الناقدة نافلة مرزوق العام...إضاءة على قصيدة الأردن للشاعر هيثم النسور

 

الناقدة نافلة مرزوق العام...إضاءة على قصيدة  الأردن  للشاعر هيثم النسور

الناقدة نافلة مرزوق العام...إضاءة على قصيدة  الأردن  للشاعر هيثم النسور 

الناقدة نافلة مرزوق العامر Stella Ra Nch
إضاءة على قصيدة "الأردن " للمبدع الشاهق القارض البليغ الشاعر هيثم النسور
بعنوان "ظاهرة الوطنية كالتزام أخلاقيA moral must في وطنيات هيثم النسور."
ظاهرة لتكراره التّعبير عن مشاعره الوطنيّة الجيّاشة في فترة المهجر وفترة ما بعد الرّجوع.التّكرار دليل على هاجس وفكر يهمّ ويشغل الشّاعر حول موضوع معين فيستوطن مهجة الشّاعر فيكون قضيّته وسمة من سمات إبداعه .قد يكون الوطن ملجأ مؤقتّا عند البعض يستبدله بغيره وقد يكون وهما وحالة إفتراضية عند الآخر فيقدّم قيما أخرى عليه وقد يكون قاعدة لبناء الإستقرار فالإنطلاق إلى الحياة عند البعض فيجعلونه مرسى لقيم سيبنون عليها معيشتهم وتربية نشأهم فلا يدّخرون في حماية وتمكين هذا المرسى هيكلًا وجوهرًا أي جهد.
إلى القصيدة حيث يقوم الشاعر بداية بتقدمة خاصة إشارة منه وتأكيد على أهميّة وخطورة رسالته الشّعرية فيقول:
إلى كُلِّ مَنْ يضمرُ الشرَّ للاردنِّ وأهلهِ أوجهُ لهُ رسالتي التي أودُ أن يَعيَ فحواها وما تصبو إليه..
ثم ينشد هيثم النسور أغنية وطنه قائلا:
يا أُردنَ الـخـيرِ لا تـُـضنـيكَ أَحزانُ
ولـن تــَنــوءَ بِـحَـولِ الـلـَّـهِ ؛؛ عَمَّانُ
يامـنـبـعَ الـعِـلمِ لا مَـسَّـتـكَ بائِـقَـةٌ
شـانِـيـكَ يَخْسا ولا يَـعـلـو لـه شَانُ
جـَـنـتْ عليكَ أَيـادٍ تـَبَّ صـاحِـبُـهـا
شيـماتُـهُ الـغدر ؛ للمـيـثـاقِ خَـوَّانُ
شُـذَّاذُ آفـاقِ؛ عَاثوا في بَـهاكَ لكيْ
تُـدنِّـسُ الـرِفـعـةَ الــشَــمَّـاءَ أَدرانُ
ولـَتْ عَليْنَا صُروفُ الدَّهرِ من لُكَعٍ
كأَنَـهُم في مجالِ الـصِّقـرِ غُربـانُ
أَبا حسينٍ عظيم الشانِ كمْ شَمخَتْ
لِـجودِ كَـفِّـكَ والـمعروفِ ؛؛ أَوطانُ
إِنَّ الـجَّلالـةَ مـن أَجدادكَ انتقلت
ومـا يــواكِــبُــهـا زورٌ وَبُــهْــتَــانُ
فَكُنْتَ عَـوْناً لِذي غَدْفٍ وذي مَلقٍ
فَـضَائِلٌ عَـمَّـتِ الـوادي وإِحـسـانُ
حكمتَ بـالناسِ في قِسطٍ بلا شَطَطٍ
قِسطاسُكَ العدلُ لابَغيٌ وخُسرانُ
فاسلَم ودُمْ دائِماً حُـيِّيتَ مِنْ مَلِكٍ
مـن آلِ هـاشِـمَ ؛؛ أَقـيالٌ وأَعـيـانُ
ظاهرة الإحتفاء بالوطن وتبجيله تميّزه عن غيره فقد اتخذ من الوطن قيمة ثابتة لا مأوى تحكمه الظروف السياسية والجغرافية ومعنى لا لفظا خاويا كالخطابات الديماغوغية
ها هو يقول:
يا اردن الخير لا تضنيك أحزان
يؤنسن البلد ويجعله امتدادا نفسيا له فيتضامن معه وكانه بشر يحزن ويفرح..هكذا يجعل من الوطن قيمة لا خريطة.
واتخذ منه معنى لا قشورا تفرزها الخطابات الخاوية والتظاهر المتلوّن فقال:
يا منبع العلم لا مسَّتك بائقةٌ
الوطن مورد الثّقافة ومصدر العلم والتّعليم إنه ما ينشده الأوتوبيّون لا بل والواقعيون أيضا فهو عطاء لا أخذ وهو محار لا صدف .
تتكثف في صدر شاعرنا أحاسيس الغضب حيال كل خوّان غدّار يكيد لوطنه ويتآمر عليه فيقول:
جنت عليك أياد تبُ صاحبها
ويقول
شذّاذ آفاق؛؛ عاثوا في بهاك
لله درّه شاعرنا كيف يجعل بين مفردات الجملة مغناطيسا فكريّا يشدّهم إلى بعض فيلتصق المعنى برنّة موسيقية تشدّ القارئ إلى جمال وجماليّات لفظيّة تذكّرنا بشعر الغابرين من العظماء أمثال المتنبي والبحتري وغيره.رائعة هي شذرات شاعرنا الفذّ فكل مفردة تشع كبصيص نور في الظّلمة.
لا بل وتزدحم في أبياته الفلسفة والحكمةفيقول:
وّلّت علينا صروف الدهر من لكع
كأنهم في مجال الصقر غربان
أعداؤه "لكع " والزمان بهم ولّى فالغربان عند حضور الصقور قهقرى وخسران .رائعة هي الحكم التي تتغلغل في طيّات معانيه وشاعر الحنين ها هنا لا يخلو شعره من حكمة تماما كمليكه وأجداده فهم شموخ عظماء الشأن كرماء كرام لا بل واكثر...فهو يصف ابا الحسين ويقول:
حكمت الناس في قسط بلا شطط
قسطاسك العدل لا بغي وخسران
إن مليكه عبدالله حكيم عادل .أنظروا القوة اللفظية والشحنة الموسيقية في كلمتي "قسط"و "بلا شطط" و"قسطاسك" ..ليس عبثا إختارها شاعرنا بل هو الشاعر الأنيق صاحب الأسلوب البليغ والأسلوبية الهادفة البليغة المقنعة والفكر اللّامع الذي يوضّح موقف الوفاء الذي لا يلين والمنتمي الذي لا يهادن ولا يساوم على وطنه ومليكه.
وكيف يكون كل ذلك ولا يختتم شاعرنا بدعاءلسلامة الوطن والملك!! فيقول:
فاسلم ودم دائما حُيّيت من ملك
من آل هاشم أقيال وأعيان
بمنطق الإخلاص الذي ساد جو القصيدة ينهي شاعرنا قصيدته وبنفس الحماس الذي استهلّ به قصيده وبأمنيات السّلامة لوطنه ومليكه يختتم خطابه فبالسّلامة يكون البقاء وبالبقاء تستمر الحياة.
ما الشّعر إن لم ينبع من الشّعور وما الشّعور إن لم ينساب من عشق الوطن حتى النّخاع! وما الشّاعر إن لم يلملم هذه المشاعر ويضبطها في حلة لفظيّة معنويّة فيها من جمال الشّكل والرّوح ما يحوي مساحات الوطن كأب يحوي طفله.!
عاش الأردن وطن كلّ عربي إن حزن حزنت العرب وإن فرح طربت وانتشت!
نعم إن شاعرنا قد عاش فترة مغتربا في المهجر عانى خلالها ابتلاءات وآلام نفسية وجسدية وعزلة إنسانية وفكرية صقلت فيه من بعد اكتواء نظرة تقدمية لمفهوم "الوطن " وكما قال الشاعر لوركا "يا له من ألم ألا يكون لك ألم" فالألم هو النار التي تذيب المعدن مخرجة منه الشوائب فتصقله معدنا نقيا صافيا هكذا هو شاعرنا الذي بحكمة وبصيرة حوّل مقاساة المهجر إلى قصيدة للوطن وحول طاقة القول إلى حركة وفعل نحو بناء الوطن ونحت من صخر الضّياع هوية الإنتماء الحق .من يراجع وطنيات هيثم النسور يلاحظ بأن شاعرنا يتعدى المشاعر الوطنية العادية ويتعربش على سلالم الفكر وفلسفة الأخلاقيات ethics بتوجّهه إلى الوطن كقيمة عليا مرتفعا بمواطنه إلى آفاق الوجود الأنساني الراقي الذي يحفظ للإنسان كرامته وحقوقه محققا له حياة كريمة تليق بإنسانيته التي فضله بها الله على باقي مخلوقاته.نعم لشعر النسور الذهبي الرخيم الصّافي جوانب أخلاقية ولكن أيضا جمالية فشاعرنا ملتزم بالشعر الموزون ومعجمه ثر تعج أبياته بالمجاز المبتكر والتصوير اللّافت وكما ذكرنا فأن أسلوبيته مدهشة لما فيها من خطاب جزل فصيح بيانه سحر يلوّن السطور وبنانه جناح يسابق النسور.

الناقدة نافلة مرزوق العامر Stella Ra Nch


ليست هناك تعليقات