عندما يصبح العجل نحلة...د.جمال الاسدي
"عندما يصبح العجل نحلة"
اليكم القصة الكاملة:
الفصل الأول
1
الأمُّ خــــارت والــــعُـيــونُ فُـــتِّـــحَـــت:
"جــو! جــو! هَـلـمَّ أيُّـهـا الـعجلُ الـصَّغير."
فِـي الــحَـال لَـبّــى مُــسرعًــا فـأُسـعِــدَت
وأُرضِــعَ الــحــليــبَ والــحُــبُّ غَـــزيـــر.
2
لَـــمّـــا إلـــى يَـــمـيـنـــهــا تَـــحَــوَّلَــــت
رأت رفـيـقَـهَـــا هُــو الـثَّـورُ الــعَـشـيــر،
دربَ الــحـظيـرةِ ابــتـدا فاستـغــربــت:
"رويـدَكَ، انْـتــظــر! إلـى أيــن الـمـسير؟"
3
"للـحـقـلِ حـيـثُـمـا الـمراعي خُصِّصَت
والـبِـشْرُ جـاءَنَــا مَـعَ الـخَـيرِ الـوَفيـر."
والـعـجلُ طــاشَ غـبــطـةً فـأسرعـت،
فـكـادَ ثَــورُهــا بِـلا ريــشٍ يــطــيـــر.
4
والـجَـــدي نَــطّ والـمـعـيزُ إذ ثَــغـت
والــتَّـيــسُ ظـنَّ زارَهُ العيدُ الـكـبــيرْ
تَـرى هـنـاك الـحَـمـلَ يثغو وانـفَـلـت
إذا الـنّـعـاج تـلـتـقـي الكبش الـمَـزيـر
5
والـديـكُ صــاحَ والـدّجـاجُ قَـرقَــرَت
وفَـوقـهــم عــلا نَــهــيـقٌ لـلـحَــمـيـر
والخَـيلُ في اخـتيالِـها قد حَمحَـمَت
كَــأنَّ مُــهــرَهــا إذا خــطـا الأمــيـــر
6
مـا زالَ حَـشـدُهـم يُــغَــنـّـي مـا صَـمَت
والعـجـلُ يَـلـهـو مـثْــلَ مُـختـالٕ غَـرِيـر
كَــــأنَّ ألـــوانَ الـــسُّــرور أعْـــلَــــنَــــت
تــفــصـيـلَ أمـرٍ شـكّـل الــسرَّ الـخـطـير.
7
وفـي الـطَّـريـقِ بَــانَ نـورٌ وانـجَـلَــت
لـلـعجـلِ أسـرارٌ تَـنِـي الـعـقـلَ المُنيـر،
الـسّــاقَ أدنــى يَـبتَـغي مـا أطــلـقَـت
أنـوارُ سـحـرٍ خَـدَّرت جسمَ النَّــضـير.
8
"واخـتَـلَّ سَـمـعي ثمّ عـيـنـي شُـوِّشَث
وتـاهَ فـكـري فـي مَـتـاهـات الأسير!
مَـهـلًا فَــلا تَــعْـجَـبْ! فَـقـصّتي رأتْ
أحداثَ يومٍ تُبهِتُ الشَّخصَ الـقرير."
9
لـمَّـا وعَـى ضـاقـت عُــروقٌ واشـتَـكَـت
"والــظَّـنُّ أنّـي مُــنـهَــكٌ فـوقَ الــسّريـر
يا وَيــلَــتــي! كَـــأنّ سـاقـي أنْــبَـــتَــت
أزواج أرجُــلٍ! تَـــبــــارك الــقَـــديــــر! ”
10
فَــراغَ يَـنــوي مَـهــربًــا إذ أُســمِــعَــتْ
صـفـيــرَ أهـوالٍ تَــفـوقُ الــزَّمـهَــريــر،
"مــاذا جَـرى؟ ومـن أكـونُ؟ أخـفـقَـتْ
جَــوارِحـي! طـنيـنُ نحلٍ لي يَـصـير؟" ================
عندما يصبح العجل نحلة
الفصل الثاني
11
ما أضخم النحلات حولي، ما الخبر!؟"
"صَـبرًا!" أجـابَـت نحـلَـةٌ فـيـهـا وجَـل.
"مَـليـكـتـي! قد كـادَ يُـفـنـينـا الخطر!"
"مـا كُـنـتُ قَـطُّ حـاكِـمًا مُلـكـي جَلل!
12
"ولـستُ أنـثـى من جَـمـاهـيرِ الـبَـشــر
تُــدَمّــر الـــبنيــان، تَـــرتـــاد الــفشـــل
ومــا دَريـت مــا اعَـتَـراكـم مـن ضـرر
قد كـنـتُ بـيـن رفــقَـتي أُدعى البطل.
