ثنائيَة الجموح والجمال في سيمفونيّة الصَهيل قراءة بقلم النّاقدة نافلة العامر في رائعة الشّاعر الفذّ Prof-Jamal Ali Assadi البروفيسور جمال الأسدي

 

ثنائيَة الجموح والجمال  في سيمفونيّة  الصَهيل قراءة بقلم  النّاقدة نافلة العامر في رائعة  الشّاعر الفذّ  Prof-Jamal Ali Assadi البروفيسور جمال الأسدي

ثنائيَة الجموح والجمال في سيمفونيّة الصَهيل

ثنائيَة الجموح والجمال في سيمفونيّة الصَهيل قراءة بروح بليكيانيّة Blakean Spirit بقلم النّاقدة نافلة العامر في رائعة الشّاعر الفذّ Prof-Jamal Ali Assadi البروفيسور جمال الأسدي تمهيدا في القول وقبل الغوص في تفاصيل الأبيات أقول بأنُه ما خلى شعر إنساني على مدى التّاريخ من صورة "الحصان" فقد داعبت صورته خيال الشّعرأء وأسالت من أقلامهم أبدع وأرقى ما يمكن من شعر كون الحصان في الأدب صورة ترمز لثنائيّة الجمال والجموح،القوة والهدوء،الإندفاع والتُراجع وحتى النّصر والدّمار. وقد رأى الشّاعر ببصيرته الرّاقية أنّ الحصان لا يرمز فقط لطباع سلبيُة مثل السّيطرة الهيمنة القوّة الذّكوريُة الشّهوة للتّحكم العبثيّ فحسب بل صمّم على إظهار جوانب الحصان الجماليّة أيضا ليقودنا نحو الأبعاد الرّمزية المتصارعة في صورته لتنبثق في أذهاننا قصيدة الوجود الأجمل والأعقل.لهذا السبب فأن أقوى صورة تعبيريّة قد يلجأ إليها الشّاعر في وصف ثنائيةDichotomy أو حالتين متناقضتين خارجيتين (كالجمال والخشونة) أو متفاعلتين في دواخل النّفس البشريّة(كالخير والشّر) تأتي في نصب رمز يحويهما ويمثّلهما فنّيّا ومنطقيّا وقد أبدع فامتاز ها هنا شاعرنا الأريب في توصيف حالة نفسيّة وجوديُة متجذُرة في غرائز الطُبيعة البشريّة وهي الصّراع الدّاخلي بين قوى الخير والشّر ،صراع النزوع للحرب أم للسّلم إلخ آخره مما يصنّف تحت شعار صّراعات الجسد والرّوح. من هنا فقد قرأت هذه القصيدة بروح بليكيانية Blakean spirit تأثٌرا بالتُشابه الفكري والمعنوي الكبير بين معاني القصيد وفلسفة وكتابات الشاعر W.Blake( ولا اقصد وحدة الوجود فالموضوع مختلف تماما) خاصة ديوان قصائده "البراءة والتّجربة" "Songs of Innocence and Experience" في حديث شريف قيل"أكرموا الخيل وجلّلوها" وما الإكرام سوى تخليدها في خيال الشّعراء والخيل من خيال أيضا وهي من اختيال أيضا وها قد التقت الحضارات فالخيل كائن في الواقع وفي الخيال طباعه تتشابه وطباع الإنسان التي تضرب عميقا فيدهالير الطّبيعة البشريّة وأكثر فقد بسط شاعرنا معانيه إلى أبعد من ذلك فتعدّى وصف طباعها جمالها وأعضائها ورأى الحسن في ما وراء الرّسم والخطوط عملا بقول المتنبّي: إذا لم تشاهد غير حسن شِياتها فالحسن عنك مُغيّب" سنرى عندما نقف على أبيات القصيد بأن شاعرنا إرتأى تقسيمه في تركيبة ثلاثيّة الأبعاد وهي حتى البيت الرابع وصف لجماليات الحصان الخارجية وحتى البيت السابع وصف لقدراته ومهاراته الجسديّة الحربيّة وحتى الأخير نقلة نوعية في دمج الفروسيّة الإنسانيّة مع كيان الحصان الجسدي الجمالي ليصل بنا إلى الحكمة إلى العبرة في حلّ صراع يفتعل في خبايا النّفس البشرية (تجسّد في صورة حصان يرمز لجانبيه المتعاكسين تماما)عن طريق الخيال الشاعري والمعرفة من بعد التّجربة ثم الوصول إلى مراقي الوعي والنّضوج نضوج في فهم الحياة وبلورة أسلوب معيشي فيه منطق واقتناع.