ما بين اللغة التراثية وهموم الحداثة. قصيدة الحلم لهيثم محمد النسور..بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم

 

ما بين اللغة التراثية وهموم الحداثة. قصيدة  الحلم  لهيثم محمد النسور..بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم

عنوان النص: ما بين اللغة التراثية وهموم الحداثة. قصيدة الحلم لهيثم محمد النسور

_______________________
الشعر هو كلمات تجمع ما بين الأدب والبلاغة، وهو نوعان الشعر العامودي والشعر الحر أو شعر التفعيلة، ويقال أن الشعر هو سجل أمجاد العرب وأنسابهم وأيامهم وبلاغتهم وقال عنه المظفر بن الفضل ((أمّا الشعرُ فإنّه ديوان الأدب، وفخر العرب، وبه تُضرَب الأمثال، ويفتَخِر الرّجالُ على الرجال، وهو قيدُ المناقبِ ونظامُ المحاسنِ).
إن كتابة الشعر ليست بالأمر السهل، فهو الكلام الموزون على قافية محددة تجمع ما بين فكر القصيد، والتفعيلة، والإيقاع العاطفي من خلال وقائع حصرت فيها، عند قراءة قصيدةٍ معاصرة لا يَحتاج القارئُ المتلبِّس بظرفها الموضوعيِّ والواقعي للخوض فيه، بل يدخل مباشرةً إلى لغة القصيدة؛ والقصيدة بحاجة إلى وقفة جادة لتقويمها وفق رؤى حديثة على ضوء مناهج النقد الحديثة، الذي نادت به بعضُ نظريات النَّقد المعاصر بالتركيز على لغة النصِّ؛ كالبنيوية والأسلوبيَّة والتشريحية، والتغافل عن صاحب النصِّ، لكن صعوبة ما واجهتني، وهي التزام الشاعر المعاصر بالرجوع إلى تراث أجداده والنظم حسب سياقهم النظمي، فهذا الانسحاب على البعد الزمني يحتّم على القارئ العودة إلى ثقافة ذاك الزمن التي تذمرنا منها حين كنا على مقاعد الدراسة، وكأنه يسير عكس السير، وحين سألته قال "لا شعر إلا شعر القدماء العامودي" وهنا لا تعليق على اعتبار أن هذا رأي شخصي.
البنية المعرفية للنص: رحلة الحلم العربي في بلاد العرب
ثيمات النص: دعوة غير مباشرة لإعادة أمجاد العرب وخيبة أمل الشاعر في الواقع المتردي للأمة العربية
عند عتبة العنوان كشف عن مقصده وأن ما سينظمه، ما هو إلا حلم في زمن قست ظروفه فصار الحلم هروبا من معاناة الواقع، إذ استهلّ الشاعر قصيده بالنداء على غرار المقدمة الطللية التي احتذى بها الشعراء القدماء، والتي كانت تحمل معانٍ عميقة بين ثناياها؛ كمعاني الفناء، والرحيل، والتغزّل بالمحبوبة والألم على رحيلها، لكن البعض ثار على المقدمة الطللية وابتكروا مقدمات جديدة تلائم عصرهم؛ كالمقدمة الخمرية، والحكمية، ووصف الطبيعة، لكن هل يمكن أن نطلق عليها مقدمة الحنين، لأن الشاعر هنا وقف على أطلال قلبه يناجيه ويعاتبه، ثمّ انتقل فجأة إلى "قالت" وكأنه ينشئ حوارية استفهامية ضمن مشهدية العتاب والرحيل، ثم بدأ رحلته بانسيابية الكلمات والحركة، طوافا في جماليات العالم العربي في عباءة الحلم انطلاقا من دوحة العز الهاشمية إلى ياسمين الشام، ومنها إلى القدس الشريف للصلاة فيه، ورحب به نيل مصر مصفقا (فعل حركي) ثم إلى رطب الحجاز وفي اليمن استخدم دلالة مكانية لمساكن بلقيس وهنا كانت مواربة لفظية غير مباشرة، ومنها إلى العراق التي تماهت بجمال كواعبها ليته تماهى بحضارتها ربما هو مأخذ معنوي.