13
"أداعــبُ الـنُّـجـومَ لا أنـســى الــقَـمـر
والأهـلُ حـولـي نَـبـتَـغي خَـيرَ العَـمَل
ثُـمَّ انـقَـضـى يومي كـما شـاءَ الـقَدر:
أحـالَ جسمي نحلـةً تَخشى الكَسَـل."
14
مَـشَــى وَقَـد دَرى ثَـوابَ مَـن صَـبَـر
فَـطـار لٰـكن مِحـنَـةً أفـشـى الـوَهَـل،
"لا تَـوْجَـلــوا فَـأمـنُـكُـم لَـنــا الوَطَــر
مـا غـايـتـي إلا يُرى فيكم أمَـل."
15
قـد أعـجَـبَ الـعـجـلُ الذي لـلـتوِّ مَــرّ
وَبَـان عـند الحـشـدِ كَـالوقـعِ الجَـلـل
دَنَـتْ إلــيـهِ نَـحـلـةٌ تُــلــقــي الــدُّرر :
"حـضـورُك الخَـيراتُ والأمـنُ اكتمَـل
16
"أقـوالُـك الأحـكـامُ حــبّـاتُ الـمَـطَــر
أنـتَ الـمَـلـيـكُ تَــرتــقــي بِِـكَ الـمُقَـل
هــيّـا تـقـدَّم واخـتَـبِــرْ شـأنَ الـنَّــفَـر
فالكلُّ شوقًـا جَـاء والشَّـمـلُ اكـتَمَـل
17
"فلنشكرِ الرحمنَ خيرَ مَن شُكِر."
"قولٌ سَـمـا، خيرًا حَوى، حقًا شَمل."
حشدًا رأى من بعد حَـشدٍ مُــقـتَــدِر
والجـمـعُ في حالٍ المَـجاميعِ اشتغَل.
18
جَــيـشٌ تَـعَـهّـدَ الـمَـبـانـي مــا فَــتَـر
وفرقـةٌ تَحمي الحِمى والسِّـلـمُ حَــلّ
وفـرقَـةٌ فـي الـبـرِّ تَـسـعـى تَـعتَـصِـر
أَزْكى الـرَّحيقِ كي يَقي النّاسَ العِلَـل.
19
ويَـخـزِنُ الـجَـنـى جُـنـودٌ تَـسـتَـعِــر
ويـرفَـعُ الــبُــنـيـانَ نَـحــلٌ مُـكـتَـمــل
وثُــلّــةٌ تُــعـنــى بِــشـأنِ مَـن حَــضَـر
أو غـابَ، مَـن قَضى ومَن حالًا وصـل.
20
جَــمـعٌ تَـلا جَـمـعًــا مِــدادٌ مُــستَـمِــر
كـالــنَّـهـر فـاضَ ثُـمَّ فَــاضَ وانـهَـمَـل
والــفَــردُ لـلأفـراد عَــونٌ يَــنــتَـصــر
يَـــدٌ تُــنـــادي أخـتَـهـــا لا تَـنــفَـصِـل.
######
الفصل الثالث
21
"فَـبَـاركَ المُـعـطُي نَـشاطَـكُـم وطَـاب
فـعيشُـكُـم جِــدٌّ سَـقـى جِـدًّا وجَـهـد
الـنُّـبـلُ صـارَ طَـبـعَـكُـم بِـلا ارتِـيــاب
مــا للـتّـفـانـي عـنـدكـم أطـرافُ حَـد.
22
"لا فـسقَ فيكم لا جدالَ لا اكـتِئـاب
لا يَـأسَ، لا تَــثـريـبَ، والـكُـلُّ اتَّـحَـد
للـجـودِ أنـتُـم مسلَـكٌ، سِـربٌ، وَبـاب
يــا لَـيــتَـكـم لِـكَــونِـنــا زرع يُـــمَـد!
23
"لٰـكــن بِــبـالــي عَـائِـقٌ بــلا جَـواب:
في روعِـكـم كـأنَّ قسمَ البيضِ لَحْد،
وعـن بَـصـيـرتـي نَـأى لُـغـزٌ وغَــاب:
ما حَـلّ فـيكم مِـن بَـلاءٍ فـاسـتـبدّ؟
24
"وما لجسمِ العجلِ هَـانَ ثـمٌَ ذاب؟
أجـبـْنَ كَي يَـكـونَ للظّـنـونِ سَــدّ!"
قالت وزيرة وفي الوجه اضطراب:
"حقٌّ علينا أن تَرى تفصيل ردّ .
25
غَـزَت ديـارَنــا دبـابـيـرُ الخـراب،
عاثَـت فسادًا في البـناءِ والوَلَـد
إلى البلاطِ أطلقوا سَـيلُ الحراب
قلبَ المليكةِ انتقَوْا إنجازَ عهد."
26
هنا بَكَت حتى خبا فيها الـنَّـفَس
وساد في الجمـهورِ حزنٌ وابْتئَس
فصاح في حرارةٍ رأسُ الحرَس:
"تبًّا لقومٍ انتشى فيه الهَوَس!"
