معلقة النابغة الذبياني ...مطلعها ..يا دارَ ميَّةَ بالعَلياءِ فالسَّندِ...أقوَت وطالَ عليها سالِفُ الأبَدِ ..بإلقاء مميز



معلقة النابغة الذبياني ...مطلعها ..يا دارَ ميَّةَ بالعَلياءِ فالسَّندِ...أقوَت وطالَ عليها سالِفُ الأبَدِ


نشأته


النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية، وينتهي نسبه إلى سعد بن ذبيان بن بغيض، وهو أحد شعراء الجاهلية، وأحد فحولهم، ولد في عام 535 ميلاديا، وكان من الطبقة الشريفة في قومه من أهل الحجاز، ولا يُعرف كثيرا عن نشأته إلا بعد اتصاله بالبلاط.

كان النابغة محسدا في قومه، وجماعة من أقربائه بني مُرة تحالفوا عليه وعلى عشيرته ونفوهم من غطفان، فوقعت بينه وبين يزيد بن سنان المُري قصائد ومعلقات يتمثل فيها ما يحدث من عداوة بين الأقرباء، ونتبين منها ألم الشاعر وسخطه على قومه الذين لم يرعوا وده ولا ردوا سفاءهم عنه، مع احتياجهم إليه عند الملوك، حتى اضطروه إلى أن ينتسب إلى الغرباء.
اتجاهه للشعر وأسلوبه

قيل أن النابغة الذبياني لم يقل الشعر حتى صار رجلا، وقال ابن قتيبة عنه: (ونبغ بعد أن احتنك، وهلك قبل أن يُهتر، وهو أحسنهم ديباجة شعر، وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتا، كان شعره كلام ليس فيه تكلف،..)، وعده ابن سلام الجمحي في الطبقة الأولى بعد امرؤ القيس، وسمي النابغة لقوله: (فقد نبغت لنا منهم شؤون)
خصائص شعره

كان للنابغة مكانة متميزة بين شعراء الجاهلية، حيث تميز شعره برصانة الأسلوب والقوة، ولما له من شعر مختلف في كثير من موضوعاته عن معاصريه، فلكل باب طرقه، ونظم فيه رونقه وخصوصيته، فله في الطبيعة، وفي الحيوان، وشعر الاعتذار وخاصة في النعمان لم يقل أحد مثله.

ولا اعتذر أحد في شعره إلا أحتاج إلى النابغة الذبياني، وقد أشاد القدماء باعتذراته، وذلك لما يتميز به من مقومات حددها لنفسه خلال قصائده الاعتذارية، فهو يوائم بين ما يبثه في شعره من مدح للمعتذر منه، وبين تصوير لذاته وتحليله لنفسيته وهو يدفع عن نفسه ما لحق بها من ذنب، كما ظهر في قوله:

وعيد أبي قابوس في غير كنهه أتاني ودوني راكس فالضواجع

فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد في ليل التمام سليمها لحلي النساء في يديه قعاقع

ويأتي إعجاب المحدثين باعتذارته، حيث يجده بعضهم (ينحو منحي جديدا، يعاتب صاحبه عتابا فيه الألم الحزين، وفيه النفس الأبيه، وفيه الاعتذار المطمئن الواثق من نفسه في عتاب من أخلص الود)

كما برز النابغة في جانب المدح، وهناك قطع فنية رائعة من ديوان شعره في مدح الغساسنة والمناذرة، وكان لاتصاله بملوكها وما هم عليه من حضارة وتمدن أكسبه خصائص هاتين المملكتين جليا واضحا في شعره، وقد جاء المدح عنده متصلا بالحرب، وفي تصوير الجيوش الذي أبدع في التصوير والصف لكل ما يتصل بالمعارك حتى هيأ فيما بعد لبعض الشعراء الإسلاميين التوسع في هذا الجانب حتى أوصلوه إلى أداء طابع ملحمي.

