عنفوان المحابر وانبعاث الغابر في تجلّيات الإنزياح Deviation وبارقات الإبتكار Creativity في رائعة الشّاعر النّحرير عامر جنداوي..نافلة مرزوق العامر

عنفوان المحابر وانبعاث الغابر في تجلّيات الإنزياح Deviation وبارقات الإبتكار Creativity في رائعة الشّاعر النّحرير عامر جنداوي..نافلة مرزوق العامر

عنفوان المحابر وانبعاث الغابر في تجلّيات الإنزياح Deviation وبارقات الإبتكار Creativity في رائعة الشّاعر النّحرير عامر جنداوي


عنفوان المحابر

وانبعاث الغابر
في تجلّيات الإنزياح Deviation
وبارقات الإبتكار Creativity
في رائعة الشّاعر النّحرير عامر جنداوي


"أنا ما اعتزلت " قراءة أسلوبيّة بقلمي: نافلة مرزوق العامر في الإعتداد بالنّفس والإعتزاز بعشق الحرف ومن علياء الضّاد وذرى البلاغة تهبط علينا نسمات الحرف المثمل كيف لا وهو مهندس الصّورة ومقولب اللّفظ والمعنى في أرقى سبك وهو الفذّ العامريّ صاحبها! مبالغة؟؟كلا..فالشّعر والشّاعر والقارئ هم ثلاثيّة وجود أدبي ملزِمة متكاملة تسقي وتُسقى من عطاء وأخذ ،زرع وحصد فلولا الحرف ما كان شاعر ولولا الشّاعر ما كان قارئ ولولا القارئ ما دام شعر إذا فالمبالغة في المديح لمن يستحقّ هي كالشّتاء كلّما تراكم غيثه خصبت الأرض أكثر ..نعم جدير بالمبدع القدير كلّ مبالغة محبّبة بالتّقدير مع تبيين السّبب وإيضاح البراهين! فهو كالعسل تضيفه على الطّعام يزيده حلاوة وهل يكتمل شعرا دون رفد الحسّ والفكر بلذّة ومتعة عند القراءة! قراءتنا في قصيد جرى حبره من قريحة فذّة وشاعر أصيل منهجه "ألإبتكار "والتّجديد وملهمه موروث شعري مجيد وأسلوبه تجلّي "ألإنزياح" في الحرف والقصيد ليخرج الإبداع في ثوب حرفي مبتكر جديد قالبه مألوف وجوهره معاني وتراكيب انحرفت عن مسار الرّتيب وابتعدت عن رتابة التّوقعات ولحقت بأفق وركب فنّ غير مطروق بعد ،وكما قال الحكيم :"إنّ الفنّ هو الثّوب الجديد الذي يلبسه الفنّان للهيكل القديم،إنّه الكسوة المتجدّدة لكعبة لا تتغيّر". إذا فالفنّ هو رحلة لخلق الإختلاف والتّجديد والفنّان المبتكر وهو هنا الشّاعر هو من يعكس ذاته ودواخله التي تميّزه عن باقي البشر وينفثها في إبداعه ببراعة مالكا أدواته ومستثمرها لتكون انعكاسا صادقا لحقيقته وهويّته لفكره وفلسفته لكيانه الإنساني فينشأ تميّزه قصيدا مميّزا ببصمة إبداعيّة لا تشبه غيرها . ها هنا تألّق في الإبتكار شاعرنا وتميّز في الإنشاء والمجاز قال أحدهم:" إن الشّاعر هو شخص مغرم بشغف في اللّغة" ! نعم، شاعرنا أثبت تمكّنه من اللّغة وبرع في سبك العبارات ورسم الإستعارات فجاءت قصيدته مفعمة بجماليّات الإنزياح مصبوبة في قوالب لغويّة دلاليّة وتركيبة متفرّدة