عَطاءٌ نَفِيسٌ...أ. د. لطفي منصور
عَطاءٌ نَفِيسٌ:بقلم أ. د. لطفي منصور
لا أَطْرَبُ لِشَيْءٍ يَصِلُني مَحْمُولًا عَلَى الْبَرِيدِ، طَرَبي لِكُتُبٍ تُهْدَى إلَيَّ مِنْ صَدِيقٍ نَسَجَتْها يَدُهُ، وَخَطَّها قَلَمُهُ. وَكَلِمَةُ "صَديق" كَمْ أَعْشَقُها، لِأَنَّها صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ باسْمِ الْفاعِلِ، يَتَساوَى فيها الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَالْمُثَنّى والْجَمْعِ بِنَوْعَيْهِما. نَقولُ هَوَ صَدِيقٌ وَهِيَ صَديقٌ، وهُما صَديقٌ، وَهُمْ صَديقٌ وَهُنَّ صَديقٌ، والْجَمْعُ أَصْدِقاءُ مَمْنوعٌ مِنَ الصَّرْفِ.
وَصَلَني أَمْسِ كِتابانِ مِنْ صَديقٍ لَهُ ما لَهُ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، تَأْليفًا وَنَقْدًا وَتَعْقيبًا، وَوَمْضاتٍ دَقِيقَةً هادِفَةً، هذا الصَّديقُ هيَ الْأَديبَةُ نافِلَةُ مَرزوق الْعامر، المَعْروفَةُ باسمُ Stella Ra anchor. الْكِتابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ لِلْمُؤَلِّفَةِ دٍراسَةٌ أَكّاديمِيَّةٌ في شِعْرِ الشّاعِرِ اللّامِعِ الْأُسْتاذ هَيْثَم النُّسور. جاءَ عَلَى الغِلافِ الٍأَمامي: عُنْوانُ الْكِتابِ: عَرينٌ وَأَسَدٌ. شِعْرٌ وَنَقْد. رُؤْيَةٌ أُسْلُوبِيَّةٌ وَقِراءَةْ في شِعْرِ "شيحانُ الْقَصِيدِ"، ثُمَّ اسْمُ الْمُؤلِّفَةِ. التَّصْميمُ جَميلٌ وَيَحْمِلُ رِسالَةً، اتَّخَذَ اللَّوْنَ الُبُرْتُقالِيَّ، وَظَهَرَ في القِسْمِ الْعُلْوِيِ مِنَ الْغِلافِ سِرْبٌ مِنَ النُّسورِ قَدْ مَدَّتْ أَجْنِحَتَها الْخَفّاقَةَ. وَظَهَرَ وَسَطِ الْغِلافِ دَرْبٌ بِاللَّوْنِ الْبُنِّيِّ القاتِمِ، يُؤَدِّي إلى قِلاعٍ وَحُصونٍ . وفي الْقِسْمِ السُّفْلي مِنَ الْغِلافِ رَسْمُ كِتابٍ فُتِحَ لِلْقراءَة. فَالْغِلافُ يُشِيرُ إلى الْقُوَّةِ والتّاريخِ الْمْضِيءِ، وَإلَى الْعِلْمِ أَيْضًا. أمّا الْغِلافُ الْخَلْفِيُّ احْتَلَّهُ رَسْمُ الْمُؤلِّفَةِ. قَدَّمَ لِلْكٍتابِ الشّاعِرُ الْعِراقيُّ الدُّكتور أَحْمَدُ الْعاني فَأثْنَى عَلَى أُسْلُوبِ الكاتِبَةِ الْمُمَيَّزِ، وَطَريقَةِ تَعاطِيها مَعَ القَصائِدِ، وَشَرْحِ الْأَبياتِ وَتَحْليلِها، لِإظْهارِ مَواطِنِ الْجَمالِ والرَّصانَةِ فيها. أمّا الشّاعِرُ الْأَديبُ الْمِصْرِيُّ الدُّكتور أَحْمَد جاد فَقّدْ أَعْطَى رَأْيَهُ في الْكِتابِ وَقالَ في بَعْضِ فِقْراتِهِ: " إنَّها كصائِغِ الذَّهَبِ الْماهِرِ الَّذي يَمْتَلِكُ مِنَ الْأَدَواتِ وَالْخِبْرَةِ ما يَكْشِفُ بِهِما عَنْ قيمَةِ قِطْعَةِ الذَّهَبِ التي بَيْنَ يَدَيْهِ، لِتَبْدو أَجْمَلَ صُورَةً، وَأَكثَرَ بَهاءً، فَتَتَهافَتُ إلَيْها الْقُلوبُِ قَبْلَ الْعُيونِ رَغْبَةً في اقْتِنائِها. خُذْ مَثَلًا قَوْلَها بَعْدَ أَنْ ذَكَرَتْ قَوْلَ شاعِرِنا هيثم النسور حَفِظَهُ اللَّهُ: لَقَدْ هاجَنِي وَجْدٌ وَلَيْسَ بِجاحِدِ يُفَتِّتُ قَلْبيْ الصَّبَّ عَذْلُ الْحَواسِدِ فَأَفْصَحَ جِسْمِي عَنْ ضُلُوعٍ كَأَنَّها حِجارَةُ رَضْفٍ في زَوايا الْمَواقِدِ شِعْرٌ يَخْتَرٍقُ نُخاعَ النَّفْسِ، يا لِرَهْبَةِ الْمَوْقِفِ، وَقُوَّةِ الصُّورَةِ وَدَرَجَةِ تَأْثيرِها في الْقارِئِ ، تَخَيَّلُوا حِجارَةَ الْمَواقِدِ الْمُلْتَهِبَةِ كَأَنَّها حِمَمٌ بُرْكانِيَّةٌ مُتَأَجِّجَةٌ، كُلُّ هَذا اللَّهيبُ يَشْعُرُهُ الشّاعِرُ في غُرْبَتِهِ، وَتَحْمِلُهُ ضُلُوعُهُ الْمُنْهَكَةُ" لِلَّهِ دَرُّ هذا الْوَصْفِ مِنَ الشّاعِرِ أحْمَد جاد لِقِراءةِ أَديبَتِنا، لَيْتَكَ قَرَأْتَ نَقْدَها وَتَعْقيباتِها عَلَى الْمَنْشوراتِ الْأّدَبِيَّةِ، إنَّها قَلائِدُ مِنَ الْجَوْهَرِ. تَقُولُ الْمُؤَلِّفَةُ في التَّمْهيدِ لِكِتابِها، وَأرْجُو أنْ تُمْعِنُوا الْأبْصارَ في جَمالِ السَّبْكِ اللُّغَوِيِّ، وَأنْ تُصْخُوا بِأَسْماعِكُمْ إلى الْجَرْسِ الْمُمْتِعِ الْمُنْبَثِقِ مِنِ احْتِكاكِ الْحُروف الْمُتَلَأْلِئةِ: "لمّا رَأَيْتُ بَعضًا من قصائِدِ "شيحانُ القصيد" لِلشَّاعِرِ الْأَرِيبِ تَيَقَنْتُ مِنْ وُجُودِ شاعِرٍ مَطْبوعٍ حُفِرَتْ في شِغافِ حُروفِهِ هُوِيَّةُ الْقارِضِ الْفَذِّ، الْمُسافِرِ عَلَى أَجْنِحَةِ عَنْقاءِ الشِّعْرِ الْأَصِيلِ … صِيغَ شِعْرُهُ بِصِيغَةِ الْحاضِرِ وَأَثْرَى الْحَرْفَ بِثَقافَةِ الْمَوْجودِ، فَطَغَتْ اللَّمْسَةُ الشّيحانِيَّةُ ..الخ. أَدِيبَتُنا نافِلَةُ مُعْجَبَةٌ إلى حَدِّ النُّخاعِ بِشِعْرِ أبي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبّي، وَصادَفَ أَنَّ شاعِرَنا هَيثم النُّسور لا يَقِلُّ وَلَعًا عَنْها بِشِعْرِ المُتَنَبِّي ، فَالتَقَتْ نَظَراتُهُما في الْبَدْرِ الُفَرْدِ. تَعَقَّبَتِ الْكاتِبَةُ الْأبْياتَ التي تَأثَّرَ فِيها الشّاعِرُ هَيْثَمُ بالْمُتَنَبِّي، خاصَّةً الصُّوَرُ الشِّعْرِيَّةُ الْمُتَقارِبَةُ. لَنْ أفي كتابَ "عَرينٌ وَأَسَد" لِأَديبَتِنا نافلة حَقَّهُ عَلَى صفحاتِ الفيسبوك مَهْما أَطَلْتُ، الْأَمْرُ يَحتاجُ إلى بَحْثٍ عَلْمِيٍّ في إطارِ سِمِنار أكّاديمي. الكتابُ الثّاني الَّذي أَهْدَتْهُ لي أديبَتُنا النّاقِدَةُ هُوَ الْمًُجَلَّدُ الٍأَوَّلُ مِنْ مَوْسوعَةِ "ديوانِ الشُّعَراءِ الْمُعاصِرينَ"، إعْدادُ الشّاعِرِ هيثم النُّسور. وَهُوَ كِتابٌ نادِرٌ صَدَرَ هذا الْعمّ، يَحْوي نَماذِجَ جميلَةً مِنَ الشِّعْرِ الْعَمودِيِّ الْحَدِيثِ. أَتَقَدَّمُ بِالشُّكْرِ الْجَزيل لِأديبَتِنا الْمُؤلِّفَةِ النّاقِدَة نافلة مرزوق العامر Stella Ra Nch عَلَى الهَدِيَّةِ السَّنِيَّةِ التي سَتَزيدْ في مَعْرِفَتي داعِيًا لَكِ بِأَسبابِ التَّقَدُّمِ وَالْإبْداع
التعليقات على الموضوع