ما بين الإنتشاء Euphoriaوغزو الشّيبDecay.قراءة نافلة العامر في قصيدة غِرّيد النواعير .. (لو كنتَ رضوان)
ما بين الإنتشاء Euphoriaوغزو الشّيبDecay.قراءة نافلة العامر في قصيدة غِرّيد النواعير .. (لو كنتَ رضوان)
ما بين الإنتشاء Euphoria
وغزو الشّيبDecay
قراءة
نافلة العامر
في قصيدة
غِرّيد النواعير ..
(لو كنتَ رضوان)
يقول الخيّام في رباعيّاته:
هبّوا املأوا كأس المنى قبل أن
تملأ كأسَ العمر كفُّ القدر
دعوة صريحة لرفع المعنويّات وبثّ الحيويّة Livelinessفي ما تبقّى من نبض أنفاس وأقلام..يا لها من دعوة تحوّلت لرسالة مقدّسة
وهل أقدس من الإقبال بروح نضرة على الحياة تلك الحياة التي نقضي معظمها عذابا وضروب معاناة يعجب منها القدر نفسه!
وها قد هبّ شاعرنا الغرّيد المنتشيhigh_spirited منجزا مهمّته من ذات المنطلق الأدبي والنّفسي (لكن ليس من منطلق الخيّام الفكري والعقائدي)
فيقول في قصيدته:
( لو كُنتَ رَضوانَ ...)
حيث استهلّها قائلا:
"مداعبةٌ منّي لأَكثر من صديقٍ ممّن يلومونني في غزليّاتي وأنا أُطِلُّ على سِنِّ السِّبعين :"
نعم تطلّ من جيل السّبعين وليس فقط عليه
والإطلالة تأتي من الأعالي المشرفة والقمم المشرقة كإطلالة الشّمس على الأرض
وأمّا المعنى فجليّ واضح فالعلوّ للأقوى والعطاء منه والنّور فمعلوم أنّ تجارب الشّاعر شرفة تشرق منها كنوز جعبته ومنكم غرّيدنا أشرق منطق الغزل المتفرّد وهو ظلّ العذريّ العفيف ومجرى النَسيب الشّريف وعليه فأنتم بمشاعرنا أحرار وهي في مسار شعركم تسير.في حوار جزل رهيف يقول شاعرنا ذو الظّل الخفيف:
تقولُ : مالي أَرَى الغِرِّيدَ مُعتكِفًا؟
ما عادَ يُتحِفُنا من شِعرِهِ غَزَلَا
أَإِنَّ عُذّالَهُ في لَومِهِ وَلِعُوا
لَمَّا رَأَوا رأسَهُ بالشَّيْبِ مُشتعِلا
يتساءل المتكلّم عن اعتكاف الشّاعر عن قرض الغزل معلّلا ذلك بلوم عذّاله له بل وشدّة ولعهم عند اللّوم! وكأنّهم في مهمَة سهلة سهولة تغلغل الماء في الرّمل ذلك لتقدّم سنّه وانتشار الشّيب في شعره.
وليتنا هنا لا ننسى كلمة "يتحفنا"فهي من باب التَمجيد لرقي حرفه "التّحفة" التي منها ينبثق الجمال الأصيل فيكون إبداعا خالدا
وإما الولع والإشتعال فهما في البيت الثّاني دليل حدّة اللّوم والتّقريع وكم هو قاس مجتمعنا حين يكون الأمر متعلّقا بالجيل وكم هو مستبدّ ساعة بزوغ الشّيب في الرّأس.بزوغ لأنّ البزوغ للنّور والشّعر نور وهكذا يكون أنّ الشّيب في الشَّعر عند الشِّعر ينثر نور حرف منكسر على نهر أولم يقال بأن الشيب تاج البهاء وسمة الحكمة!.
