دُوارُ بحرِ القلق....نهـــــى عمـــــر

 

نهى عمر



دُوارُ بحرِ القلق ...



عندما كلّ شيءٍ يَتَآمَرُ ..
على الذهن والعاطفة ..
يُهاجَمُ التَجَلُدُ بِسِياطِ مَرارة الواقعِ
أو بِأنيابِ حماقاتٍ لا تنتهي،
وجَرائمِ سطوٍ ..
حيكَت بنعومة أفعى
يَتَراءى سُمُّها تِرياقاً،
وهو زُعافٌ..
وأكاذيبٌ باسمِ كتابٍ مُقَدّسٍ
مع أحد الأنبياء
طرّزَتها نَسّاجاتٌ ساحِراتٌ،
وكَهَنَةُ زورٍ حاخامات ..
فلم يبقَ سَليماً منهُ
إلاّ اسمُهُ ..
وبِجَدارَةٍ غير مَسبوقَةٍ ..
عَزَفت للأصلِ لحنَها الجَنائزيَّ ..
قرصَنَةً
والناسُ في غفلَةٍ طالت ..
يَتَساءَلون عن الحلالِ، أو الحرام
يتَنافَرونَ أو يتَناقضون أو يَتَعاركونَ ..
حَدَّ الإقتِتالِ
بِذاتِ البَطنِ والبيتِ والمنفَى،
فَيرقُصُ فَرَحاً ناثِرُ السُمّ،
ويشعِلُها حَرائِقَ
تبتَلِعُ اخضِرارَ الأرضِ،
وعَراقَةَ الماضي
يغرَقُ عقلي في سُيولِ الذِكرَياتِ ..
هَواجِسَاً
والمَشاهِدُ تَتَوالَى أمامَ عينيهِ
خانِقَةً ..
تَصُمُّ الأصواتُ أُذُنَيهِ ..
مُتَداخِلَةً
نِتاجُ ضَجيجِها قاتِلٌ
تَتَزاحَمُ بِوَحشِيّةٍ في رِحابِه
تقهَرُ بالظلمِ لُبّ وَعيِه
فَتَنغَلِقُ بالكَآبَة نَوافِذُهُ وأبوابُهُ
فَيَقعُ مَغشِيّاً عَلى فِطنَتِهِ،
واُحتِمالِه
يَتَداعى الضَجيجُ فيهِ أَرَقاً صاخِباً ..
تَدُكُّهُ عَجَلاتُ الأخبارِ الفَتّانَة ..
تِلكَ التي تنتَقي مُفرَداتٍ ..
عمّا يُدعى حَضارَة
ضَرَبَت بِصُنوفِ فِتنَتِها المُسَلّحَةِ ..
أعناقَ المُدُنِ المُستَلقِيَةِ على ضِفافِ الأنهارِ ..
على شَواطِيء البِحار،
وأُخرَى على قِمَمِ الجبالِ والتِلال،
وتلكَ الوادِعَةِ .. المُستَرخِيَةِ ..
على صدرِ الحقولِ والسهول
كلّها ..
لمْ تَعُدْ هِيَ،
ولا الضَواحي والقُرى
هَرَبَت من مَعالِمِها قَتيلَةً أو مُثخَنَةً
وَغابَت عن أساميها إلى حين ..!!
في غَيبوبَتِهِ عقلي .. يَرى ..
مَشارِطَ جَرّاحي الحَضارَة البَهلَوانِيَّة
مُدَّعي الحُرية ..
تحفُرُ خَرائِطَ السَقَم القَبيحة
اُرتِفاعاً .. طولاُ .. وعرضاً
تَتَمدَّدُ، وتَمتَدُّ .. دونَ شُعورٍ
وَلا تأنيبِ ضَميرٍ
بِوَجهِ الأمكِنة ..
تشرَبُ جَمالَها المُعَتَّقَ منذُ عٌصور
تُمَزِّقُ أثوابَها العَريقَةَ الفَريدَة
تنهَشُ وجهَها وعُمقَها، والجَسَد ..
تسرِقُ نَفائسَ الأحشاء،
وتَدَّعي أنَّها الطَبيبةُ ..
البَريئةُ الجَريئةُ الماهِرة،
وأنّها تُجَمِّل النُفوسَ والعقولَ والأَماكِن ..
لكنها ..
تُدَثِّرُ الخَريطةَ أسماءً غَريبة
مُخفِيةً وجهَ الحَقيقة
فيهتَريءُ الجَسَدُ بالمَعاوِل
كَثرَةٌ تَكالَبَت .. تاهَ السَبيلُ
ضُلِّلَ المُقاوِم ..
جَمْعٌ يُساوِم ..
والغَيثُ مَحصورٌ، أو عائمٌ أو نائم ..!!
في الغيبوبَةِ ..
كلّ شيء يبدو .. رَمادِياً مُغبَرّاَ ..
صورةٌ يَعلوها الغَباش .. مُشَوَّشةُ المَلامِح،
أوصالها مقطعة ..
عَشوائِيَةُ الإِقامَة
شَبَكاتٌ عنكَبوتِِيةٌ
نَسَيجُها .. و هندَسَتها
هَشَّةٌ مَتينَةٌ ..
إلى حينِ رَمَق ..!!
كَأنَّهُ دُوارُ البحرِ .. يَدورُ كلي غَريقاً ..
لا يَعرِفُ السِباحَةَ في بُحورِ الذُلِّ والنِفاق
أشباحُ الكونِ
أطيافُ الغِلّ
جُيوشُ القَلقِ والعَتمِ
تُهاجِمُ بِضَراوَة
يُقاوِمُ دُوارَهُ
يُقاتِلُ طَواحينَ الظَلامِ ..
موتَ مَدى الأَمَل،
وَفَداحَةَ الواقِع ..
يَفيقُ .. لِيسقُطَ في جُبِّ دَهشَةِ البَريء،
فَلا يَستَطيعُ نُكوصاً
وَلا هوَ على التَجاهُلِ قادِرٌ

نهـــــى عمـــــر

ليست هناك تعليقات