جواب الطلب بين الرفع والجزم.... د.وجيهة السطل
جواب الطلب بين الرفع والجزم.
وقفة نحوية مسائية
جواب الطلب بين الرفع والجزم.
أصدقائي من الأساتذة عشاق النحو.
[[هذا بحث لا أعرف أحدًا سبقني إليه بهذا التفصيل،في جزئه الأول ،وهو (جزم جواب الطلب الإيجابي) أرجو ألا تمروا به مرور الكرام، بل أن تقرؤوه بتمعن، لنناقشه معًا، ولكم شكري وتقديري]]
جواب الطلب بين الرفع والجزم
■ أولًا: الطلب الإيجابي:
الطلب أسلوب إنشائي،يتنوع بين أمر ونهي واستفهام و تحضيض ..إلخ.
١- الطلب الإيجابي (الأمر): متى يكون المضارع مجزومًا بجواب الطلب؟
يقول النحاة:
لكي يتحقق الجزم في جواب الطلب لا بد من توفر شروط هي:
أ- أن يتقدم الطلب على الفعل المضارع.
ب- ألا توجد فاء السببية في جواب الطلب. لأن المضارع يصبح منصوبًا بأن مضمرة وجوبًا بعدفاء السببية ..
ج- أن يقصد بالمضارع الجزاء، أي أن يكون المضارع مسبَّبَا وناتجًا عن ذلك الطلب المتقدم عليه. ويتحقق ذلك بإضمار شرط في الطلب.
- اعمل خيرًا تحصدْ خيرًا. ( فإن تعمل خيرًا) تحصدْ خيرًا.
[وهذه فقط هي حالة وجوب الجزم بجواب الطلب.]
يقول سيبويه في الكتاب:(الفعل المضارع الواقع في. موقع جواب الطلب يصح فيه الوجهان الجزم والرفع)
ويخرَّج الجزم على إضمار أداة شرطٍ وفعل شرط محذوف. فيكون المضارع بمثابة جزاء الشرط ، والشرط سبب لحدوث الجواب.
أما تخريج الرفع فعلى إبطال الارتباط الشرطي، وجعل المضارع ،مرفوعًا، والجملة وصفية أوحالية.
■ ترك سيبويه الخيار مفتوحًا لنية القائل.والإعراب لايكون بالنية دائمًا ، مع احترامي الشديد لسيبويه.
■ وحين أعملت الفكر في قوله،وعدت إلى ماورد في القرآن الكريم ، وجدت أن الخيار ليس مفتوحًا.
بل إنَّ هناك حالاتٍ ثلاثًا:
أ- حالة توجب الجزم .
ب- وحالة توجب الرفع . ،
ج- وحالة ثالثة يجوز فيها الوجهان، كما ذكر سيبويه.
ولدى استعراض الأمثلة المختلفة ، من كلام الكُتَّاب أو الشعراء، أو من آي الذكر الحكيم .تبين لي ما يلي:
■ ١-وجوب الجزم:
إذا كانت نتيجة فعل الأمر تحصد فور التنفيذ وجب الجزم، ...
أمثلة:
- {فأووا إلى الكهف ينشرْ لكم ربكم من رحمته} .
فنشر الرحمة مشروط بالاستجابة لأمر (فأووا)فإن تأووا ينشرْ.
ولا يصح هنا وجه الرفع على الإطلاق.
إذ لا يقبل وجه الحالية ،(فأوو١ا إلى الكهف ناشرين الرحمة!!) ولا وجه الوصفية (فأووا إلى الكهف الناشر الرحمة) .
- (زرْني أكرمْكَ) . فالإكرام. مرهون بالزيارة. وتأويل الشرط واضح. ولا وجه لرفع المضارع فيها .
وكأنه قال ( إن تزرني أكرمْكَ).
- استمع الآن إلى المحاضرة جيِّدًا تستفدْ.
فالفائدة هنا مرهونة بالاستماع الفوري ، وتقدير الشرط واجب.
- قول المذيع تابعونا تجدوا مايسركم. وهنا تأويل الشرط واضح،إن تتابعونا تجدوا. فالمتابعة سبب والمسرة نتيجة.
■٢- وجوب الرفع :
فإذا انتفت العلاقة المنطقية السببية بين فعل الأمر والفعل المضارع الذي يتلوه فالرفع هو الواجب .
- مثال:قولنا في دعوة اجتماعية:
-كونوا معنا غدًا، نحتفلُ بالشاعر المتميز.
هل يتوقف الاحتفال على حضورنا؟ أم سيتم سواء استجبنا للدعوة أم لم نستجب فلم نكن معهم؟؟؟
ولايصح طبعًا للمعنى، تقدير شرط محذوف . فالمضارع هنا واجب الرفع على الحالية(كونوا معنا محتفلين ) .
