دراسة نقدية للناقد ابو محمود لقصيد الشاعر المبدع محمود الضميدي أوَ لَسْتِ زنبقتي تقديم رجاء احمد
أوَ لَسْتِ زنبقتي
تتناغم الكلمات الرقيقة والبوح العذب مع نبض القلب المُعنى بين الحنين الشوق واللهفة وصلًا وهواجس الخوف صدّا وهجرانًا ..
حروفُ دلالٍ باذخة ومشاعر هوى تمكّن وجدًا وصبابة ..
لله درّك أيها الشاعر النبيل ما أبهى معانيك ..!!
أوَ لست زنبّقتي قصيدة الشاعر الرهيف محمود الضميدي قدّم ناقدنا الكبير أبو ابو محمود بدراسة أدبيّة لها ، لمس بعصاه السحريّة مواطن الجمال والإبداع فيها ..
يراعه ريشة عزفت لحن المحبّة على اوتار القصيدة ، فكانت لحنًا جميلًا أطربنا وأمتعنا ..
أعزائي أزاهير روضتنا الجميلة يطيب لي أن ارحّب بكم جميعا لنتسمتع بأجواء أدبية مفعمة بجمال المشاعر ورقيّ الدراسة .
⚘⚘ القصيدة ⚘⚘
⚘⚘أوَ لَسْتِ زنبقتي؟!⚘⚘
مــا بـالُ قـرطاسي يـجافيه الـقلمْ؟!
مـا بـال قـلبي مُـدْمِناً طـعمَ الألـمْ؟!
***
قـالوا: تُـحِبُّ فـقلتُ هل لي حيلةٌ؟!
فـالـحب سـلـطانٌ ونُـذْعِنُ إنْ حـكمْ
***
هــوِّن عـلـيك فـكـمْ عـليلٍ يـا فـتى
قـد مـاتَ من سِحْرِ العيونِ فلا جَرَمْ!
***
كَــمْ خـافِـقٍ ظُـلْـماً رَمَـتْـهُ سِـهامُها
كـم عـاشقٍ يقسو ويجرحُ بالعَشَمْ!
***
حـيرانُ قـلتُ : فَـمَنْ عُـساهُ يَدلُّني
مـا عُدْتُ أدْري في الهوى كَيْفاً وَكَمْ
***
فـالعينُ تـفضحُ مـا بـقلبي من جوىً
والـقلبُ يَـصْدَحُ بـاتَ يَـفْضَحُ مـا كَـتَمْ
***
ومـعـذِّبـي أضــنـى الـفُـؤادَ بِـصَـمْتِهِ
دارى هـــواهُ وقـبْـلهُ نـطـقَ الـصَّـنمْ
***
مــا الـحُـبُّ؟؟ أفْـتـوني فـإنـي تـائـهٌ
والــوَجْـد ذوَّبَـنـي وأرْكـانـي هَــدَمْ!
***
مِـنْ روْضِ أهـل الـعشق ردَّتْ زهرةٌ
يــا سـائـلاً ، بـالحُبِّ تزْدَهِـرُ الأمَـمْ
***
فـالـحُبُّ حِــسُّ الـعـالمينَ ونَـبْـضُهُمْ
مـيـراثُ عُــرْبٍ قــد تَـخَـطََّفَهُ الـعَجَمْ
***
والـحُـبُّ بـسـمةُ خـافقٍ فـي سِـرِّهِ
أمـلٌ عـلى شَـفَةِ الزمان قد ارْتَسَمْ
***
والــحُـبُّ نـــارٌ إنْ تَـفـاعَـلْ سِــحْـرُهُ
سـيَّـان أصـحـاب الـسـيادة والـخدمْ
***
لـــم يــنـجُ مــنـه مـــؤدَّبٌ أو عـالـمٌ
أو جــاهـلٌ أو فــاسـقٌ أو مـحـترمْ!!
