سحر البيان .... شرف الدين محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجيّ البوصيريّ ...رجاء احمد
شرف الدين محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجيّ البوصيريّ
أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ
أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضَـمِ
فما لعينيك إن قلت اكْفُفا هَمَتــا وما لقلبك إن قلت استفقْ يهـِـــمِ
أيحسب الصبُّ أنّ الحبّ منكتـــمٌ ما بين منسجم منه ومضْطَّــــــرِمِ
لولا الهوى لم ترقْ دمعًا على طـللٍ ولا أرقْتَ لذكر البانِ والعَلــــمِ
نعمْ سرى طيفُ منْ أهوى فأرّقـني والحبّ يعترض الّلذات بالألــــمِ
يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة مني إليك ولو أنصفتَ لم تلُــــمِ
والنفسُ كالطفل إن تُهْملهُ شبَّ على حبّ الرّضاعِ وإن تفطمْهُ ينفطــمِ
فاصرفْ هواها وحاذر أن تُوَليَــهُ إنّ الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِـمِ
أستغفرُ الله من قولٍ بلا عمــــلٍ لقد نسبتُ به نسلًا لذي عُقـــــُمِ
ظلمتُ سنَّةَ منْ أحيا الظلام إلـــى أنِ اشتكتْ قدماه الضّرَ من وَرمِ
وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطـــوى تحت الحجارة كشْحًا مترف الأدمِ
وراودتْه الجبالُ الشّمُ من ذهــبٍ عن نفسه فأراها أيّما شَــــممِ
محمدٌ سيد الكونين والثقليــــن والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ
نبيّنا الآمرُ الناهي فلا أحــــدٌ أبرَّ في قولِ لا منه ولا نعــــمِ
هو الحبيب الذي تُرْجى شفاعـته لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون بــه مستمسكون بحبلٍ غيرِ مُنفصـــمِ
فاق النبيّين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمـــسٌ غرفًا من البحر أو رشْفًا من الدِّيَمِ
فهو الذي تمّ معناه وصورتــه ثم اصطفاه حبيبَا بارئُ النَّســـمِ
منزهٌ عن شريكٍ في محاســـنه فجوهر الحسن فيه غير منقســـمِ
وانسب إلى ذاته ما شئتَ من شرف وانسب إلى قدره ما شئتَ من عظمِ
وكلُ آيٍ أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلتْ من نوره بهــــمِ
فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُهــا يُظْهِرنَ أنوارَها للناس في الظُلـمِ
أكرمْ بخَلْق نبيّ زانه خُلـُـــقٌ بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّســـــمِ
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ والبحر في كرمٍ والدهر في هِمَمِ
أبان مولدُه عن طيب عنصــره يا طيبَ مبتدأٍ منه ومختتــــمِ
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهــــمُ قد أُنْذِروا بحلول البؤْس والنّقـمِ
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ كشملِ أصحاب كسرى غير ملتئـمِ
والنار خامدةُ الأنفاسِ من أسـفٍ عليه والنهرُ ساهي العينِ من سدمِ
والجنُ تهتفُ والأنوار ساطعــةٌ والحق يظهرُ من معنىً ومن كَلِـمِ
عَمُوا وصمُّوا فإعلانُ البشائر لــمْ تُسمعْ وبارقةُ الإنذار لم تُشــــَمِ
من بعد ما أخبر الأقوامَ كاهِنُهُمْ بأن دينَهم المعوجَّ لم يقـــــمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شُهُب منقضّةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ
حتى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ من الشياطين يقفو إثر مُنـــهزمِ
مثلَ الغمامة أنَّى سار سائــــرةً تقيه حرَّ وطيسٍ للهجير حَــــمى
أقسمْتُ بالقمر المنشق إنّ لـــه من قلبه نسبةً مبرورة القســــمِ
لا تُنكرِ الوحيَ من رؤياهُ إنّ لــه قلبًا إذا نامتِ العينان لم يَنَـــم ...
شرف الدين محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجيّ البوصيريّ ، ولد بقرية دلاص ، إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر ، في أول شوال ٦٠٨ هـ ، الموافق ٧ من مارس ١٢١٣ م ، لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة صنهاجة ، إحدى قبائل الأمازيغ ، التي استوطنت الصحراء جنوب المغرب الأقصى ، ونشأ بقرية بوصير القريبة من مسقط رأسه ، فحفظ القرآن في طفولته ، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة ، حيث تلقّى علوم العربيّة والأدب ، وتتلمذ على عدد من أعلام علماء عصره ....