نعم هي حرب نفسيّة شعواء تدور رحاها في ميدان النَقاء
لأنها هجوم واعتداء على نبض الفرح في قلب الشّاعر وبه استهزاء كيّ يستكين في غمّة الانزواء والإنطواء:
فَاسْتيقظَ الشَّيخُ من غَيٍّ يَغطُّ بِهِ
فَراحَ يَجنحُ عن دَرْبِ الهَوَى خَجِلَا؟
نعم هو تنمّر حتّى الخجل! معزوَة للملامة خطوته حين لاذ إلى الخجل وحين استردّ الشّاعر وعيه كمن يستيقظ من النّوم والنّوم هنا "غيّ يغطّ به"ويا لحدّة الوصف وخطورة التّهمة فالغيّ هو المبالغة في اللّهو حتّى الضّلال وأمّا الغطيط فهو النّوم حتٍى الشّخير.قد أفلح شاعرنا حين بالغ في الوصف فبلغ بلاغة الشّعر في إيصال المعنى الأدقّ بالتّعبير الأقوى بمعنى آخر فإنّ شاعرنا النّبيه قد طرح موقفا إجتماعيّا أخلاقيّا شائعا في مجتمعنا ووصفه بأجمل وصف بل وأصدقه وأنعم به من طرح ووصف!!
يتطرّق شاعرنا للنّظرة المحافظة المتزمّتة فيما يتعلّق بحرّيّة الشّيخ في التّنفيس عن مشاعره وميوله العاطفيّة ونزعاته الغزليّة الشّعوريّة وتأتي الذّروة فيما يلي كما سنرى لاحقا ..ويلتقي مرة أخرى شاعرنا بالخيّام حيث قال الأخير:
فما أطال النوم عمرا
ولا قصّر في الاعمار طول السّهر
ويقول غريدنا:
فقلتُ : هَيهاتَ لم تُفلِحْ مَآربُهُمْ
مهما تَنادَوا فإنّي لستُ مُحتفِلا
قُل لِلعذولِ : أَرِحْنا من مُسَاجلةٍ
وَدَعْ حِسابي لِرَبِّي واتْرُكِ العَذَلَا
"ه ي ه ات" قال شاعرنا !!برودة الرّفض تركل حرارة الطّلب والإلحاح! قمّة البطولة وقبول التّحدي بذرة الثّورة وفنّ التّصدٍي !!هي روح الشّيخ تهبّ فتفشل مآرب العذّال فشاعرنا غيرمحتفل بهم وغير آبه بتقوّلاتهم
فكأنّه يقول كما قيل "الشّيخوخة لا تحميك من الحبّ بل الحبّ يحميك من الشُيخوخة"
نعم حربهم مع فكر شاعرنا غير هيّنة فهو يدخلهم دهاليز علم النّفس والطبيعة البشريّة الخضراء ..بل أكثر فهو يطالب بأن يعلمهم بإنّهم ليسوا أوصياء عليه ويهدر بجملته العملاقة:
"ودع حسابي لربّي"
ومن يجرؤ أن يدخل ما بين العبد والرّب!
بين السّريرة وعالم الغيب!
إذا فشاعرنا يحمل فكرا دينيّا اجتماعيّا نفسيّا باسقا بفكر راقي لو تبيّناه وتبنّيناه لارتقينا بمجتمعنا الي مراقي الحياة المثلى ونلنا عمرا سعيدا غدقا.
نعم فهو واثق من نيّته مرتكن على أخلاقيّاته مسيطر على نزواته فما دام يترك الأمر لله فهو يعلم حقّ العلم أنّه لا خطل ولا إثم! وهنا يلتقي بفكر الخيّام من جهة حين قال:
وإنما يشفع لي أنّني عشت لا أشرك في وحدتك
ومن أخرى يذكّرنا بقول النّواسيّ:
(مع حفظ البون الأخلاقي بين الشّاعرين)
ربّي ان عظمت ذنوبي كثرة
فقد علمت بأنّ عفوك أعظم
مرة أخرى ننتبه إلى فارق المنطلق باعتبار الغرّيد على شاطئ العذريّ ولطيف الغزل.