***
والــحُـبُّ لُـعْـبَـةُ عـاشِـقيْنِ تَـعـاقَبَتْ
أشـــواطُـــهـــا دوَّارةً لا تُــخْــتَــتَــمْ
***
فـــي الـقَـلْـبِ مَـلْـعَـبُها وكــلٌ فـائِـزٌ
لا تـنـتـهي حُـكْـماً بـصـافِرة الـحـكمْ
***
نـاشـدتُها الـرحـمن خـالـق عِـطْـرِها
وبـحـقِّ مـن خـلق الـبرايا مِـن عـدمْ
***
أَوَ لـسْـتِ زنـبـقتي الـتـي أكْـمامُها
والساقُ في قلبي كسارية العلمْ؟؟
***
أوَ لـسْتِ مـن سـكنتْ فؤادي نصفهُ
وتـركْتِ نـصفاً بات يسكنه السَّقَمْ؟؟
***
قــــولــــــي بِـرَبِّــــــكِ
هَـلْ بـِقَلْـبِـــكِ مَـطْـرَحٌ
لـــي يا شُـجــــوني؟؟
أطْـــــــــرَقَــــــــــــتْ
قـــــــــــالــــــــــــتْ:
(لَـــــعَــــــــــــــــمْ) !!
⚘⚘ الدّراسة ⚘⚘
استهلّ الشاعر قصيدته بالاستفهام لإثارة الانتباه، والتشويق لما سيأتي .
- جاء الحوار في أبياته رشيقاً أضفى على القصيدة الحيويّة ،وجعلها أشدّ أسراً وجاذبيّة .
( ماالحبّ ؟ أفتوني فإنّي تائه
والوجد ذوّبني وأركاني هدم .
من روض أهل العشق ردّت زهرة
يا سائلاً بالحبّ تزدهر الأمم .)
ويسترسل الشاعر على لسان الزهرة( الفتاة) في ذكر المعاني المختلفة والكثيرة للحب ،لتظهر لنا براعة الشاعر ،وعمق تفكيره ،ونظرته الثاقبة .
فالحبّ ولا شيء سواه تُزال كلّ المشاكل والعراقيل ،ويعيش الجميع بسعادة ووئام ،فهو الحياة ودونه الحياة عدم .
ويكرّر الشاعر كلمة ( الحبّ) ليؤكّد هذه المعاني ،ويقرّرها في ذهن المتلقّي ،وينقل لنا إحساسه الإنسانيّ المرهف الرقيق ،ويعمّقه في أذهاننا.
- حفلت القصيدة بالصور البيانيّة التي شرحت ووضّحت المعنى ،وأكّدته ومنها:( القلم يجافي القرطاس ، القلب مدمن الألم ،الحبّ سلطان ،عليل مات من سحر العيون ،رمته سهامها ، العين تفضح ،القلب يصدح ،معذّبي الصامت أضنى فؤادي ،نطق الصنم ،الوجد ذوّبني ،وهدم أركاني ، زهرة ،الحبّ حسّ العالمين ونبضهم، الحبّ ميراث العرب ،وتخطّفه العجم ،الحبّ بسمة خافق ، الحبّ أمل على شفة الزمان قد ارتسم، الحبّ نار وله سحره ،الحبّ لعبة عاشقين دوّارة لاتُختتم، زنبقتي ،وساق الزنبقة في قلبي كسارية العلم ، سكنت فؤادي ، . . . . . .الخ) لقد استطاع الشاعر من خلال صوره المبتكرة أن يقنع الآخرين بمعاني الحبّ المختلفة ، ولا تخلو من المبالغة المحبّبة، لتوضيح المعنى حتّى أصبح المتخيّل كالمتحقّق .
وجعل حسن الصورة يسري في المعنى ليجذب إليه المتلقّي ، ويرغّبه في هذا السلوك الحسن .
