تذكّروا الشاعر :الأعشى ميمون صاحب معلقة ودِّعْ هريرةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ /اعداد طلال الحاج يوسف

 



تذكّروا الشاعر :الأعشى ميمون

الأعشى ميمون ( ٥٧٠ - ٦٢٩ م) شاعر من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، ولد ومات في قرية منفوحة باليمامة، ولقب بالأعشى لضعف بصره .
برع الأعشى في فنون الشعر كافة ولُقِّبَ بصنَّاجة العرب لجودة شعره ، وقد عدّه العرب من أصحاب المعلقات وذلك لجمال وروعة قصيدته التي يبدأ فيها بالغزل؛ إذ يذكر محبوبته هريرة بأبيات مطلعها:
ودِّعْ هريرةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ
وهلْ تُطيقُ وداعًا أيها الرجلُ
غَراءُ فَرعَاءُ مَصقولٌ عوارضُها
تَمشِي الهُوينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنَّ مِشْيتَهَا مِنْ بَيتِ جارتهَا
مَرُّ السحابةِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
ليستْ كمن يكرهُ الجيرانُ طلعتَها
ولا تراها لسرِّ الجارِ تختتلُ
ما روضةٌ من رياضِ الحسنِ معشبةٌ
خضراءُ جادَ عليها مسبلٌ هَطِلُ
يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَرِقٌ
مؤزَّرٌ بعميمِ النبتِ مُكتهِلُ
يومًا بأطيبَ منها نشرَ رائحةٍ
ولا بأحسنَ منها إذ دنا الأُصُلُ
وقد كان الغرض الرئيسي للقصيدة هو الفخر بقومه من بني قيس، وهجاء أعدائهم من بني شيبان، والفخر بانتصار بني قيس على بني شيبان في يوم ( الحنو )، انتصارًا لامرأة من بني قيس تدعى فُطيمة، يقول الأعشى في متن معلقته:
أبلغ يزيد بَني شيبان مألُكَةً
أَبا ثُبيتٍ أَما تنفكُ تأتكلُ
ألستَ منتهيًا عن نحتِ أثلَتِنا
ولستَ ضائِرَها ما أطَّتِ الإبلُ
كناطحِ صخرةً يومًا ليوهنها
فلم يَضِرها وأوهى قرنَهُ الوعلُ
نحن الفوارسُ يومَ الحِنوِ ضاحيةً
جنبي فطيمةَ لا ميلٌ ولا عُزُلُ
قالوا الركوبَ فقلنا تلك عادتُنا
أو تنزلونَ فإنَّا معشرٌ نُزُلُ .
ومن أشعاره التي خلدها التاريخ ما نظمه في «يوم ذي قار»، وهي المعركة التي انتصر فيها العرب على الفرس قبل الإسلام، بعدما حاول ملك الفرس إذلال العرب وقتل الملك النعمان بن المنذر، فوقفت لهم القبائل العربية بالمرصاد، وتوحدت ضد الجيوش الفارسية، فكان النصر حليف العرب، وقد كان الأعشى أحد شهود هذه المعركة، فخلّدها في قصيدة جاء فيها :
لَمّا اِلتَقَينا كَشَفنا عَن جَماجِمِنا
لِيَعلَموا أَنَّنا بَكرٌ فَيَنصَرِفوا
قالوا البقيَّةَ والهنديُّ يحصدهم
ولا بقيَّةَ إلا النارُ فانكشفوا
وَجُندُ كِسرى غَداةَ الحِنوِ صَبَّحَهُم
مِنّا كَتائِبُ تُزجي المَوتَ فَاِنصَرَفوا
لَو أَنَّ كُلَّ مَعَدٍّ كانَ شارَكَنا
في يَومِ ذي قارَ ما أَخطاهُمُ الشَرَفُ .
أدرك الأعشى الإسلام فاُعجب بتعاليمه وأراد أن يدخل في دين الله، فنظم قصيدة غاية في الروعة والجمال يمتدح فيها الإسلام ورسوله الكريم حيث قال فيها :
ألم تغتمضْ عيناكَ ليلةَ أرمدا
وعادكَ ما عادَ السليمَ المُسهَّدا
وما ذاكَ من عشقِ النساءِ وإنما
تناسيتَ قبل اليومِ خُلَّةَ مَهْدَدا
ولكن أرى الدهرَ الذي هو خاترٌ
إذا أصلحتْ كفَّاي عادَ فأفسدا
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةً
فللهِ هذا الدهرُ كيف تردَّدا
ألا أيُّهَذا السائلي أين يمَّمت
فإنَّ لها في أهلِ يثربَ موعدا
متى ما تُناخي عندَ بابِ ابن هاشمٍ
تُريحي وتَلقَي من فواضلهِ ندى
نبيٌّ يرى ما لا ترونَ و ذكرُهُ
أغارَ لعمري في البلادِ و أنجدا
لهُ صدقاتٌ ما تُغِبُّ و نائلٌ
وليس عطاءُ اليومِ مانعهُ غدا
أجِدَّكَ لم تسمعْ وصاةَ محمدٍ
نبيِّ الإلهِ حينَ أوصى وأشهدا
إذا أنتَ لم ترحلْ بزادٍ مِنَ التُقى
ولاقيتَ بعد الموتِ مَنْ قد تَزوَّدا
ندمتَ على أنْ لا تكونَ كمثلِهِ
وأنَّكَ لم تُرصِدْ لِمَا كان أرصدا
فإياكَ و الميتاتِ لا تأكُلنَّها
ولا تأخُذنْ سهمًا حديدًا لِتَفصِدا
وذا النُصبِ المنصوبَ لا تنسُكنَّهُ
ولا تعبدِ الأوثانَ واللهَ فاعبُدا
وسبِّح على حين العشيةِ والضحى
ولا تحمدِ الشيطانَ واللهَ فاحمدا
ولا تَسخَرنْ من بائسٍ ذي ضرارةٍ
ولا تحسبنَّ المرءَ يومًا مُخلَّدا .
قال ابن هشام: فلما كان بمكة - أو قريب منها قاصدًأ النبي عليه الصلاة والسلام ليعلن إسلامه، لقيه أبو سفيان بن حرب، فانطلق به إلى منزله، وجمع إليه أصحابه، وقال: يا معشر قريش، هذا أعشى قيس، وقد علمتم شعره، ولئن وصل إلى محمد، ليضربنَّ عليكم العرب قاطبةً بشعره، فجمعوا له مائة ناقة حمراء، فأخذها وقَفَلَ راجعًا إلى قريته، فلمَّا صار بناحية اليمامة.... ألقاهُ بعيرَهُ فقتله.
(من عدة مصادر بتصرف)
دمتم بخير....

اعداد طلال الحاج يوسف

ليست هناك تعليقات