استخدم الشاعر ألفاظا ملحمية (مثل القوس سندحر الظالم)، واستخدم الصور البديعية (صفق النيل) وحين توغلنا إلى أعماق النص تواجهنا اللغة غير المألوفة، فهي وإن كانت معجمية إلا أنها تحتاج الى قارئ حاذق يقف على دلالات الألفاظ، لا على معانيها فحسب، بتتبعه سياق النص والإلمام بمقاصد الشاعر، وعلينا سبر أغوار النص بثقة وقوة للكشف عن مواطن الجمال والإبداع فيه، وما يحدث في هذا النص من مفاجأة وإثارة عُرفت نقدياً بكسر أفق توقعه أو انتظاره عن طريق ما يأتي به الشاعر من خرق وانزياح للصور التقليدية المتداولة التي ثبتت في أذهان المتلقي وتوقعاته، وهناك غرض غير مباشر فالشاعر يبحث عن هوية عروبته في ظل التناحر والعداء، أو عن هوية بديلة هي الانتماء العربي، الذي أصبح هشا بفعل الفتن التي غيّرت مجريات واقعهم ومستقبلهم. وكانت إجابة الشاعر عبارة عن أمنيات يصبو إليها كل عربي ويحلم بها وهي عودة الأمجاد العربية .
لقد شكل الشاعر نظاماً سيميائياً تراتبيا، له دلالات تجمع بين الدال والمدلول مثلا،(مساكن بلقيس /اليمن) (النيل/ مصر)، لم يتطرق الشاعر إلى حصْرَ الظروف الموضوعيَّة كالوضع السياسيُّ والاقتصادي التي تحيط بالقصيد إلا إيحاء، فالهيثم صاغ بوح قصيدته ملتزما بمبادئه، لما يتمتع به من تحرُّر ذاتي وطلاقة لغوية، لكن هل كان في قصيده تجديد في الأسلوب، أم تقيد بنمط الأسلاف التراثي، واستخدام لغتهم وصورهم البعيدة عن مخيلة المتلقي، هل اتبع أسلوباً فيه صنعة السلف، ليمتلك حرية التصرف في كيفية عرض فكرته، مع الحرص على الوحدة الموضوعية، ومع ذلك اتسم الأسلوب بالجزالة والفخامة واستخدام بعض الكلمات المهجورة في الكتابات العصرية وكأنه أراد إحياءها من جديد، لكنه نجح في استخدام القوافي الأوزان التقليدية المعروفة، والتي هجرها الكثير من الشعراء واستحدثوا أوزاناً تلائم روح عصرهم وذوقهم الشعري، وتحرروا من القافية كذلك؛ على عكس القدماء الذين استحدثوا المزدوج والمسمّط والمخمّس، إذ كانت الموسيقى الداخلية لديهم تحمل أشكالاً عدة، منها: تكرار الألفاظ أو ما اشتق منها كالترصيع. والتصريع الذي ورد في البيت الأول بين (تواسيه / يخفيه).
إتسمت قضية القصيدة بالواقع المؤلم والمتشظي المعاش للأمة العربية، لقد تميز شعره بخصائص أهمها رقة العبارات والتفنن في اختيار المعاني واستخدام البديع اللفظي، وبالسلاسة، مما أدى إلى امتزاج ثقافة العقل العربي التراثي والحديث، فأثرى التنوع الواضح والاختلاف في نهج القصيد مما أدى إلى تأثير واضح. ونؤكد أن الشاعر متأثر بطابع الشعر العباسي، الذي تميز بثراء الموسيقى الداخلية للقصيد، وفضل السير على خطى الوزن والقافية المعتادة، واحتوت على الكثير من الصور الجمالية، وحفلت في طياتها أجمل المشاعر، والقصيدة موجهة لكل فئات المجتمع. واستطاع توصيل الفكرة، دون الحاجة إلى استخدام الألفاظ التي تحتاج إلى الشرح، واعتمد على التجسيد، وخصوصًا في المقاطع الغزلية أو المدح، بالإضافة إلى ذلك، مستخدما المحسنات اللغوية واللفظية. التجديد في الأفكار، والأخيلة، ولمح إلى موضوع واحد متجنبا المطولات، اختتم الشاعر قصيدته ببعض المشاعر الدينية..
تحياتي للهيثم الذي أمتعنا بهذا النظم المتفرد في إيقاعه ونظمه..
▪️فاطمة يوسف عبد الرحيم.
نص القصيدة:
الْحُلْم..
