محاورة شعرين بين القس جوزيف إيليا و الدّكتور جمال مرسي
محاورة شعرين بين القس جوزيف إيليا و الدّكتور جمال مرسي
حيث ابتدأها القس جوزيف بالقول :إنّني اليومَ قد أتيتُ "جمالُ"
أشتهي شِعرًا نقشُهُ لا يُزالُ
هاتِها قولةً يرنُّ صداها
وعلى بحرِها يموجُ الخيالُ
قد ملِلنا أشعارَ قومٍ أساؤوا
لدُّنى الشِّعرِ حين عنهُ مالوا
ورموا سمْعَنا بشدوٍ سقيمٍ
كلُّهُ قُبْحٌ هادمٌ وسعالُ
هاتِها مِنْ عُودٍ نقيٍّ إلينا
يُرجِعُ الأنغامَ الّتي قد أزالوا
فأجبت قائلًا :
جئتُ أسعى يا صاحبي وألبّي
دعوةَ الشِّعرِ والهمومُ ثِقالُ
فاحتملْني إنْ جاءَ شدوي حزينًا
أو تخلّى عن السّرورِ مقالُ
رُبَّ حرفٍ رويتُهُ بدموعي
أينعتْ في أغصانِهِ الآمالُ
لستُ أدري إنْ ظلَّ رطْبًا نديًّا
مثلما الأمسِ واثقًا يختالُ
أمْ سيهوي في قاعِ جُبٍّ سحيقٍ
يا صديقي فيشمتُ العُذّالُ؟
فقال :
لا فأثوابُ الحُسْنِ باقيةٌ لن
تتلاشى والقُبْحُ يومًا مُزالُ
وإنِ الأرضُ أنبتتْ بَذْرَ شوكٍ
فبها نابتٌ كذا برتقالُ
هكذا الدّنيا منذُ أنْ بدأتْ ما
غابَ عن ساحِها بعصرٍ قتالُ
قد تذيبُ النّيرانُ شيئًا لدينا
إنّما حرقُ كلِّ شيءٍ محالُ
فامتلئْ بالسّلامِ لا تخشَ حربًا
لن نُدمّى مهما طغى محتالُ
فقلت :
إنَّ قلبيْ بالخيرِ نِيلُ صفاءٍ
وهْو للطّهرِ والسّلامِ مثالُ
لصديقي مددتُ يمنايَ عونًا
ليس يغري يمنايَ منهُ نوالُ
فإذا ما جارَ العدوُّ فإنّي
لحليمٌ لكنّني لا أُنالُ
سَلْ إذا شئتَ كلَّ كلَّ قريبٍ
وبعيدٍ عمّن يكونُ "الجَمالُ"
سوف تلقى الجوابَ في كلِّ حرفٍ
مِنْ ثنايا قصائدي ينثالُ
فقال :
دُمْ قويًّا حُرًّا ولا تجثُ يومًا
لطغاةٍ في خطوِهم زلزالُ
لن يدومَ السّجّانُ والصّوتُ يعلو
هاتفًا لا تُعيقُهُ الأغلالُ
وزهورُ الدّنيا يدومُ شذاها
والأناشيدُ نهرُها سيّالُ
ماتَ مَنْ داسَ شمعةً وتوارى
والّذي أحياها لهُ طابَ حالُ
فالتصِقْ بالحياةِ صافِحْ يديها
صافعًا مَنْ أطيارَها يغتالُ
إنّها الصّرحُ نبتنيهِ متينًا
فيهِ ينمو بقوّةٍ أطفالُ
فقلت :
طولَ عمري أرى الحياةَ سراجًا
يُكشَفُ البغْيُ عندهُ والضّلالُ
ويُحيلُ الطّريقَ نورًا فأمشي
رافعَ الرّأسِ في المُحيّا جلالُ
لا أبالي بحاسدٍ وحقودٍ
فمصيرُ المنافقينَ زوالُ
لا أهابُ السّجّانَ مهما تبدّتْ
قوّةُ البطشِ أو طغتْ أهوالُ
إنّما الحُرُّ سوف يبقى كريمًا
ويلاقي المذلّةَ الأنذالُ
فقال :
وجعٌ في صدري قديمٌ شديدٌ
سيفُهُ عند سَلِّهِ قتّالُ
كيف أبلتْ يدُ الخطوبِ لنا ما
فيهِ إحساسُنا لهُ ميّالُ؟
هذه أرضُنا تزيدُ خرابًا
وسمانا منها يفِرُّ الهلالُ
وسرى كالوباءِ فِكْرٌ غزانا
فتنامت مِن حولِنا الأطلالُ