أضفت على القصيد لمسات اختلاف سحريّة كان من شأنها إثارة مشاعر القارئ وإثراء فكره. غوصا في القصيد نبدأ في البيتين الأوّل والثّاني: أنا ما اعْتَزَلْتُ ولا كَسَرْتُ مَحابِري أنا ما انْثَنَيْتُ ولا هَجَرْتُ مَنابِري ما زالَ دَفْقي نَهْرَ حُبٍّ جارِفٍ فَيْضًا منَ الزّمنِ الجَميلِ الغابرِ "أنا" يا لهول وروعة البدء فيها انطوى العالم الأكبر كما قال الحكيم الصّحابي علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: تزعم أنّك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر بداية لفظيّة منسجمة تماما مع موضوع الفخر والإحتفاء بالنّفس وما يجمّلها أكثر هو إنزياحيّة تّركيبيّة في تقديم طرح مشيئة الشّاعر ووصفه لحالته الأدبيّة في نفي الإعتزال عن القرض حيث كان من المفروض والمتّبع كما جرت العادة تراثيّا البدء المباشر في رصف تعابير الإعتداد والفخر في نفسه وفي الشّعر فجاء هنا انزياحا تركيبيّا صبغ القصيد بجماليّة خلقت عنصر المفاجأة وحرّكت في القارئ أحاسيسا زادت من لذّة القراءة ونبّهت دماغه وفكره في البحث في ما وراء السّطور وعزّزت عنصر الفضول والرّغبة في استكمال رحلة القراءة.نعم انزياح جاء من قريحة إبداعيّة تصبو للتّجديد ورفد الشّعر بهويّة تفيض من نهر حبّ جارف لكلّ ما هو غابر لكنّه نهر من منبع مختلف ماؤه شعر مبتكر ببصمة الخاصّ إلّا أنّه سيجري بكيمياء عجيبة مع نهر الشّعر الماضي يختلط فيه كاختلاط ألوان قوس القزح ببعضها متنوّعة لكنّها متكاملة.كما نرى جاءت جمل شاعرنا فعليّة وفي زمن الماضي لكنّه الماضي ذو الدّلالة الحاليّة هدفه التّغيير ودرء القلق ووجوده بلاغي لإنزال الحالة من أفق الرّغبة إلى أفق الأمر المنجز والمحقّق. إذا قلنا إبتكار فيه انزياح جاء في نفي الإعتزال وتابع في امتطاء مسار الغابر تركيبيّا فها هو يقول: أجْلو بِشِعْري النّفْسَ أُعْلي شأنَها وَيَحومُ في الأرجاءِ حَوْمَ الطّائرِ أوكلْتُهُ سِرّي، ورَقْمَ خِزانتي وخَريطةً فيها شِعابُ مَعابري غَنّيْتُ هَمْساتي على نوتاتِهِ قدّمْتُهُ وَرْدًا لِكُلّ مُسافِرِ وَصنعْتُهُ وَطنًا يُطارِدُ وَحْدَتي تَعْويذَةً في صَدْرِ كلّ مُهاجرِ نلاحظ في الأبيات أعلاه أنّ الموضوع هو الشّعر لكنّه شعر الذّات لأنّه سيتوضّح لنا في الآتي من أبيات أنّ الشاعر هو نفسه الشّعر والشّعر هو نفسه الشّاعر وهو بحد ذاته انزياح يخلق الدّهشة في درجة التّماهي والذّوبان الشّعوري . يشرح شاعرنا أعلاه وظيفة الشّعر فهو تنفيس عن المشاعر لكنّه تنفيس وبوح يعلي من قدر نفسه .