أبو صابر في مواجهة المخاطر" الفصل الثاني +الفصل الثالث+الفصل الرابع +الخامس للدكتور جمال اسدي

 

في الـصّبحِ جـاءَ صوتُ خَـبطٍ أجـفَلَـهْ



أبو صابر في مواجهة المخاطر"

11

في الـصّبحِ جـاءَ صوتُ خَـبطٍ أجـفَلَـهْ
طَــار الـــفُــؤاد كــان حَـــقًّــا أسـفَــلَــهْ
ظَــنّ الـظًُّـنـونَ هَـل سَـيُخلـي مـنزلَـهْ؟
أو كــان فـي وضـعٍ يُـلاقـي مَـقـتـلَـهْ؟
12
حـطّ السـكـونُ، كيـفَ يدري ما جرى؟
والرِّجـلُ هـزّت كيـفَ يَـجـري يا ترى؟
والقـلـبُ خُـضّ رهـبـةً هـلْ يُـشــتَـرى
أمـنٌ، وفـي نَـفـسي أرى خـوفًا سرى؟
13
فاشــتَـدّ وانـبَــرى كَـسـهـمٍ أو بَــريــق،
والصوتُ دَوّى قد مَضى عصرُ الرَّقيق،
مـا كَـادَ يَخطو خـطـوةً هٰـذا الـرَّفيـق،
حَـتّى رمـاهُ جـسمُ وحـشٍ يَـستَـفـيق.
14
مــا كـانَ مـنـهُ بَـعدَ أن عَـادَ الصَّـوابْ،
غـيـرُ ابتـسـامـةٍ أتَـت إثـرَ اضـطِـراب،
والضّيفُ تحتُ يَشتكي هولَ العذاب،
قَـبــلُ ازدراهُ فـتـنَـــةً شَـــرُّ الــدّواب.
15
لــمّــا أفــاقَ، قَـصّ للـجــارِ الـظَّــريــف،
أمـرَ الـهَـوانِ جَـنـبَـهُ العَـيـش العـنـيـف،
واسـاه: "قَد رَبحتَ،" واحـتـدّ المضيف،
"يا سعد من شاء الهدى, ذاك الشريف!"
16
"هَـيّــا أخـي نَــعِــشْ مـعًـا" زاد الجَـمل،
وَهــاكَ مــا جَـــنَــت يَـــدِي ثَـمّ الأمــل،
والــعَـهــدُ فـوق كــلِّ قـــولٍ أو عَـمــل،
فانهضْ وغنٌّ، قلْ معي: حظٌي اكتمل."
17
حَـار الحـمـارُ مـا يُـكـافـي ذا الـبَــعيـر،
ولّاه أمــرًا ثـــمّ ســــمّــــاهُ الأمـــيـــر:
"قـد كــنـتُ عـبـدَ سـيٌّـدٍ بـاعَ الضّمير،
لـمّـا طُـرِدتُ فــزتُ بـل ضـاءَ المصير.
18
"شـكـرًا، لَديـكَ تَـنـتَـهـي أرضُ البـوار،
أرضـى بـعَـيشٍ قَد غـدا خَـيرَ الـدِّيـار،
أدركـتُ حَـقّـا كيـف أرسو في الـبحار،
هٰـذا سيُـروى، واذكُـروا قولَ الحمـار

الفصل الثالث

19
كــان الـكــلامُ عــالـيًــا فـيـهِ الـدُّروسْ،
طــال الوحــوش كـلَّهم، هـزّ الـنّـفوس،
الـكـلُّ أدلـى قـصّـةً تـحـنــي الـرؤوس،
ويـلُ ابن حوّى إن أتى اليومُ العبوس!
20
هٰـذا الـحـصانُ قَـصّ فَـصلًا مـن جحودْ
والـكَـلبُ يَـروي قصّـةَ البـاغـي الـلـدود،
في الخَلـفِ تَجـثـو قطّةٌ وسطَ القـرود،
قـالت: "حفظتُ عهدَهم، خانُوا العهود."
21
والـبَـغلُ خَـطَّ لَــوحـةً فــيهـا العُـجـابْ،
اللـونُ قــانِئٌ سـَـرى بَــعــدَ الــعَـــذاب،
كَلُّ الوحـوشِ تَـشـتكي سوءَ الخِـطاب،
حتّى الطُّـيورُ هـدّدت: "جاء الحساب."
22
صــاح الحِــمــارُ واعِـظًــا أنْ "حَـضّـروا
أولادكــم، وصَــرحَــكــم ثــمّ انــظــروا
أحــوالَــكَــم، وآمِــنــوا ثــمّ أصــبـــروا!
وابْـنـوا الحُـصونَ، نَـعتَـصمْ، آي كَبّـروا!
23
"الآن نَـسـعـى كَـي يُـلـقّـاهــا الــبَـنــونْ،
والنَّـفـسُ أقـوى مَـعـقـلًا، هل تسمعون؟
نَـحـيـا بِـعـلمٍ جـاء من بـعــدِ الشّـجون،
حتَّـى إذا ما انـقــضّ أثــنــاءَ السّـكـون
24
"إنــسٌ، هَـجَـمــنـا: دربُـنـا حَـربٌ ونــارْ،
كانَ اعتَدى، والحـرثَ أفنى في الجهار،
دارُ الــعِــدى عـــارٌ، وقَـيـدٌ وافــتِــقــار،
عُـقبـى الـمُـحابي في المَـعالي خيرُ دار.
25
ردّوا هُــتـافًــا والــمُــرادُ إكـتَـمَــلْ،
فــاضُـوا كَـسَـيلٍ ثــمّ صَـاروا كـالـطَّـلَـل،
ما اسـتـحْسَـن الأحداثَ أفـكارُ الـجـمـل:
لا خَـيـرَ فـي قـولٍ يُـنــافـي مـا اشـتمَل

