النابغة الجعدي أبو ليلى...الشاعر المخضرم.. طلال الحاج يوسف
النابغة الجعدي أبو ليلى
تذكّروا الشاعر :النابغة الجعدي أبو ليلى( 558 - 684 م ) وهو شاعر مخضرم عاش في الجاهلية والإسلام، وصفه ابن سلام في رأس الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية ، ولد في الفلج جنوب نجد، وكان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام، وقد أمضى ثلاثين عامًا من عمره دون أن يقول الشعر ثم نبغ فيه، فمدح، وفخر، ووصف مآثر قومه، وهاجى عدد من الشعراء منهم ليلى الأخيلية .
ولما جاء الله تعالى بالإسلام، وفد على النبي عليه الصلاة والسلام فأسلم، وأنشد قصيدته المعروفة أمام النبي عليه الصلاة والسلام والتي يقول فيها :
خَلِيلَيَّ عُوجا ساعَةً وَتَهَجَّرا
ولُوما عَلى ما أَحدَثَ الدَهرُ أَو ذَرا
ولا تَجزَعا إِنَّ الحَيَاةَ ذَمِيمَةٌ
فخِفّا لِروعَاتِ الحَوَادِثِ أَو قِرا
وإِن جاءَ أَمرٌ لا تُطِيقانِ دَفعَهُ
فلا تَجزعَا مِمّا قَضى اللَهُ واِصبِرا
أَلَم تَرَيا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفعُها
قَلِيلٌ إِذا ما الشيءُ وَلّى وَأَدبَرا
تَهِيجُ البُكاءَ وَالنَدامَةَ ثمَّ لا
تُغيِّرُ شَيئاً غَيرَ ما كانَ قُدِّرا
لَوى اللَهُ عِلمَ الغَيبِ عَمَّن سِواءَهُ
وَيَعلَمُ مِنهُ ما مَضى وتأخَّرا
أَتَيتُ رَسُولَ اللَهِ إِذ جاءَ بالهُدى
وَيَتلُو كِتاباً كالمجرَّةِ نَيِّرا
وَجاهَدتُ حَتّى ما أُحِسُّ وَمَن مَعِي
سُهَيلاً إِذا ما لاَحَ ثُمَّ تَغَوَّرا
بلَغنَا السّماء مَجدُنا وجدودُنا
وَإِنّا لَنرجُو فَوقَ ذَلِكَ مَظهَرا
فسأله النبي عليه الصلاة والسلام : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ فأجاب : الجنة يارسول الله، فقال النبي : أجل إن شاء الله...
ثم تابع قائلًا :
وأنّا لقومٌ لا نَعَوِّدُ خَيلَنا
إِذا ما التقينا أَن تَحيدَ وَتَنفِرا
ولا خَيرَ فِي جَهلٍ إِذَا لَم يَكُن لَهُ
حلِيمٌ إِذَا ما أَورَدَ الأَمرَ أَصدَرا
ولا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ
بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا
ففِي الحِلمِ خَيرٌ مِن أُمورٍ كَثيرةٍ
وفي الجَهلِ أَحياناً إِذا ما تَعَذَّرا .
فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : لا يفضض الله فاك . يقال ان النابغة عاش أكثر من مئة عام ولم تسقط له سن واحدة بفضل دعاء النبي له .
وفي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام أبو موسى الأشعري بجلده . حيث ذكر الهيثم بن عديّ، قال: رَعَتْ بنو عامر بالبصرة في الزروع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارَخُوا يا آل عامر! فخرج النّابغة الجعديّ، ومعه عصبةٌ له، فأتى به أبو موسى، فقال له: ما أخرجك؟ قال: سمعْتُ داعيةَ قومي. قال: فضربه عدة أسواط. فغضب النابغة وقال في ذلك:
رَأَيْتُ البَكْرَ بَكْرَ بَنِي ثَمُودٍ
وَأَنْتَ أَرَاكَ بَكْرَ الأَشْعَرِينَا
فَإِنْ تَكُ لْابْنِ عَفَّانٍ أَمِينًا
فَلَمْ يَبْعَثْ بِكَ البَرَّ الأَمِينَا
فَيَا قَبْرَ الَّنبِيِّ وَصَاحِبيَهِ
أَلَا يَا غَوْثَنَا لَوْ تَسْمَعُونَا
أَلَا صَلَّى إِلهُكُمُ عَلَيْكُمْ
وَلَا صَلَّى عَلَى الأُمَرَاءِ فِينَا .
وفي عهد علي كرم الله وجهه انضم إلى صفوف جيشه ينصره بالسنان واللسان، وفي معركة صِفِّين نسمعه يهتف مشيدًا به وهاجيًا معاوية وبني أمية، متهمًا إياهم بالنفاق، وداعيًا عليهم بالفشل:
قد علِم المصرانِ والعراقُ
أنَّ عليًّا فحلها العِتاقُ
أبيضُ جَحجاجٌ له رِواقُ
وأُمُّهُ غالى بها الصَدَاقُ
أكرمُ مَن شُد به نطاقُ
إن الألى جارَوْك لا أفاقوا
لهم سباقٌ ولكم سباقُ
قد علمت ذلكم الرفاق
سُقتم إلى نهج الهدى وساقوا
إلى التي ليس لها عراقُ
في ملة عادتها النفاقُ
ولما استقرّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان، قام مروان واليه على المدينة بأخذ أهل النَّابغة وماله، فأتى النَّابغة معاوية وقد أعدَّ قصيدة شديدة اللهجة لا تخلو من تهديد، يستنكر فيها ما وقع مِن غَبن عليه وعلى آله، حيث قال فيها :
فمَن راكبٌ يأتي ابنَ هندٍ بحاجتي
على النأي والأنباء تُنمي وتُجلبُ
فإن تأخذوا أهلي ومالي بظِنَّة
فإني لجرَّاب الرجال مُجرَّبُ
صبورٌ على ما يكره المرءُ كلِّه
سوى الظلم، إني إن ظُلمتُ سأغضبُ
فلما قضيتم كلَّ وترٍ ودمنةٍ
وأدرككم نصرٌ مِن الله مُعجِبُ
وأدركتمُ ملكًا خلعتم عذارَنا
كما خلعَ الطِرفُ الجوادُ المجرَّب
ومالَ الولاءُ بالبلاءِ فمِلْتمُ
علينا، وكان الحقُّ أن تتقرَّبوا
ولا تأمنوا الدَّهرَ الخَؤُون فإنَّه
على كلِّ حالٍ بالورى يتقلّبُ .
فسفَّه معاوية رأي مروان، الذي كان يصر على العقوبة انتقامًا من النَّابغة؛ لمؤازرته عليًّا كرم الله وجهه، قائلًا له: "ما أهون، والله، عليك أن ينجحرَ هذا في غار ثم يقطع عِرضي عليَّ ثم تأخذه العرب فترويه! أما والله إنْ كنتَ لَمَنْ يرويه، ارددْ عليه كل شيءٍ أخذته منه"
فردّ عليه أهله وماله وانصرف ثم استقر به الأمر في أصفهان بايران حيث توفي ودفن هناك .
(من عدة مصادر بتصرف)
دمتم بخير....
التعليقات على الموضوع