وهي صور حسيّة ومعنويّة وفيها تجسيد وتشخيص ،أثار خيالنا ،وأبرز مشاعره الإنسانيّة الرقيقة بوضوح ، وقرّب المعاني من الأفهام .
وهي مستمدّة من تجاربه الذاتيّة ،وواقعه المُعاش ،وثقافته الأدبيّة الواسعة .
- من أساليبه الجميلة :
أسلوب الاستفهام : ما بال قرطاسي يجافيه القلم ؟
ما بال قلبي مدمناً طعم الألم ؟ وغرضه منهما: التعجّب ،وإظهار ما يعتريه من حبّ وهيام .
- قالوا : تحبُّ . فقلت : هل لي حيلة ؟ أو لستَ زنبقتي ؟
أو لست من سكنت فؤادي نصفه وتركت نصفاً بات يسكنه السقم؟ ويريد الشاعر أن تجيبه بكلمة( بلى) وغرضه منها : التقرير فهو يعترف بحبّه لها ،ويريدها أن تعترف له بهذا الحبّ .
ويختتم قصيدته بقوله:
( قولي بربّك هل بقلبك مطرح لي يا شجوني؟ أطرقت . قالت : لعم .
فكانت إجابتها غامضة مركّبة من لا ونعم مبهمة ، فهو يستحلفها ليتأكّد من محبّتها له ، لكنّ حياءها منعها من إعطاء الشاعر الجواب الصحيح .
وفي هذا الحوار الرشيق ،أجاد الشاعر ، حيث كشف ما بداخلهما من الحبّ بكلمات مختصرة قليلة ،فكان غاية في البلاغة والبيان .
القافية المقيّدة: دلّت على حالة الهدوء والثبات لنفسيّة الشاعر ،كما منحت القصيدة جرساً موسيقيّاً هادئاً محبّباً لنفس المتلقّي .
- المحسّن البديعي الطباق والذي جاء عفو الخاطر ( كيفاً وكم)(يفضح ، كتم)(بصمته ،نطق) ( عرب ،العجم)(السيادة ،الخدم)(عالم ، جاهل) لإظهار المعنى بوضوح، وجعله أكثر تأثيراً في المتلقّي ،وإعمال العقل في المتناقضات ( وبضدها تُعرفُ الأشياء)
- التصريع في البيت الأوّل ،والصيغ الاشتقاقيّة( خالق، خلق )(تحبّ ،الحبّ)( سكنت ،يسكنه)
والجناس( حكماً ، الحكم)
وتكرار كلمة( القلب ، كم ، نصف)
والتقفية الداخليّة في البيت السادس،
وتكرار حرف القاف في الأبيات ١، ٤ ، ١٩ ،وتكرار حرف السين في الأبيات ١١ ، ١٢ ، ١٧ ، ١٨ ،وتكرار النون في البيت ٨ ،وتكرار الهاء في البيت ٩ ،وتكرار حروف المدّ ،وتوازن بعض الكلمات( بصمته ،وقبله)( أفتوني ،ذوّبني)(بسمة ،شفة)
وتوازن بعض الجمل( كم خافق ،كم عاشق ) وتناغم حروف الهمس والجهر كلّ ذلك ساعد على بناء إيقاع داخليّ ،وانسجام موسيقيّ بديع للقصيدة .
- القصيدة من البحر الكامل ، وهي قصيدة بليغة ،هادفة ، مكتملة فنيّاً مبنًى ومعنًى ،دلّت على شاعر مطبوع ،مبدع ،عبقريّ ،لقد حافظ على وحدة الموضوع ، وسادت القصيدة وحدة الانطباع ، تعابيره جاءت موحية ،معبّرة ،خياله خصب ،ومعانيه راقيه ، ومشاعره إنسانيّة نبيلة مرهفة ، فهي من الطراز الأوّل وغاية في البلاغة والبيان .
لا جفّ يراعك ، ولا حرمنا بوحك العذب . أجدت . لك تحيّاتي
التعليقات على الموضوع