- وقال الأخطل:
وقال رائدهم اُرْسُوا نزاولُها
..فكلُّ حتفِ امرئٍ يمضي لمقدار
لم يجزم نزاولها.والرفع هنا على الحالية..
- وقال الشاعر:
كُنْ ابْنَ مَنْ شِئْتَ وَاكْتَسِبْ أَدَبًا
(يُغْنِيكَ) مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ
ورفع المضارع بعد الأمرهنا على الوصفية،أدبًا مُغنيًا.
- قوله تعالى:{ وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، ترهبون به عدو الله وعدوكم}
جاء برفع المضارع لا جزمه،ولا يجوز الجزم؛ إذ غرض إرهاب العدو وغايته مستمرة حين الإعداد وبعده. والجملة حالية .
أي: أعدوا مُرهبين.
■ ٣- جواز الجزم والرفع .وهذا يخضع لأمرين:
أ-صحة المعنى حال تقدير الشرط، أو النعت أو الحال أو الاستئناف.
ب- نية الآمر هل يقصد الآنية أم
الاستمرارية.
إذا قصد القائل الشرط المقدر في طلبه، والآنية في نتيجة الطلب، مع بقاء صحة المعنى المطلوب وجب جزم المضارع الواقع في جوابه.
اِقرأ ما كتبته لك تجدِ الرد على تساؤلك.
-يجوز للقائل عدم قصد الشرط وبذلك يفكّ الارتباط بين الطلب، والفعل والمضارع، فيرفعه على الاستئناف أو الوصف أو الحال..
ومثال الرفع قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} الأنعام:٩١
ومثال الجزم :
- قوله عز وجل: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل}. الحجر: ٣.
وفي سورة طه:آية ٥٨ قوله تعالى:{فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلفُه نحن ولا أنت}
قرأ أبو جعفر: (لا نخلفْهُ) بتسكين الفاء جزمًا، على جواب الأمر. والجمهور بالرفع على الصفة للموعد. وقراءة الجمهور أقوى للمعنى.موعدًا غير مُخلَف.
- في قوله تعالى: { فهب لي من لدنك وليًا* يرثُني ويرثُ من آل يعقوب}
سورة مريم:٥-٦
وأتى المضارع مرفوعًا بعد الأمر.
وقرأ اثنان فقط (أبو عمرو البصري والكسائي) بالجزم...يرثْني ويرثْ من آل يعقوب- والباقون برفعهما.
وتكون قراءة الجزم على أن (يرثْني) جوابًا للطلب (فهب لي) وعطف عليه (ويرثْ من آل يعقوب) وجعل الكلام متصلاً بعضه ببعض .
وفي قراءة الرفع تصبح (يرثُني) صفة الولي، (ولياً وارثاً) .
والأقوى عندي وجه الرفع لسببين:
الأول: لأنها قراءة الجمهور.
والثاني: لأنها أكثر منطقية. فليس وجود الولي شرطًا للوراثة، فقد يورث كلالة.. .
- قوله تعالى: {وألقِ ما في يمينك تلقفْ ما صنعوا}
سورة طه: ٦٩
وفي قراءة ابن ذكوان (تلَقَّفُ).
وهنا ايضًا جاء الجواز من قراءة آحاد . وتأويل الشرط وجزم جواب الطلب أولى.
والمثال الأقوى على حالة الجواز أن تقول لأحدهم ناصحًا:
اِقرأ تستفدْ . على إضمار الشرط وجزم المضارع جوابًا للشرط المضمر، وجوابًا للطلب.
ويجوز قولك:
اِقرأ تستفيدُ بالرفع على الحالية..اِقرأ مستفيدًا
■ ثانيًا: الطلب السلبي ،وهو أسلوب النهي بلا الناهية.
ومن الثابت أن جواب الطلب السلبي يجزم إذا كان محبوبًا. لا تقترب من النار تسلمْ.لأنه يصح تقدير شرط محذوف محقق للاستجابة للنهي. (فإن لم تقترب تسلم).
ويبقى مرفوعًا إذا كان مكروهًا لأنه ليس بجوابٍ للطلب.لاتقترب من النار تحترقُ
قال تعالى:{ ولا تمننْ تستكثرُ}:
جاء في تفسير القرطبي: "قراءة العامة بالرفع،وهو في معنى الحال.أي: لا تعطِ شيئًا مقدِّرًا أن تأخذ بدله ماهو أكثر منه. وقرأ الحسن بالجزم،على جواب النهي وهو رديء لأنه ليس بجواب".ولما كان الاستكثارمن الأجر على العطاء،أمرًا غير محمود كما جاءت به التفاسير كلها.
ولم ترد قراءة متواترة هنا إلا بالرفع. أي أراد وصف الحال (ولا تمنن مستكثراً) فرفع الفعل هنا واجب.
أعتذر لطول الحديث.
بارك الله فيكم جميعًا.
ولكم تحياتي وشكري.
التعليقات على الموضوع