▪️هيثم محمد النسور
يَـا سَـاكِـنَ الْـقَـلْبِ رِفْقًـا لَـو تُـوَاسِـيـهِ
فَـأَنْـتَ أَدْرَى بِـمَـا يَـطْـوِي وَيُـخْـفِـيـهِ
دَعِ الْـمَـلَامَــةَ وَالــتَّــثْــرِيْـبَ، إِنَّ بِـــهِ
شَـجْـوًا مِـن الْـبَـيْـنِ وَالْآهَـاتِ يَكْـفِيهِ
قَـالَتْ عَـلَامَـكَ مَـغْـمُـومٌ ومُـكـتَـئِــبٌ
كَـالصَّقـرِ ضَاوٍ وَقَدْ هِـيـضَـتْ خَوَافِيهِ
أَرَاكَ هَـيَّـأْتَ فِـي الْأَسْـحَــارِ رَاحِــلَــةً
فَـمَا الَّـذِي يَـا أَنِـيـسَ الْـعُـمْـرِ تَـنْـوِيـهِ
فقُـلـتُ : أَصْـبـو إِلـى قَـومٍ مَـقَـامَـهُـمُ
كَـالْبَـدْرِ فِي غَيهَـبِ الدَّيْـجورِ أُضْوِيـهِ
دِيَـارُهُـمْ دَوحَــةٌ بِـالْـعِـزِّ قَـدْ شَـرُفَـتْ
وَخَصْـمُـهُـمْ لَـيـلُـهُ اسْـودَّتْ دَيَـاجِـيـهِ
سَـأَمْـتَـطِـي صَـهْـوَ مَـحْـبُوكٍ أَعُـجُّ بـهِ
كَـسَـابِـحٍ لَـو عَـدَا يَـدْنُــوكَ قَـاصِــيــهِ
تَـحَـقَّـقَ الحُـلمُ صَارَ العُربُ فِي وَطَنٍ
يَـفِـيْـضُ خَـيْـرًا عَـمِـيـمًا مِـن بَـوَادِيـهِ
يُـرْوَى بِـأَنْـدَاءِ مُــزْنٍ خَـضْـلَـةٍ فَـرَبَـتْ
بِــسَــاطَ نُـورٍ تَــعــالَـىٰ الـلَّــهُ بَـارِيــهِ
بُـوْرِكْتِ يَا شَامُ فِيكِ الْـيَاسَمِينُ زَهَــا
والمَسـجِدِ الأُمَويْ ازدَانَـتْ حَوَاشِـيـهِ
فقَالَ إِنْ كُنْتَ صَـوبَ الْـقُـدْسِ مُتَّجِهًا
بَـعـدَ الـصَّـلاةِ بِـــهِ قَـبِّـلْ سَــوَارِيــــهِ
لَـمَّـا تَـراءَى لِـيَ الـيـرمـوكُ فِـي غَــوَرٍ
ودَوحُــهُ طَـرِبٌ، تَــشــدُو قَــمَــاريـــهِ
كَـأَنَّـنِـي فِـي جِـنَـانٍ طَـابَ مَـرتَـعُـهَــا
حَـمَـامُـهَـا صَـادِحٌ رَقَّـتْ مَــغَــانِـــيــهِ
وَالمـاءُ يَـنـسَـابُ مَـصـقُـولًا بِـساقِـيَـةٍ
فَاخضَوضَرَ الرَوضُ وَالوَسْميُّ يَرويهِ*
فَـالقُـدْسُ جَـذْلَى وَقَدْ ضَاءَتْ مَنَارَتُهَا
بَـهَـاؤُهَـا لَيسَ مِنْ شَـمْسٍ تُـضَـاهِـيـهِ
رَوَافِــدُ الـمَـاءِ قَـدْ فَـاضَـتْ مَـنَـابِـعُـهَا
فَـصَـفَّـقَ الـنِّـيـلُ، وَالْأَفْـنَـانُ فِي تِـيْـهِ
كَـأَنَّمَا مِــصــرُ رِبَّـاتُ الْـخُـدُورِ بَـــدَتْ
وَضَّـاحَـةَ الْـوَجْـهِ فِي بِـشْـرٍ وَتَـنـزِيـهِ
بِـنِـيْـلِـهَـا تُــضْــرَبُ الْأَمْـثَـالُ مِـن أَزَلٍ
وَزَرْعُـهَـا مِـن نَـمِـيرِ الْـمَـاءِ تَـسْـقِــيــهِ
تَـرَى الْحَـوَارِي عَـلَى شَـطَّيْهِ فِي مَرَحٍ
وَالْــبَــدرُ مُـــدَّتْ لــهُ حُـبًّـا، أَيَــادِيـــهِ
يَسَّاقَطُ الرَّطْـبُ مِنْ نَخْـلِ الْحِجَازِ بِـهِ