الفصل الرابع

26
"لا نَـفـعَ في حَـشْدٍ هَـدَى فيه الحـمــارْ،
كــالـوردِ مُــخـتــالٍ يُـوَشّـيـهِ الــوَقــار،
أسـقـى خُـمـورًا بَـعـدَهـا حُـلّوا الخـمـار،
إن جـاءَهـم خَـطبٌ لخـاروا هُـم وَخـار.
27
أمـثــالُ قــومٍ عـنـدمــا شـــوقّ يَــهـيــجْ
هاجوا، وإن في القلبِ قد غاب الأجـيـج
عـادوا لِـما كـانـوا، إلـى عَـيشٍ مـزيـج:
صـدٍ ونُـكـرانٍ، فـهـل يُــلقـى حَـجـيـج؟
28
عـــاشــا حـيـــاةً فـي سَــعـــادَةٍ ومـــاءْ،
ما القول؟ هٰذا الشّـيخُ قد هـوى الـغـنـاء،
ما كفَّ، حَــتّــى إن أعــاقــهُ الــثُّــغــاء:
"صبرًا فلا تأمَـنْ سُـكوتًـا في الخَـلاء!"
29
سـار الـمُـغَـنِّــي بَـعـدَهـا يـرجـو هَـواهْ,
لا يَـهتَـدي مـن كـانَ لا يَــرعَـى أخــاه!
هل يَـسمَـعُ الإرشـادَ من جـهلٌ عَــمـاه؟
لا يَـلزمُ الـتـحذيرَ مـن في الـكِـبـر تَــاه!
30
لَـمّـا وعَـى الإنـسـانُ أخـبـارَ النَّـهـيــقْ،
ضاعَ المُـغنِّـي بعـدمـا بَــاع الصَّـديــق،
إذ فـيــهِـمـــا عَــزمٌ وإقــدامٌ رشــيــق
سـيـقا بِـذلٍّ مِـثـل عَـبدٍ في الــطَّـريـق.
31
لــولا بَــعـيـرٌ إنــتَـقـى دربَ السَّـــلامْ
أو أسكتَ الـمغـرورَ من قَـبـلِ الـظَّلام
أو أطــعَـمَ الــجُّـهـالَ عَـلقَــمَ الـكَــلام
بعـد الـرَّدى، ما نفعُ شاةٍ في الطَّعام؟

الفصل الخامس والاخير

32
لا قـولَ! إن الـرأسَ فــيـهِ الـفأسُ كــانْ،
والإنــــسُ خَـــتّــارّ، وقَد حازَ الــزَّمـان
الـــقـطُّ مَـــطــرودٌ فَـــيــا فَـــأرٌ أمـــان!
لا حِصنَ، لا مَنجى، وقد مات اللـسـان!
33
فــاثّـاقَــلَ الـمُـخـتـالُ إذ أرضًـا سَقَــطْ،
قالوا: قضى! في الوجه أبصرنا النقط،
الـكـلُّ أتـى مُـستـطـلـِعًـا، دهـشًا لـقــط
مـا أدركـــوا: "أفــعــال أفـلامٍ فَـقــط."
34
"تـحتـي بَـعيـرٌ!" قـالَ عــندمـا أفــاقْ،
قالوا: "سيهدا!" فَانْبَرى: "أنوي الطلاق
مـن كـلِّ ذلٍّ جــاءنـي تِـلْـوَ الـفِــراق!"
من تحت ما استهوى بعيرٌ ذا النِّفاق.
35
في البالٍ مـكرٌ زانَـه الدرسُ الفريــدْ:
"الرقص أهوى! مدّنا أحلى النَّـشـيد!"
صاح المغَـنِّي: " جـاءنا مسٌّ أكـيـــد!
بل مهـلكي إن كـنـتَ أهـوالًا تـريـد!"
36
لـمّـا انـتهـى، رقصًا بَــدا، أفعالُ جـانّ،
إصبر، أبا صبرٍ، ألا في الصَّبر شـأن،
ما حــازَ ذو عـهدٍ بَـغى ظـلـمًـا وخـان.
"إصبرْ صديقي! قد تَهاوى! إحذر!" فكان!
37
مَــغــزى كَــلامــي يـا رفـاقَــنـا بَــسيــطْ:
نــحـتـاجُ زوجًــا من أيـادٍ كَــي تَــخـيط،
الـــفـــردُ لــلأفــــراد إِنْـــجَــــاد أكـــيـــد،
والجهلُ في الأصحابِ كالخزيِ الشَّديد!

جمال اسدي

ليست هناك تعليقات