقات