بقلم/ ربى ريحاني
أن تجد هذه الأيام شخصاً ينكر ذاته، ويضحي في سبيل الوطن لهو أمرٌ صعب، ولكنه ليس بمستحيل. هذا ما أظهرته الملحمة الاجتماعية الاستخباراتية س ع للكاتب العراقي د. أياد طه، ففي روايته هذه الصادرة عن دار الأيام للنشر والتوزيع في الأردن، خرج الكاتب عن التقليد، وابتعد عن السيرة الذاتية ومنذ لحظة قراءتها تكتشف أنه صاحب قلب مثقل بهموم شعبه وحبه للوطن، لا يدعو إلى ثورة دموية
، بل فكرية سلاحها العلم والتخطيط المنظم الذي يحمي مقدرات الوطن ومواردها من عدوه.
اختياره لاسم الرواية ذكي جداً ولافت للنظر وكأنه يدعو القارئ، ويقول له تفضل إلى العمق، هناك أحداث مشوقة بانتظارك. وعندما تبدأ بقراءتها تجدها منذ البداية تركز على البطل س ع وشخوص قليلة، حيث أصر السارد ألا يكشف اسمه الحقيقي لإثارة عنصر التشويق والخيال أو ربما لجذب الجيل الجديد وحثهم على القراءة. حملت الرواية خطاباً اجتماعياً، وسياسيًا، ودينيًا وثقافيًا ورومانسيًا في آن واحد؛ وهذا عمل إبداعي للغاية بجمعهم معاً في مكان واحد.
كان البطل س ع شاباً في مقتبل عمره، متزوجًا وله ابن، لديه وظيفة متواضعة مع الدولة، وتدرج بها إلى أن أوكلت له مهمة إنقاذ شعبه من عملية إرهابية قد تفتك بحياة الأبرياء من أبناء وطنه وأمته وهذه المهمة السرية والخطرة تمثلت في إحباط تفجير سلاح كيميائي تم تصنيعه بوصفة خاصة من قبل أستاذ جامعي يُدرس في إحدى الجامعات في بلد آمن غير العراق. لقد تخلى عنه قادته الذين كلفوه بالمهمة بسبب تغيرات في لوجستيات الخطة وفقد الدعم الذي احتاجه لإتمام المهمة، إلا أن إنقاذ أرواح الأبرياء من أبناء وطنه مهما كانت طائفتهم وانتماءاتهم كانت أولويته التي لن يتنازل عنها مهما كلفه الأمر. فالكاتب بينَ لنا أن بطلنا رجل ذو إرادة وصاحب مبدأ، متمسك بقيمه ورجل بأس. يرى البطل س ع وطنه منارة علم وأم الحضارات والأديان والقوميات في صفحة ٢٨٣ يتحدث البطل مع نفسه ويقول: "أنت لوحة إنسانية بكل قومياتك والأديان والمذاهب فيك، لهذا يحاولون تلوين أرضك بالدم، لكن ثق منك الثورة والتغيير في حال أمتنا ستتفجر، وأعاهدك أن هذه ستبقى عقيدتي، لن أهاب الشر ولن أداهن من تجبر"
دارت أحداثها في ثلاثة بلدان، وكان في كل بلد له اسم ووضع ودور مختلف عن الآخر كلفه طلاقه من زوجته وفقدان حب حياته وابنه وخروجهما من حياته الكثير، وفي موقف ما ادعى بأنهم قد ماتوا. تقمص البطل أربع شخصيات فتارة نراه من الطبقة المخملية صاحب أملاك ومجمع تجاري وتارة عاملاً وتارة موظفاً، كتب صكوكا مؤجلة وملأ المجمع بالبضائع غير مدفوعة الثمن، وبعد أن زُج بالسجن وجد خالد نسيبة فرصته المنشودة لينتقم منه بسبب غيرته التي ملأت صدره بالحقد والكراهية للبطل كونه كان ناجحاً وهو لا. فاستولى على أملاكه وقام برفع قضايا ملفقة عليه، وسعى لطلاقه من شقيقته. ولكن بعد خروجه من السجن تابع مسيرته لإتمام المهمة في سبيل الدفاع عن وطنه، حتى لو كان الجندي الوحيد في الكون.
نسج الكاتب أحداث الرواية كمن يطرز ثوبًا عربيًا يحتاج إلى دقة وتركيز فائقين، تعمد الكاتب أن يبني روايته من خلال رموز ودلالات ليجبر عقل القارئ على تحليل النص، ويقرأ ما بين السطور، كيف لا وهي رواية استخباراتية غامضة، فقد أراد أن يثير عنصر التشويق من خلال مخاطبة العقل والعاطفة في آن واحد. ظهر البطل طيلة أحداث الرواية بالرجل المثقف الواعي لمصلحة شعبه ويعي تماما الخطر الذي يحيط بوطنه وحكومته المُسيسة من الخارج والضغط الذي تفرضه الدول الأعداء.
نجد نهاية الرواية مفتوحة وكأن الكاتب أياد طه يقول هناك جزء ثانٍ للرواية وكأنه يقول أيضاً أن القادم أفضل لمستقبل أمتي، بالنسبة لبطلنا في الرواية فإن الانتصار ليس بالمعركة، ولكن بالسلم، والسلم هو بتمكين أبناء شعبه بالعلم والثقافة من خلال المنقذين، فبعد أن أتم البطل مهمته في التخلص من البروفيسور مخترع الوصفة الكيميائية جمع نخبة من المتعلمين والمثقفين بقيادة الضابط زياد. أمره البطل أن يقسمهم إلى أربع مجموعات، إعلاميًا، ودينيًا، ومجتمعيًا وقوة ضاربة، واختار منهم أربعة أشخاص كفء أصحاب تخصصات أكاديمية لتشكيل حكومة ظل أو ما يعرف بحكومة إنقاذ وطني.
عند اللقاء بالمجموعة الصغيرة المتكونة من زياد وامرأة وثلاثة رجال آخرين قام البطل بالترحيب بهم، فبادرت الشابة الثلاثينية وعرفت عن اسمها "شيار" وهو يعني الثورة باللغة الكردية، تعمد الكاتب ذكره في الرواية كون الأكراد هم أصحاب القومية العريقة، طلب منها كونها إعلامية بتأسيس جيش إلكتروني يدعو إلى الترويج والخروج في احتجاجات شعارها استرداد الوطن وتفريغه من المفسدين والأحزاب ومن تدخل هيمنة الدول المجاورة ومنعهم من تنفيذ أجنداتهم في العراق. أما رعد وطه وعيسى المسيحي ليؤكد على الوجود والتاريخ المسيحيين في العراق، فكلّ منهم كُلّف بدور رئيس ضمن نفوذهم وتخصصاتهم، وينهي لقاءه بهم بحثهم على أن يكونوا أصحاب همة ورباطة جأش والتخلّي عن منصب الرئيس والاقتداء بمنصب القائد؛ لأن الرئيس يركّز على كلمة أنا، أما القائد الناجح يعمل ضمن المجموعة ويركّز على كلمة نحن.
رواية تستحق القراءة وتوسيع الرؤية المستقبلية لأي عربي أو مهما كان عرقه ولا سيما أنها ترجمت لعدة لغات ونشرت في كافة أرجاء الوطن العربي والخارج
التعليقات على الموضوع