إنّه شاعر محتفي بنفسه ويعرف قدره وقدر شعره ويرفعهما حيث يحوم الطّير فها هي البلاغة تضرب قلاعها في رياض البيان والمجاز الباذخ كيف لا والشّعر حامل سرّ الشّاعر ومودع أسراره وخريطة أفكاره نعم الشّعر مرآته بل رئته وكلّ ملامح وجوده فهو منفس خلجاته ولحن همساته وتعويذة في صدره وصدر كلٍ غريب عن وطنه يلمّح الشاعر إلى وظيفة الشّعر المقدّسة في توثيق الفكر والحسّ وكذلك إلى كونه حرفا مثقلا بالمعاني والنّغم أيضا وليس نسج كلام وثرثرة ناشفة يمّل من قراءتها القارئ هو "و ط ن" نعم هو الوطن وما أدراك ما الوطن! حضن ودفء وانصهار وجودي بل وجود وحياة فلا شاعر دون وطن ولا وطن دون شعر. قد لمسنا أعلاه تكثيف للجمل الفعليّة وهي توصيف لحالات التّجدّد والتّبدّل والتّغيير وهي لوضع الشاعر النّفسي والأدبي أفضل تعبير فللفعل دلالات ولأسباب كتابته دلالات وما كانت جزالة تعبير وبلاغة تسطير إلّا لهدف ومغزى ومن هنا فإنّ أسلوب التّقرير "الإنزياحي" والتّعبير "الفعلي" قد أثريا القصيد وأضاءاه بعناصر السّطوع والخلود ورقّياها إلى أفق التّحديث والتّطور وهذه جهبذة بحدّ ذاتها.يستطرد شاعرنا في وصف شعره مستعرضا قدراته الكتابيّة وواصفا ملامح الشّعر من زاويته ونظرته كلّ ذلك في انزياح سياقي إنشائي داخلي من نفي إلى التحاق وتصميم، من تعبير فعلي إلى تعبير إسمي دلّ على الثًبات والرسوخ. م" قد لا أكون" إلى "جزما سأكون".فها هو يستطرد في حالة الحسم والوصف حسم هويّته الشّعريّة ووصف رسالة الشّعر المقدّسة: شِعْري وَليدي، تَوأمي ومُرادِفي سَلّمْتُهُ قَلَمي وقَيْدَ دفاتِري هُوَ صورتي، ونَقاءُ صوتِ سريرتي هو بَسْمَتي الخَضرا بوجْهِ الزّائِرِ هو خلق شعره وشعره قد خلقه بمعنى أنّ شعره هو ابن أفكاره وأفكاره مرآة نفسه وتوأمته الملازمة والملزمة والمرادفة لشخصيّته هما كينونة موحّدة تمام كالشجر وثمرته وبذرته كالمحيط وغيمته وغيثه لا بل هما قلم يسيل من جعبة الشّعر يرسم الشّاعر من فكره فهو صور متداخلة لهويّة واحدة نسختان بروح واحدة. أكثر،الشّعر حسب شاعرنا كائن يكتب ويتحرّك بل يلهم ويبلور وجودا. نعم هي مجازيّة متأجّجة الصور البلاغيّة والتّشبيهات تجذب القارئ نحوها وتوقعه مقرّا بجمالها وسحر بيانها دون مقاومة أو حتى رغبة بالمقاومة إنّها شباك الشّاعر اللّفظيّة وبيانه جزالته فصاحة خطابه المخضّب بأروع تعابير وكيف وأين يفر القارئ من إلهامها ؟؟هي صنعة لفظيّة معنويّة أضحت صنعة حياة وصناعة إنسان.يستمر في صياغة الحلل كلاميّة الذّهبيّة شاعرنا فيتطرّف بوصف الشّعر قائلا: هُوَ جُرْحُ موّالي و"آهِ" تَحنُّني و"الأوفُ" تطلُعُ مِن حنايا خاطري هو متنفّس لوجعه وجرحه وهو سرّ أسرار سريرته وخبايا خوطره فهو: هُوَ نهرُ فِكْري لا يَجِفُّ نَمِيرُهُ سِفْرٌ لعُشّاقِ البَيانِ السّاحِرِ سفر أسفاره الباطنة ومودع أسراره فيه مصبّ أقواله التي منها يستقي عشّاق الحرف لذّة البيان وإفادته.