جَـمَـالُ شَـكْــلٍ بَــهِــيٍّ عِـنـدَ رائِـــيــهِ
صَـعَـدتُ غَــارَ حِـرَاءٍ مُـنـتَـهَـى أَرَبِــي
وَمَـهـبِـطُ الْوَحْيِ غَـمَّ النـَّفـسِ يُـجليهِ
نَــدَّ الْـحِـصَـانُ فَـعَـرَّجْـنَـا عَـلَى يَـمَـنٍ
وَصَفْـوَةُ الْــقَـومِ حَطَّتْ فِـي أَعَـالِـيـهِ
رَأيْـتُ مَـسْـكَنَ بَـلْـقِـيـسٍ غَـدَا طَـلَــلًا
مِـنْ بَـعْـدِ مَـا كَـانَ مَعْـمُورًا بـأَهْـلِــيـهِ
نَــهْـرُ الْـفُـرَاتِ دَعَـانـِي لِـلْـوِصَـالِ بِــهِ
هَـيْـهَـاتَ يَـسْـلَـمُ قَـلْـبِـي مِـنْ تَـجَنِّيـهِ
فِيْـهِ الْكَـوَاعِبُ بِـالْأَلْحَـاظِ كَـمْ فَتَـكَتْ
بِـقَـلْـبِ صَـبٍّ بِــسَـهْـمٍ كَــادَ يُـرْدِيـــهِ
رُضَابُـهَـا الشَّـهـدُ يَهْمِي مِن مَراشِـفِـهَـا
وَخَـصرُهَـا مِـثْـلَ فَــرْعِ الْـبَـانِ تَـثْنِـيهِ
يَـا أُمَّــةَ الْـعُـرْبِ وَالْإِسْـلَامُ مَـنْـهَـجُـهَا
نِـبْـراسُكِ الْإِلْـفُ وَالـتَّشْـتِـيـتُ يُطْفِيهِ
نِـلْـتُـمْ مِـن الْـفَـخْـرِ مَـا لَا نَـالَـهُ بَـشَــرٌ
سُـلـطَـانُـكُـمْ صَـيْـدَنُ الأَقْـيَـالِ يَـبْغِيهِ
وَرَفْـرَفَـتْ فِـي سَـمَـاءِ الْـعِـزِّ رَايَـتُكُـمْ
كَـفَـرقَـدٍ يُـرشِـدُ الـسَّـارِي وَيَــهــدِيــهِ
جُذُورُكُـمْ أُصِّـلَتْ فِي الْأَرضِ مِن أَبَــدٍ
وَفَـرعُـكُمْ قَدْ سَمَا فِـي الْأُفْـقِ يُزكِـيـهِ
وَاللَّـهُ يَـعـصِـمكُمْ فِي ظِـلِّ وَحـدَتِـكُمْ
هَـذَا قَـضَـاءٌ وَأَمْـــرُ الـلـَّـهِ مُــجْـرِيـــهِ
أَرجُـو مِـنَ الـلَّـهِ تَـثْـبِـيـتًـا لِـدَوْلـتِـكُـمْ
ورَأسُــهَـا شَـامِـخٌ تَـسْــمُــو نَـوَاصِـيـهِ
لَاعَيْبَ فِي الْقَوسِ لَو فِي صُلْبِهَا عِوَجٌ
فَـسَـهْـمُـهَـا لَـمْ يُـزَاوِرْ عَـنْ مَـرَامِـيـــهِ
مِنَ المُحيـطِ إِلَى أَرْضِ الْخَلِـيجِ زَهَتْ
بَـيَـارِقُ الْـفَـخْـرِ، والْإِذْعَــانَ تُـلْـحِــيـهِ
لٓا تَــيـأَسَـــنَّ رَحَـــى أَيَــامِــنَــــا دَوَلٌ
سَـنَـدحَـرُ الظَّـالـمَ الـبَّـاغِي وَنُـفْـنِـيــهِ
ذُهِـلْـتُ حِينَ أَذَانُ الْـفَـجْـرِ أَيقَـظَـنِـي
شَـعَـرْتُ أَنِّـي بِــحُـلـمٍ كُـنْـتُ أَهْـذِيــهِ
فَغَمَّنِي اليَأْسُ وَاسْتَولَى عَلَى جَسَدي
كـأَنـَّمَـا الـرُّوحُ سُـلـَّـتْ مِـنْ تَـرَاقِـيـــهِ
رَجَــوتُ دَهْـــرًا بِــلَا هَـــمٍّ وَلَا نَــكَـــدٍ
هَـيْـهَـاتَ دَهْـرٌ، لـمِـثْـلِـي لَـوْ يُـلـبِّــيــهِ
______________________
* الوَسْمِيُّ : مَطَرُ الرَّبيع الأَولُ

بقلم: الأديبة فاطمة يوسف عبد الرحيم

ليست هناك تعليقات