ونكمل مع غريدنا فيقول:
لم أُفحِشِ القولَ فيما سُقْتُ من غَزَلٍ
إِقْرَأْ تَجِدْهُ بنهرِ العِفَّةِ اغْتَسَلَا
فَدَعْكَ مِنَّا إِلى الرَّحمنِ مَرجعُنا
وَرَأفةُ اللهِ فينا تبعثُ الأَمَلَا
شاعرنا يغسل غزله بماء الطّهر والعفة ويزرع في نفسه الأمل نفحات من رحمة الله كيف لا وهو المؤمن المتأمّل المتيقّن كيف لا وقد علم أنّ رأفة الله( والرّأفة هي أقصى درحات الرٍحمة ) أكبر من الكون نفسه وكم بالحريّ من هفوات شاعر عذريّ!!مؤمن لأن رحمة الله وسعت كلّ شيء!
يحضرني هنا قول الخيّام:
القلب قد اضناه عشق الجمال
والصدر قد ضاق بما لا يقال
مرة أخرى يلتقيان في علم النّفس والتّنفيس فحسب شاعرنا الغرّيد أنّ الشّيخوخة قد تلحق الجسد لكنها لا تطال روحه فهو مع تقدم الجيل لا زال يتغنّى بالجمال وما زالت نفسه المبدعة في إيناع كزهرة لا تنضب مياه حوضها وهو اذ يتغزّل لكنه لا يقرب الفحشاء والفظاظة وقد سبك لنا صورة مجرّدة تقبض أنفاسنا وتستحوذ عقولنا حين غسل مجرّدا وهو الغزل او الخيال الشعري بمجرد وهو نهر الحكمةً !!وكم في هذه الصّورة من رواء للحس وللرّوح غذاء!
قال الشّاعر والنّاقد S.Jhonson "Old age is not a disease."
أي إنّ الشّيخوخة ليست بمرض بل وعلى لسانه أيضا فأنّ تقدّم العمر يطوي صراع بقاء وانتصار على ملامح الضّعف والخيبات ونوائب الدّهر.
ينتقل شاعرنا إلى السّخرية من العذول فيقول:
لو كُنتَ (رَضوانَ) في أَبوابِ جَنَّتِهِ
لَأَقفَرَتْ لا تَرَى أُنثَى ولا رَجُلَا
لَكُنتَ أَقفلتَها دونَ الوَرَى عَسَفًا
لِتَشتكي الخَلْقُ منكَ الوَيْلَ والهبلا
ينتقد العذول ويوبٍّخه جازما بأنّه لو كلّف بحراسة الجنّة بدل "رضوان "خازنها لخلت من النّاس تعسّفا وظلما لتشتكي الآنام الويل وعلامات الهبل نعم إنّ التّعسّف هو كتوزيع صكوك هبل والهبل عكس التّعقّل ويحقّ لمن حُكم من غير عاقل أن يشتكي منه كائنا من يكون. من علي ربوة النّضوج الزمني والنّفسي تلى علينا غرُيدنا خطبة الحياة وحبّ الحياة
وما زلّ فالشّعر في النُهاية علاج أرواح ووصفة حكماء! أتت الوصفة تقول بأنّ الشُيب علامة جسديّة لا اكثر والرّوح من عواصفها لا تشيخ ولا تلين والغزل العفيف ينبع من روح طيّبة محبّة للحياة متعالية عن معرقلات الفرح والبهجة.
خطبة تدوس شعارات التخاذل والهبل والدعوة للتّقهقر تحت لواء الرّجعيُة الدينيّة والأفكار الدنيّـة
فها هو الرّومي جلال يقول:
لا تكن بلا حب كي لا تشعر بأنّك ميُت
مت في الحبّ وابق حيّا إلى الأبد..
بقي أن نقول بأننا كنّا في رحلة ما بين أنهار العفّة وصكوك الهبل روح شاعر واعيةspirit
في شعر روحي سامقspiritual
فالغزل العذري الرّوحيّ (spiritual poetry)من علقة من روح أتى وعبقه طيف روح لا تموت
التعليقات على الموضوع