شعره: إنْ غِبْتُ يَحْضُرْ، أو تَغيّبَ تَلْقَني حيثُ الْتَقى النُبَهاءُ أوّلَ حاضِرِ نائب عنه في مجالس النّبهاء هما نفس الزّمن ونفس المكان!!بل: هُوَ صَهْوتي إذْما نَبا سَيفُ النّهى وصَفيحَتي في صَدْرِ كلّ مُغامِرِ واضح بيان وظيفة الحرف ومساهمته في خلق التّغيير فهو سيف الكلمة والمبدأ المسلول أبدا للتأثير والإقناع في جلسات الفكر والثّقافة إنّه سلاح العقلاء في وجه نوائب ومحن الزّمن. تهطل علينا شذرات الفصاحة وومضات البلاغة وصور المجاز المبهرات هذه هي خصائص شعر العامري وقد ذكرتها في كتابي"مسار الشّمس" حول منهجيّته وشعره وهل أرقى من أن يكون.: هُوَ صرخَةُ المَظلومِ تَصفَعُ خَصْمَها هُوَ لعنَةٌ قَضّتْ فِراشَ الغادرِ شِعْري عَروسٌ بالجَمالِ تكلّلتْ نَجْمٌ عَلِيُّ القَدْرِ ليسَ بِغائرِ وَهُوَ العَواصِفُ إنْ تَحِلَّ بمارِقٍ هُوَ جامِعُ العُشّاقِ لَحْنُ السّامِرِ هُوَ صافناتُ الخَيلِ تنظرُ صَولةً لِتَدُكَّ حِصْنَ الكاشِحِ المُتآمِرِ صرخة من مظلوم ولطمة لغادر وعاصفة مباركة تقصف المارقين وجامع عشّاق معذّبين وخيل تصول تجول وتغلب في ميدان المتآمرين...!! وتأتي الخاتمة تكمل البداية وتختال "الأنا" الإستهلاليّة وتنثر عبق معنانيها ليعانق مرادفها في "الأنا" الختاميّة فكأنّ شاعرنا يقول"أنا الشّعر والشّعر أنا" كيف وهو حارس العرين: شِعْري عَرينُ "الضّادِ" رايةُ طُهْرِها وأكثر فشاعرنا المحتفي بشاعريّته الواثق من ملكته يكلّل نفسه ويتوّجها على عرش الشّعر ويمسح جبين الشّعر ببصمته حتّى يقال: إنْ قِيلَ: مَنْ لِلشّعْرِ؟ قِيلَ: الْعامِري حقّا إن أجمل الشّعر من نشر فضيلته بصراحة ونقاء عبارته واختال بثقته!! لكن لا لتعالي وتكبّر بل من منطق ومنطلق تجميل وتحضُر. شاعري المفضل شاعرنا وما زال فقد جئت من مكان مختلف كنت فيه أبحث عن عروبتي هويّتي وشعري ..كنت قانطة قرأته ولأوّل وهلة ذهلت من مستواه اللّغوي والشّعري فعادت لنفسي طمأنينة وحامت حولها ثقة غالية بأنّ شعرنا لغتنا وجودنا أمّتنا بألف خير بوجود هذا الرّقي الإبداعي ومن حينها انجذبت نحو قراءة غيره من فحول الشّعر ويا لهول وجمال ما اكتشفت إنّها خارطة شعر عروبي أصيل ومفخرة إبداع وواحة عطاء تكتسح الأوطان بحرف متدفّق لا ينضب رنّان وفكر جبّار!!
نعم فشاعرنا قد جدّد مع الشّعر عهد البقاء وهو بقاء المحيط في البحر والبحر في المحيط فبحر الكامل لا يقبل التّجزئة والشّعر الكامل متكامل لا يفرّق ما بين شاعر وحرفه إنّها وحدة الإبداع الشّعري في محبرة قلم وفكر.ليتني سكبت خمس ما تستحق هذه الرّائعة من إضاءة وشرح.

نافلة مرزوق العامر

ليست هناك تعليقات