المعلقة

يا دارَ ميَّةَ بالعَلياءِ فالسَّندِ
أقوَت وطالَ عليها سالِفُ الأبَدِ

وقفتُ بها أصَيلاً كي أُسائلَها
عيَّت جَواباً وما بالرَّبع من أحدِ

إلاّ الأَوارِيَّ لَأياً ما أبيّنُها
والنُؤيَ كالحوضِ بالمظلومةِ الجلَدِ

رَدّت عليهِ أقاسيهِ ولَبَّدَهُ
ضَربُ الوَليدَةِ بالمِسحاةِ في الثَّأَدِ

خَلَّتْ سَبيلَ أَتِيٍّ كانَ يَحْبِسُهُ
ورفَّعَتهُ إلى السَّجفَين، فالنَّضَد

أَمْستْ خَلاءً، وأَمسَى أَهلُها احتَمَلُوا
أَخْنى عَليها الّذي أَخْنى على لُبَدِ

فَعَدِّ عَمَّا ترى، إذ لا ارتجاعَ لهُ
وانْمِ القُتُودَ على عيْرانَةٍ أُجُدِ

مَقذوفَةٍ بِدَخيسِ النَّحضِ، بازِلُها
له صريفٌ، صَريفُ القَعْوِ بالمَسَدِ

كأَنَّ رَحْلي، وقدْ زالَ النَّهارُ بنا
يومَ الجليلِ، على مُستأنِسٍ وحِدِ

مِنْ وَحشِ وَجْرَةَ، مَوْشِيٍّ أَكارِعُهُ
طاوي المصيرِ، كسيفِ الصَّيقل الفَرَدِ

سَرتْ عليهِ، مِنَ الجَوزاءِ، ساريَةُ
تَزجِي الشَّمَالُ عليهِ جامدَ البَرَدِ

فارتاعَ مِنْ صَوتِ كَلَّابٍ، فَبَاتَ لَهُ
طَوعَ الشَّوَامتِ منْ خوفٍ ومنْ صَرَدِ

فبَّهُنَّ عليهِ، واستَمَرَّ بهِ
صُمْع الكُعُوبِ بَريئاتٌ منَ الحَرَدِ

وكانَ ضُمْرانُ مِنهُ حَيثُ يُوزِعُهُ
طَعْنَ المُعارِكِ عندَ المُحْجَرِ النَّجُدِ

شَكَّ الفَريصةَ بالمِدْرَى، فأننفذها
طَعْنَ المُبَيطِرِ، إذْ يَشفي من العضَدِ

كأَنَّه، خارجا منْ جنب صَفْحَتِهِ
سَفّودُ شِرْبٍ نَسُوهُ عندَ مُفْتَأَدِ

فَظلّ يَعْجُمُ أَعلى الرَّوْقِ، مُنقبضاً
في حالِكِ اللّنِ صَدْقٍ، غَيرِ ذي أَوَدِ

لَمَّا رَأَى واشِقٌ إِقعَاصَ صاحِبِهِ
ولا سَبيلَ إلى عَقْلٍ، ولا قَوَدِ

قالتْ لهُ النَّفسُ: إنِّي لا أرَى طَمَعاً
وإنَّ مولاكَ لَمْ نَسلَمْ، ولَمْ يَصِدِ