نرجع إلى الرّوح البليكيانيّة حيث عرّفها بليك بالبراءة العليا Higher innocence بمعنى أن الوجود الكريم لا يتحقّق إلا بالمزج بين البراءة وخلاصة التّجربة وتزويج ومزج صفات متناقضة وطباع متعاكسة في حالات الوجوديّة لينتج واقع أفضل وأكثر عقلانيّة . يقول شاعرنا في العنوان: هَــبَّــت خُـيـولـي إذًا فالخيل مُلكه وهي في حالة هبوب والهبوب إما لحرب أو لدفاع وينتقل إلى القصيد فنراه في الأبيات حتى الثّالث يصف جمال الخيل الخارجي بسكينة شاعر ورومانسية مرهفة.شاعرنا ملتزم وأسلوبه تقليدي لكنّ روحه تجديديُة فالصّدر الأول: هَــبَّــت خُـيـولـي تِـباعًـا عَــزمُـهـا لَــهَــبُ وصفيّ تقريريّ والصُورة مجرّدة ناريّة ومن عادة الوصف الإستهلالي التّدرج في الوصف من النّعومة إلى الخشونة لكن ها هنا نرى وصف القوة والإندفاع يسبقان ربما فلسفة لأنّ القوة في مكانها ووقتها الملائمين تبلور موقفا وجوديا أكثر عمليُة ويستطرد في العجز وصف عظمة الخيل أبّهتها وبأسها فهي حين تهبّ لا تخشى المصائب ولا يرتعها تعب مَــا هَـــالَــهـا كُــرْبَــةٌ أو مَـسَّـهـا نَــصَــبُ وينتقل شاعرنا المرهف إلى وصف غاية في الرّوعة فالأعناق كالأقواس منتصبة وجبهتها متّسعة وجمال الجبهة في الإتساع وقد يرمز بالجبهة للوجه عامّة أو جناسا إلى جبهة القتال فمهما اتّسعت فالخيل لها والله أعلم! كَـالقَـوس أعْــنـاقُهـا والجَـبهَـةُ اتَّـسَـعَـتْ وفي العجز الثّاني يدهشنا الشّاعر بصورة عسليّة في نكهتها نورانيٌة في صفاءها عن وصف العين فيقول: فـي العَيْـنِ نـورٌ صَفَـا كالشَّـهدِ يَنسَـكِــبُ الله ما أرقى هذا الإحساس وما أرق لحنه وما أنقى تصويره.!!! وينتقل إلى السّاق ففي الفخر والإحتفاء خطواته والسَّـــاقُ جَـلــدٌ وَمَــشـدودٌ وَمُـنـفَــتِــلٌ تَمْـشِـي فَـخَارًا يُرى في سَيرِها الخَـبَــب ساق صلب متمر؟ن من تجاربه شابّ يشعّ نشاطا وبسالة .يقصد شاعرنا أن الخيل في تأهّب أبدًا للإستبسال وعند السّ٨لم روحه في فخار واختيال ثم ينتقل بوصف دقيق في جماليات الخصر فهو ضامر يهب الشّكل منظرا طيبا جميلا والظ؟هر منتصب وصلب فما أجمل هذه الهالة التي تشرق من خيل واقفة بفخر منتصبة الظ؟هر ضامرة الخصر. في الخَصرِ ضَمْـرٌ طَـفـيفٌ طَـابَ مَظهرُهُ والـظَّهـرُ صُـلْـبٌ بِـلا مَـيْـلٍ وَمُـنـتَـصِــبُ ها قد رأينا فيما سبق من أبيات وصفا دقيقا باهرا لجماليّات الخيل الجسديّة وهو تحضير لوصف طباع الخيل عند العراك وهي كما أشرت سابقا ما قد يوحي إلى الإنتقال من أفق البراءة عند بليك إلى أفق التجربة وهل الحرب إلّا تجربة نفسيّة كانت أم جسديّة!! إذا فنحن في أفق الجسد وطباع القتال والصراعات فحسب شاعرنا: إن شُــنَّ غَـــزوٌ غَــدا أفــــرادُهَـــا أُسُــدًا تَرمـي بِـجَـمـرٍ وَيغـشَى وجْهَـهـا الغَضَبُ عند الحرب تتحول رصانة الخيل إلى غضب فيستأسد الحصان لو أعتدي عليه وويل لمن يقف أمام جمر نظراته وهجماته لا بل: حَـتَّـى إذا ضَجَّـتِ النّـيـرانُ واحـتَـدَمَـت صـارت خـيولي رَحَى تَـنـأى وَتَــقــتــربُ عندد اشتعال الأقتتال واشتداد ضراوته تغدو الخيل "رحى" تتفتل وتدور دون توقف في ساحة الوغى لا تراجع ولا خنوع لا يَــفــتـرُ الــعَــزمُ مِـنـهـا حـينَ مُـعتَركٕ ولـيـسَ للسِّـلْـمِ مِـن عــزمٍ بِــهــا سَــلَــبٌ تأبى الإستسلام بعزيمة في غليان لا تفتر وإرادة في عناد لا تلين ثم ينتقل الشّاعر برأيي نوعيا إلى أفق "البراءة العليا" بروح بليك فيدخل الفارس الصّورة ويصف فيما يلي من أبيات حالة فروسيّة بطوليّة بطلاها الفارس والخيل وبطولتها انتصار العقل والعدل فها هو: وَيَــحْـتَـفِـي فــارِسٌ مِـن فَـوقِـهــا جَـذِلًا كَـالبَـدرِ وَسـطَ الدُّجى يَذكُو ويَـحتَجِـبُ الفارس يقود الخيل في الحرب لنقل سعيدا فهو بها وبقدرته مفتخر ويا لروعة الصورة التى رسمها شاعرنا فهو يشبّه وجه الفارس بالبدر المنير في ساحة الظّلمة لأنها مغبرّة واقعا وإحساسا وهو حين يهجم تذكو وتسطع الص؟ورة وحين يفرّ يحتجب النور.كذلك حين يختبئ العقل يظلم مدىالرّؤية. نعم منطقيٌا الإنسان يملك عقلا فحين يشعله تنار دروبه وتظلم حين يحجبه وهو هو ما ذكرته ما تنضح به دنان معاني الشّاعر في هذا القصيد بأن في كل صراع لا بد من يد تكسر الغاشم وعقلا يمهّد للسّلم يد تقمع طبع الشُر وتفسح لطبع الخير فها هو الفارس: قَـد أَمـسَـكَ الخَـيــلَ سِلمًـا بَـعد مَـعمَعَةٍ لا يَــأمَــنُ الــغَـدرَ مَـن آبـاؤُهـم سُـلِـبـوا بعد المعمعة والمعركة الط؟احنة يمسك باللّجام فيلجم الخيل لكنه دوما متأهّب للإقدام كيف لا وقد لُدغ مرارًا وتكرارًا من سهام العدو .لقد أبدع فأدهش شاعرنا بقوله الحكيم في العجز أعلاه بما معناه أن التجارب تصقل الشّخصية وتمدّها بالحكمة فلا ثقة ومأمن من نوايا العدو ولهذا يبلغنا في الخاتمة أنّ: هٰـذي خُـيولـي إذا لَـم تُرتَـدَعْ غَـشمت وإنْ تُـهَــذبْ لـنَــا النًَـعـمـَـاءُ والنَّـسَـــبُ الخيل في طبعها مندفعة وتستوجب الرّدع والتهذيب وإلّا فلا نعماء ولا استقرار تماما كطبيعة البشر من هذّب نفسه كسبها ومن أهملها في براري الجهل أهلكته. ونكمل دائرة الخيل والطّبيعة البشريّة والرّوح البليكانيُة فنوح قولا واستنتاجا بأن الحياة ميدان كرّ وفرّ دفاع وهجوم صراع لا ينتهي ولا النّظرة البريئة للحياة تكفي ولا التّمادي في العراك والتّجارب دون عبرة يشفع بل هي طريق المزج بينهما وتوقيت كل منهما بحسب ظروف الحياة ومتطلّبات الموقف هو ما ينجّي ويشفع للحرب وقتها وللسلم آوانه لطبع الهيمنة مكانه ولطبع التنازل ساعته. كما نضجنا على تعاليم الدّين فالنّفس أمّارة وجهادها من أقدس ما يكون ،ولا جهاد روحانيّ أم جسمانيُ دون قوّة وطوبي لمن بلغ معها السّلم والأمان. غاص شاعرنا في حالات نفسيّة تختلج أعماقنا وطرح صراعا أزليّا في صورة ومعنى الخيل محاولا التّاثير فينا إن لم يكن في قراراتنا وواقعنا فعلى الأقل في خيالنا وأفكارنا. إن كان في الشّعر التزام بنكهة الماضي فقد حقنه شاعرنا برونقه وجماله وإن كان فيه معاصرة فقد أغرقه شاعرنا بنكهة فلسفيّة ثقافية أدبيّة من الحاضر هذا هو بعينه التّجديد والتّحديث في الشّعر.

ليست هناك تعليقات