ولقد كنّا أمسِ قومًا كرامًا
ومحا اليومَ رسمَنا جهّالُ
وجعٌ كيف ينتهي قلْ : أنصحو
ولنا تنمو مِنْ جديدٍ ظلالُ؟
فقلت :
يا صديقي والّلهِ همُّكَ همّي
مِنْ لظاهُ تخرُّ منهُ الجبالُ
كيف هانت أمجادُ قومي علينا
كيف بادت ولفَّها الإهمالُ
وخُطانا للغربِ تسعى وتجري
والأيادي على الشّعوبِ وبالُ؟
يا صديقي حتمًا سنصحو ويصحو
في صدورِ العُرْبِ الكرامِ نضالُ
لن يدومَ الظّلامُ مهما تمادى
لن يدومَ الخنوعُ والإذلالُ
تلك رؤيا خذها بشارةَ خيرٍ
رُبَّ حُلْمٍ تحيا بهِ الآمالُ
فقال :
يا لهذا الرّجاءِ يحلو لنفْسٍ
هدَّها مِنْ قتلِ الجوابِ السّؤالُ
فلْنقُمْ للبناءِ نُعلي قبابًا
رأسُها جبهةَ السّماءِ يطالُ
بعلومٍ حديثةٍ وحروبٍ
ضدَّ ما فيهِ وعيُنا بطّالُ
وكفانا نمشي على جمرِ حزْنٍ
نحو ما ساءَنا يُشَدُّ الرِّحالُ
ولْنعُدْ للوجودِ أقوى وأعتى
ولْيهلِّلْ في صوتِنا الموّالُ
أستصغي لِما نقولُ شعوبٌ
ولها تمضي للنُّهى أرتالُ
فقلت :
البناءُ العظيمُ يحتاجُ عزمًا
مِنْ حديدٍ رجالُهُ الأبطالُ
فشبابٌ يشدُّ عزمَ شيوخٍ
ونساءٌ يعينهنَّ رجالُ
وصغارٌ في العمرِ لكنْ كبارٌ
بعقولٍ يخشاهمُ الرِّئبالُ
البناءُ العظيمُ يا صاحِ يدعو
مَنْ بدنيا حقٍّ وطهرٍ جالوا
لا يبالونَ بالصّعابِ وليسوا
للدّنايا تجرُّهم أموالُ
فقال :
قد كفانا تكلّسًا وانكتامًا
آنَ فينا أنْ ينطقَ التّمثالُ
نتسامى نعودُ أقوى وأبهى
عن شبابيكِنا تغيبُ الرّمالُ
والّذي في حقولِنا ماتَ قحطًا
ليعُدْ حيًّا عنهُ ينأى الهُزالُ
خبزُنا ساخنٌ طريٌّ شهيٌّ
والّذي نُسقى منهُ ماءٌ زُلالُ
والهَزارُ الّذي نأى عن ربانا
مِنْ جديدٍ يأتي ويأتي الغزالُ
بالجهادِ العنيدِ تُبنى بلادٌ
هُدِّمتْ والرّدى لهُ ترحالُ
فقلت :
الجهادُ العنيدُ أسموهُ إرهابًا
وحطّوا عليهِ إفْكًا وشالوا
زيّفوا أصلَهُ فأصبحَ رمزًا
لدمارٍ في شرعِهم يومَ قالوا
كذبتْ أبواقُ الّلئامِ فما
أغنى كلامٌ قد زيّفوا أو مقالُ
إنّنا العُرْبُ رغمَ كلِّ انتكاسٍ
مالَنا إنْ حُمَّ القضاءُ مثالُ
عِلْمُنا مِنْ عهدِ الجدودِ مَنارٌ
ورؤانا تشدو بها الأجيالُ
فاختتمها القس جوزيف قائلا :
الجهادُ الّذي نريدُ جهادٌ
لعقولٍ سلاحُهُ فعّالُ
فيهِ تُنهى خيباتُنا لا انكسارٌ
حينها يبقى لا ولا أثقالُ
وبهِ ثديُ الغيمِ يُرضِعُ قحطًا
وبأيدينا تُفتَحُ الأقفالُ
فنرى ما قد تاهَ عنّا مُعادًا
وببستانِنا تفيضُ الغِلالُ
إنّما العِلْمُ رافعٌ أممًا لا
كلماتٌ تُتلى ولا أمثالُ
فلْنعُدْ للّذي بهِ لن نُلاشى
وبهِ النُّعمى فوقنا تنهالُ
بثيابِ الأمجادِ نرفلُ نزهو
ولنا للخلودِ تعلو تلالُ
---
التعليقات على الموضوع