الشاي بالنعناع والفتى الشامي مدحت رحال
الشاي بالنعناع والفتى الشامي
------------------------
ولنا موعد مع فتى شامي آخر
غير فتى حارة المِسكي ،
خرجت قافلة حجيج من الشام ( أيام القوافل البرية ) ، وكان برفقتهم فتى فقير يخدمهم مقابل نفقته في الرحلة ،
وكانت قوافل الحجيج من الديار المصرية والديار الشامية تلتقي في مفترق طرق ينطلقون منه إلى أرض الحجاز في الذهاب ، ويفترقون عنده في الإياب ،
توافدت قوافل الحجيج من مختلف البلاد الإسلامية إلى مكة المكرمة ،
وفي أحد الأيام والناس بين طائف ومصلي ، إذا برجل مسن ينادي بأعلى صوته في الناس :
لقد فقدت همياني وبه مبلغ ستة آلاف ليرة ذهبية ، ويناشد أصحاب الأمانة والضمير من وجده أن يرده إليه فليس يملك من المال غيره لنفقته ، ووضع مكافأة ألف ليرة ذهبية لمن يرده ،
( الهميان هو حزام جلدي يضع فيه الرجل نقوده خوفا من السرقة )
صادف بتقدير الله أن وجد الفتى الشامي ذلك الهميان ، ولما سمع مناشدة الرجل لذوي الأمانة ، ذهب إليه وقال له هذا هميانك بارك الله لك فيه ، نظر إليه الرجل وكأنه متعجب أن يكون فتى بهذا العمر على هذه الأمانة ، وقال له تعال معي يافتى إلى بيتي لأعطيك مكافأتك ،
حاول الفتى أن يعتذر لأنه لا يريد ثمنا لأمانته ، ولكن الرجل أصر ،
في البيت ، أحضر له كوبا من ( الشاي بالنعناع ) ، قال له يا بني ألا ترى أن مبلغ ألف ليرة كثير وأنا رجل كبير ، ما رأيك لو تأخذ خمسمائة ليرة فقط ،
قال له كما تريد ،
أخذ معه في الحديث ثم أحضر كوبا ثانيا من ( الشاي بالنعناع ) ،
وبعد أن احتساه قال الرجل ،
ألا ترى يا بني أن المبلغ كبير ،
لو تجعلها مائة ليرة فأنا رجل كبير وأحتاج المال ،
قال له الفتى ، كما تشاء
أخذ معه بأطراف الحديث ثانية ، ثم أحضر له كوبا ثالثا من ( الشاي بالنعناع ) وقال له ،
يا بني انت فتى صغير والمستقبل أمامك ،
ما رأيك لو دعوت لك دعوة بدل النقود ،
قال له الفتى ، لقد أخبرتك من البداية أني لا أنتظر مكافأة على أمانتي ، والأمر إليك ،
رفع الرجل يديه إلى السماء وأخذ يتمتم بدعوات لم يسمعها الفتى ، وبعد أن انتهى سلم على الفتى وودعه ورجع الفتى إلى رحاله ،
انتهى موسم الحج وأدى الحجيج مناسكهم وقفلوا راجعين إلى ديارهم ،
وعند مفترق الطرق بين الديار الشامية والمصرية ، إذا بالفتى يخبر رفاقه الذين صحبهم بأنه لن يرجع إلى الشام وسيذهب إلى مصر ،
استغرب صحبه ذلك وحسِبىوا أن يكون قد أساء إليه أحدهم وأغضبه ، وحاولوا مراضاته ،
شكرهم على حسن صحبتهم وأوضح لهم أنه خطر له أن يذهب إلى مصر ليجرب حظه هناك وأن هذا كل شيء ،
ودع رفاقه وذهب صحبة قافلة من حجيج مصر ،
وفي مصر ، عمل الفتى وجد واجتهد ، وفتح الله عليه وبسط له في رزقه وأصبح له معارف وأصحاب ،
ذات يوم قال له أصحابه لم لا تتزوج وأنت شاب محترم وعلى خلق ودين ،
قال : أنا رجل غريب ولا أجد من يرغب بتزويج ابنته من غريب ،
قالوا له هنا في الحارة التي تسكنها امرأة أرملة متدينة ولها ابنة جميلة تناسبك ولا نظن أنها ترفض تزويجك ابنتها ونحن نشهد بحسن سيرتك وخلقك ،
تم الزواج وأقام الفتى مع زوجته في بيت أمها حتى لا يتركونها وحيدة ،
وذات يوم أخرجت حماته صرة من المال ووضعتها بين يديه وقالت له خذ هذا المال لك ولزوجتك فإني كبرت ولا نفع لي به ،
أعطته المال وأخذت تبكي بحرقة ولوعة ،
قال لها انت دفعت لي المال عن طيب خاطر وانا رجل ميسور الحال ولست بحاجة إليه فخذيه ،
قالت له يا ولدي أنا لا أبكي أسفا على المال ، ولكني أبكي أسفا وحسرة على زوجي ،
قال لها وما دخل المال في ذلك ولم تبكِ إلا عندما أعطتني المال ،
قالت إن زوجي كان رجلا مباركا مقبول الدعوة من الله ، لا يدعو بشيء فيه خير إلا استجاب الله دعاءه ، وقد وقعت له حادثة في بلد الله الحرام سنة كذا حيث أضاع هميانه ،
وقصت عليه القصة كلها كما أسلفنا ،
ونسيت أن تذكر ( أكواب الشاي بالنعناع )
ثم قالت : وكانت دعوة زوجي لهذا الفتى بظهر الغيب أن يتزوج ابنته ويكون هذا المال لهما ،
وها أنت رجل غريب تزوجت ابنتي ، فلما أعطيتك المال تذكرت ذلك فبكيت خوفا على زوجي أن يكون الله قد غضب عليه حيث لم يستجب دعوته ولم تتزوج ابنته الفتى الشامي كما دعا ، ولهذا فأنا أبكي عليه ،
نظر اليها الفتى الشامي وقال :
ولكنك نسيت أن تذكري ((( ثلاثة أكواب شاي بالنعناع )))
حملقت فيه فاغرة فاها وصرخت :
((((( أنت الفتى الشامي )))))
كانت اكواب (( الشاي بالنعناع ))
دليل صدق الفتى الشامي واطمئنان المرأة على زوجها ،
بقي أن أقول :
والله لقد بكيت وأنا أكتب خاتمة القصة ،
فهل بكيتم ؟؟؟
التعليقات على الموضوع