27
هاج الـمَـليـكُ ثُـم حَــطّ، فانــتَـصـب،
في الصَّوتِ حدّةٌ وفي الوجهِ الغضب:
"لو كنتُ فيكم فرّ خوفًا ما اقترب!"
"بلى! ألم تحطِّمِ الجيشَ الّلجـب؟!
28
"تـمشـي تقودُ الحملةَ الـمُـؤزّرة
تعدو يمـينًـا ثمّ تنحـو الميسرة
تبـثّ منعَـةً كَـحــال القَـسورة
والجنـدُ في فكِّ المنايا مُنـذرَة!"
29
ففوجئ المليكُ ثم حـمـلقَـت
عينـاهُ، والأنــاةُ حقًّـا غُـيِّـبـت
ولكن الـحَـشـودُ فـعـلًا أكّدت
فعلَ الوغـى كما الشّهودُ أوردت.
30
"وبعد أن أفنى العِدا رأسُ الهرم،
هنا التقى أولو النُّهى ذوو الهمم،
وأجمعَ الأنخاب أنْ أنتَ الـعَـلَـم
أنت الأميرُ، منتهى فخرِ الأُمم!"
#####
الفصل الرابع
31
فباشرَ الحشودُ في الحفلِ السَّعيد،
ومُدّتِ الحصيرُ والفرشُ الجديد
والوسدُ صُفَّت والبساطُ ذا فريد
والـوردُ خَـلّابٌ مًُـعـطَّـرٌ مـديـد.
32
والمسكُُ فاحَ غازلَ العودَ الأصـيل.
في الكأسِ شهدٌ ثَمَّ صفوُ الزنجبيل
والتـاجُ لامـعٌ كـما النّـجـمُ الشَّـعـيل.
والشعبُ يسعى يَحمدُ الربَّ الجليل.
33
وحينها انصاعت رضًى نفسُ الأمير
لصوتِ شعبِها وما يقضي المصير،
في القلبِ راحةّ كذا يُملي الضمير
ما أطيبَ المخلوقَ إن طابَ المسير!
34
فأسـرع المـليكُ يَـبنـي ما نُسِف،
يُعلي خَـلايـا دُمِّـلَـت لم تنكشِف
يرِمُّ أسـوارّا بأيـدي الـمُحـتَـرف
قوامُـهـا الهدى وعـلمًـا تَغـتـرف.
35
وفـجـأةً أتى طنينٌ كالـشَّـهيق
إليه، خافِـتًـا، نأى، جـدًّا رقيـق
تحت الرُّكام يبتـغي عونَ الصديق
فمكّن الأقدامَ في الشّقِّ العميق،
36
وزاح تـلًّا هــائـلًا مِـن الحـطــام
فـبـان نَحلٌ كان يَجثو في سلام
تــلألأت كـــأنّــها درٌّ يُـــرام
وظـنَّ كُـلُّ نـاظر هٰـذا منام!
37
وسطَ الحشودِ شوهدت بدرُ البدور
فضجَّت الحضورُ من فرطِ السرور
فيا لرحمةٍ حَوَت من في الجحور
هنا الشّفاه رَنَّمَت: أنت الغفور!
38
تقدمتْ نـحـو الـمـليكِ بانفعال
مـليكةُ الـبـلادِ، ذروةُ الـجـمـال
التاجُ في يدٍ وفي الأخرى سؤال:
ألّا يخلِّي العرشَ عِزًّا في عُجال!
39
"أعطيتَنا الأمانَ والعيشَ القرير
كتابُـنا حباكَ ذكرًا من حرير،
نراك فيـنـا ما تَـوَدُّنا الُزهور،
وأنت فينا ما شَفَى الشهدُ الصُّدور."
40
فأمسَكَ الإكليلَ في صمتٍ خجول،
إذ كيف يعتلي عروشًا والأصول
تسـعى بـحَـيِّيها رَصَـانَةً تـجـول؟
لن يَقبلَ التَّغييرَ في الحكم النبيل؛
41
للضَّيف عُـرفٌ يرتئيه من نُظـر
وصاح في غَيْظٍ كبحرٍ إن هدر،
أو مثل ليث الغاب من حَنْقٍ زأر:
"والغـدرُ عارٌ لا يَعزُّ من غَدَرَ."
42
فارتاعَ جمعُ للصِّغار في الحِظار،
وحارَ في أمرِ الفتى جلُّ الكبار،
والامُّ نادت دهشةً: "كُفَّ الخوار!
تعالَ فورًا! ههنا صفوُ العصار."
43
فدارتِ العيونُ في الحقلِ المُحيط
فأدركـتْ مـا كـان من أمرٍ خـطيـر
فاستوقفتْها ما بدا شيءٌ بسيط
من تـحـتِها رأت سَـنا تـاجٍ مُنير.
انتهى
التعليقات على الموضوع