فتلكَ تُبْلغُني النُّعمانَ، إنَّ لهُ فَضلاً
على النّاس في الأَدنى، وفي البَعَدِ

ولا أَرى فاعِلاً، في النّاس، يُشبهُهُ
ولا أُحاشي، منَ الأَقوامِ، من أحدِ

إلَّا سُليمانَ، إذْ قالَ الإلهُ لهُ
قُمْ في البَريَّة، فاحْدُدْها عنِ الفَنَدِ

وخيّسِ الجنّ! إنِّي قدْ أَذنتُ لهم
يبنونَ تدْمُرَ بالصُّفّاحِ والعمدِ

فمن أطاعكَ، فانفعهُ بطاعتهِ
كما أطاعكَ، وادلُلهُ على الرَّشَدِ

ومن عصاكَ، فعاقبهُ معاقبةً
تنهى اللظَّلومَ، ولا تقعد على ضَمَدِ

إلَّا لمثلكَ، أو من أنت سابقُهُ
سَبقَ الجوادِ، إذا اشتولى على الأَمَدِ

أعطى لفارهةٍ، حُلوٍ توابعها
من المواهبِ لا تُعطى على نَكَدِ

الواهِبُ المائَةِ المَعْكاءِ، زَيَّنها
سَعدانُ تُضِحَ في أَوبارِها اللِّبَدِ

والأُدمَ قدْ خُيِّستْ فُتلاَ مَرافِقُها
مشدودةَ برحالِ الحيرةِ الجُدُدِ

والرَّاكضاتِ ذُيولَ الرّيْطِ، فانَقَها
بَرْدُ الهواجرِ، كالغِزْلانِ بالجَرَدِ

والخيلَ تمزَعُ غرباً في أعِنَّتها كالطَّيرِ
تنجو من الشّؤبوبِ ذي البَرَدِ

احكُمْ كحُكمِ فتاةِ الحيِّ، إذْ نظرَت
إلى حَمامِ شِراعٍ، وارِدِ الثَّمَدِ

يَحُفّهُ جانبا نيقٍ، وتُتْبِعُهُ
مِثلَ الزُّجاجةِ، لم تُكحَل من الرَّمَدِ

قالت: ألا ليتما هذا الحمامُ لنا
إلى حمامتنا ونصفُهُ، فَقَدِ

فحَسَّبوهُ، فألفوهُ، كما حَسَبَتْ
تِسعاً وتسعينَ لم تَنقُصْ ولم تَزِدِ

فكمَّلَتْ مائَةً فيها حَمامَتُها
وأسرعت حِسبةً في ذلك العَددِ

فلا لَعمرُ الذي مسَّحتُ كعبَتَهُ وما
هُريقَ، على الأَنصابِ، من جَسَدِ

والمؤمنِ العائذاتِ الطَّيرَ، تمسحُها
رُكبانُ مكَّةَ بينَ الغيْلِ والسَّعَدِ

ما قُلتُ من سيّءٍ ممّا أُتيتَ بهِ
إذاً فلا رفَعَتْ سوطي إلىَّ يدي

إلاّ مَقالة أقوامٍ شقيتُ بها
كانتْ مقالَتُهُم قرعاً على الكبِدِ

إذاً فعاقَبَني ربّي مُعاقَبةً
قَرَّتْ بها عينُ من يأبيكَ بالفَنَدِ

أُنبئتُ أنَّ أبا قابوسَ أوعدّني
ولا قَرارَ على زأرٍ من الأسَدِ

مهلاً، فداءٌ لك الأقوامُ كلّهُمُ
وما أثَمّرُ من مالٍ ومن ولدِ

لا تقْذِفَنّي بُركْنٍ لا كِفاءَ له
وإن تأثّفَكَ الأعداءُ بالرِّفَدِ

فَما الفُراتُ إذا هبَّ الرِّياحُ له
ترمي أواذيُّهُ العِبْرينِ بالزَّبدِ

يمُدّهُ كلّ وادِ مُتْرَعٍ، لجبٍ
فيه رِكامٌ من الينبوبِ والخَضَدِ

يظلُّ من خوفِهِ، الملاَّحُ مُعتَصِماً
بالخَيزُرانَة، بعد الأينِ والنَّجَدِ

يوماً، بأجوَدَ منهُ سيْبَ نافِلَةٍ
ولا يَحولُ عطاءُ اليومِ دونَ غدِ

هذا الثَّناءُ، فإنْ تسمع به حَسَناً
فلمْ أُعرِّض، أبَيتَ اللّعنَ، بالصَّفدِ

ها إنَّ ذي عِذرَة إلَّا تكن نَفَعَتْ
فإنَّ صاحبها مشاركُ النَّكَدِ

 النابغة الذبياني

ليست هناك تعليقات