عُني بقراءة السيرة النبوية ، ومعرفة دقائق أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وجوامع سيرته العطرة ....
نظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه ، وله قصائد كثيرة ....
يمتاز شعره بالرصانة والجزالة ، وجمال التعبير ، والحس المرهف ، وقوة العاطفة ....
اشتهر بمدائحه النبوية ، التي ذاعت شهرتها في الآفاق ، وتميزت بروحها العذبة ، وعاطفتها الصادقة ، وروعة معانيها ، وجمال تصويرها ، ودقة ألفاظها ، وحسن سبكها ، وبراعة نظمها ؛ فكانت مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده ، ومثالا يحتذيه الشعراء لينسجوا على منواله ، ويسيروا على نهجه ، فظهرت قصائد عديدة في فنّ المدائح النبويّة ، أمتعتْ عقول ملايين المسلمين ووجدانهم على مرّ العصور ، و كانت دائمًا تشهد برِيادة البوصيري لهذا الفنّ بلا منازع ...
تعدّ قصيدته البردة أو ( الكواكب الدّريّة في مدح خير البريّة ) من أعظم المدائح النبويّة ، ومن عيون الشعر العربي ، ودرّة ديوان شعر المديح في الإسلام ، الذي جادت به قرائح الشعراء على مرّ العصور ، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبويّة بعد قصيدة سيدنا كعب بن زهير ، رضي الله عنه ، الشهيرة ( بانت سعاد ) ...
وله أيضا القصيدة الهمزية في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة ...
وله أيضا قصائد أخرى في المديح والتوسّل والتضرّع إلى الله ، منها ( المضريّة في مدح خير البريّة ) والقصيدة الخمريّة ، وقصيدة ، ذخر المعاد ، ولاميّة في الرد على اليهود والنّصارى بعنوان ( المخرج والمردود على النّصارى واليهود ) .
يُروى أنه أصيب بمرض الفالج ، أو ما يُسمى الآن بالشلل النّصفي ، وأُقعد ، فنظم قصيدة البردة ناويًا بها الاستشفاء ، وبعد نظمه لها ، رأى في منامه النبيَّ محمدًا ، صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه قصيدته تلك ، فمسح النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على جسمه ، فقام من نومه معافىً بإذن الله تعالى ...
تُوفِّي الإمام البوصيري بالإسكندرية سنة ٦٩٥ هـ الموافق لـ ١٢٩٥م ، عن عمر بلغ 87 عامًا ...
عُني البوصيري كما ذكرت بقراءة السيرة النبوية ، ومعرفة دقائق أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمع سيرته، وأفرغ طاقته وأوقف شعره وفنّه على مدح الرسول ، وكان من ثمار مدائحه النبوية (بائيّاته الثلاث) التي استهلها :
وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّـبُ ...
ويستهل الثانية بقوله :
بمدح المصطفى تحيا القلوبُ وتُغتفرُ الخـطايا والذنوبُ ...
أما الثالثة فيبدؤها بقوله :
أزمعوا البين وشدّوا الرّكابا فاطلب الصبر وخلِّ العتابا ...
وله أيضا عدد آخر من المدائح النبوية منها قصيدته الحائيّة ، التي يقول فيها مناجيا ربّ العالمين :
يا من خـزائن مـلكـه مملوءة كرمًا وبابُ عطائه مفتـوح
ندعوك عن فقر إلـيـك وحاجة ومجال فضلك للعباد فسـيح
فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا إن الكريم عن المسيء صفوح ...
وقصيدته الداليّة التي يبدؤها بقوله :
إلهي على كلّ الأمور لك الحمد
فـليس لما أوليتَ من نعمٍ حـدُّ
لك الأمر من قبل الزمان وبعده
وما لك قبل كالزمــان ولا بعدُ
وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ
إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ .
أعزائي جميعااا...هذه المرة أعلم يقينًا أنكم تعذرون إطالتي في السّرد لعظم المناسبة وجلالهاااا ...
كلّ عام وأنتم بخير وسعادة حضرات النجوم الأفاضل والأصدقاء النبلاء
التعليقات على الموضوع