مدحت رحال ،،غرام على ضفاف الفرات
غرام على ضفاف الفرات
غرام على ضفاف الفرات
بيت قديم متشقق الجدران ،
يريد أن ينقض ،
بقايا قارب لصيد السمك ملقى على ضفة الفرات ،
يشهد أنه كان هنا يوما صياد سمك ،
على كرسي من القش يجلس عجوز محني الظهر ،
اعتزل الناس ، واعتزله الناس
لم يعودوا يعرفون عنه إلا اسمه / غريب
وهو غريب فعلا في وحدته وشروده واعتزاله ،
على مخايله بقايا وسامة ، وبقية صحة على وشك الغروب ، تشهد انه كان يوما رجلا مكتمل الرجولة والشباب ،
رجل غذاه ماء الفرات وهواؤه وسمكه وزرعه ،
في يده موبايل ،
تعجب منه ،
ماذا يفعل بالموبايل ، ويكلم من ؟!!
رفع الموبايل إلى اذنه ،
يبدو انه يكلم أحدا !
من ؟ وهو لا يغادر كوخه المتهالك ولم يُر يوما يخاطب احدا ،
تكلم وتكلم ، ثم وضع الجهاز السحري بجانبه ،
وشرد بناظريه يجوب صفحة الفرات وكأنه يراه لأول مرة ،
على شفتيه ظلال ابتسامة ، لا تُرى إلا عندما يتكلم في الموبايل ،
ألقى ظهره إلى الجدار كأنه يسنده ،
اغمض عينيه بعد ان شبع من منظر الفرات ،
رجع بذاكرته إلى الوراء ،
أيام ان كان فتى عفيا ممشوق القامة ،
بادي الوسامة في رجولة ،
ها هي تمر أمامه ، تحمل جرة الماء العذب ،
( زينة )،
جارة الفرات ، وظبية الفرات
في الواقع لم تكن صدفة ،
هو يتعمد ملاقاتها ،
احس انها تختلس النظر إليه على استحياء ،
تجرأ مرة وطلب منها شربة ما وكان الجو حارا ،
ناولته الجرة ،
كلمها واعرب لها عن إعجابه بها ،
وبادلته الإحساس ، لم يصدق نفسه ،
تكررت اللقاءات المختلسة ،
واتفقا على ان يتقدم لخطبتها ،
كان ابوها من اصحاب الأملاك والاراضي
وكان ابوه صياد سمك ،
لم يشفع له انه منخرط في سلك الجندية ،
ولم تفلح محاولات الوساطة في ثني والد زينة عن رأيه ،
قرار قاسي وحاسم :
( لا ازوج ابنتي بابن صياد سمك )
التقى الحبيبان ،
تشاكيا وبكيا ،
تعاهدا أن لا يفرق بينهما إلا الموت ،
حُبِست زينة ومنعت من الخروج ،
وانتشرت قصة حبها لغريب ،
وتزوجت زينة مرغمة من شاب من ذوي الاملاك لتقطع كلام الناس الذين اخذوا يخوضون في سيرتها ،
ولم يتزوج غريب ،
مضت الايام ، وتقاعد من الجيش
توفي والداه وبقي وحيدا ،
واعتزل الناس ،
لم تكن هذه هي النهاية ،
مضت الايام بزينة وأنجبت وتزوج اولادها ،
ثم مات زوجها ،
اشتعلت جذوة الحب القديم في صدر غريب ،
واخذ يراقب بيت زينة ،
ورآها تجلس أمام بيتها وبين يديها جُرن لطحن القهوة كعادة الناس ذلك الزمان ،
وتقدم منها وتعارفا ،
دهشت عندما علمت انه لم يتزوج حفاظا على عهده لها ،
وتجدد الحب القديم ، واصبح يترقب يوم جلوسها امام البيت لطحن القهوة ، فيأتيها يتبادلان الحديث والذكريات ،
لم يكتف غريب بهذا اللقاء الأسبوعي القصير ،
ذهب إلى محل تلفونات واشترى موبايلا له وآخر لها ،
وصارا يتحادثان يوميا ،
وفجأة لم تعد زينة ترد على اتصالات غريب المتكررة ،
ومضت ايام على هذا الحال ،
ظن غريب ان هناك خللا في الموبايل ،
ذهب إلى محل الموبايلات ،
وكان صاحب المحل قد عرف منه قصة حبه لزينة ،
نظر إليه مشفقا وقال له :
اما علمت بالخبر ؟
قال غريب منزعجا : وأي خبر ؟
قال : لقد توفيت زينة منذ عدة ايام ،
تزلزل كيان غريب المتهدم ،
وسقط مغشيا عليه ،
وتم نقله إلى المستشفى على عجل ،
وهناك فارق الحياة ،
لقد شهدنا على شاطىء الفرات غراما عاد بنا إلى قصص الغرام العذري ،
رحم الله غريبا وزينة ،
التعليقات على الموضوع