قراءة بقلم نافلة مرزوق العامر في قصيدة يا عازف النّاي... للشّاعر عبد الناصر عليوي

القائمة الرئيسية

الصفحات

لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما عبدالناصر عليوي العبيدي

  لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما قدْ باتَ حبّي واضحاً للنّاسِ وجميعهمْ عرفوا بأنّي هائمٌ والقلبُ من حرِّ البُعادِ يُقاسي فَضَحَتْ شجونُ الليلِ كلَّ مشاعري إذْ باتَ حبّكِ في صدى أنفاسي واستوطنتْ عيناكِ كلَّ قصائدي وملامحُ اسمِك أَفْعَمَت كُرَّاسي لا تسألي هذا السّؤالَ تريّثي أنا في الهوى قدْ قُلِّعَتْ أضْرَاسي كَمْ تسألينَ وتعرفينَ إجابتي لاتضربي الأخماسَ للأسداسِ ماكلُّ مَنْ طلبَ الإجابة جاهلاً بعضُ الجوابِ يكونُ في الإحساسِ عبدالناصر عليوي العبيدي

قراءة بقلم نافلة مرزوق العامر في قصيدة يا عازف النّاي... للشّاعر عبد الناصر عليوي

 

قراءة بقلم نافلة مرزوق العامر في قصيدة يا عازف النّاي... للشّاعر عبد الناصر عليوي

قراءة بقلم نافلة مرزوق العامر في قصيدة يا عازف النّاي... للشّاعر عبد الناصر عليوي 

المشهد الحالم
واقعي المعالم
تداخل الرّومانسيّة والواقعيّة
في تكامل إبداعي محدث
قراءة بقلم
نافلة مرزوق العامر
في قصيدة
يا عازف النّاي
للشّاعر القدير عبد الناصر عليوي
Abdal Nasser Aliwi
الشّعر محدث فيه تجديد
شعر معاصر جعل القصيد بوتقة بيانيُة انصهرت فيها وخزة الواقع الجسدي بلمسة الخيال الشّعري لينجز الشّاعر المكلوم قلبه إبداعا حرفيّا بهيّا باهرا.إذا فالقصيد هنا واقعي جدوله شاعري رومانسي إيقاعه وتحليقه.
الموضوع العام هو نهي عازف النّاي عن العزف أمّا الأسلوب فهو عزوف الشّاعر عن تقبّل مشاعر البهجة وانشغاله الجدّي في مشاعر الحنين والبكاء على الأطلال وذلك في طرح أدبي سياسي لمأساة أمّتنا المتقهقرة تحت عجلات القدر القاسي . وأما الرّسالة فهي حكمةً تقول بأنّ الجرح والألم لا يشعر به سوى حامله . واقعيّة شاعرنا تتجسّد في مصداقيّة المشهد الحاضر verisimilitude وفي نقل معالمه برومانسيّة تجسٌدت في تصوير حالم عاطفي emotional مستقى من ذات المشهد.
نعم إنَه قدر الشّاعر العروبي في هذا القرن فالمصطبة
صفيح ملتهب من الخيبات والعذاب والجو لمسة حرف شاعريّة حدّ الثّمالة.
سنرى عند قراءة الإبيات كيف يسكب شاعرنا الماهر لافا البؤس القفر والخراب في حرف مرهف وصورة مؤثّرة فيها من الخيال والإنفعالات العاطفيّة ما يبرّر فرار الشّاعر من الواقع الأسود والآمال المحطّمة إلى قصيد يرسم الأسى بلحن شافي للرَوح مستفزّ للدّموع تماما كأغنية حزينة تخفٌف بنغماتها عن الحسّ والقلب وطأة وخشونة الخارج وقساوته أوليس الشعر منفسا ومتنفٌسا لأوجاع الشّاعر catharsis!! يعكس مشاعره الجيّاشة وغليانه الدّاخلي وتحرّره من ثقل إرهاصاته ولا ابالغ ان قلت بان منفعة الشّعر مارديّة إذ في التّنفيس انعتاق الشّاعر من آلام وأحاسيس مضنية بل وانفتاح على طبقة وعي ذاتي وفكر ملهم للقارئ .
إذا فالمعادلة التي تقولبت فيها القصيدة مكوّنةمن ثلاث كلمات ألم حلم وعلم أي ألم الحاضر المصبوب في حلم الكلمة والصّورة ومنهما يتفجّر المشهد في عقل وحس القارئ أفق وعي ومعرفة فالتغيير. جميل هذا التّداخل بين الواقع والخيال فهو المشهد الشّائع في أنحاء الوطن
قفر وفقر في أجواء الكآبة والشّحوب ولا زال هناك عازف مشغول وناي يزفر العتمة لحنا من نور.جميل لأن الأدب يتأثّر ويؤثّر فلولا شعراء الرّومانسيّة لما تنامى للعقول زخم الثُورة الفرتدنسيّة ولا تحمّست القلوب لشعلة معانيها بل كيف ننسى قول الشّاعر التونسيّ الكبير الشّابي:
إذا الشّعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
لا كفر لا شطط بل تنحصر الإرادة هنا في خانة التّمني والجرأة على الإقدام نحو نبذ الواقع الموجود بعزيمة ومثابرة.
وشاعرنا هنا ماض على دروب هذه الثلّة من الشّعراء ينفث حروفه ويحذّر من الخطر.
شاعرنا المهموم يخاطب عازف النّاي والنّاي هو آلة موسيقيّة استحسن الشعراء الرّومانسيبن استخدامها بل وقصدوه وأكثروا منه كونه يرمز للزّفير والتّنفيس ومن جهة أخرى لارتباطها بالرّيح رمز الحركة والتّغيير وربّما لاشتراط فعلها بوجود الرّيح أو الهواء فلا لحن دون هواء ولا تغيير دون ريح والرّيح مجازيّة ها هنا وتعود على الإرادة والعزيمة. يخاطب النّاي شاعرنا في البيت الأوّل ويعاتبه وينبّهه من أن العزف لن يفيد بل سيزيد من وجع القلوب ويا لهول الإستعارة فشاعرنا يشبّه القلوب بالمقبرة والقلب هو مركز الحياة ومحرّكها فكيف من الحياة يصنع موتا!! كيف يفقد النغم قدرته على الإبهاج والإسرار فهو يقول:
1-ياعازفَ النايِ الحزينِ ألا ترى
أنَّ القلوبَ كأنهنّ قبورُ
2-لا العزفُ يفتحُ للأماني مَسْلكاً
أو تَعْرِفُ الافراحُ كيف تثورُ
لأنّ الخراب قد أفرغ من الحيّ والحارة الفرح ،والمشهد من ظلام بل ظلام دامس كثيف(ديجور)
3-فالحيُّ أضحى كالخرابةِ خاويا
وتسوده الظلماءُ والديجورُ
كيف لا وقد هبط البين وفرّق الصحبة حتى أن البنفسج قد ذبل والزّهر شكا الحال.
4-قد أُبعدَ الخلانَ في رأد الضّحى
فذوى البنفسجُ واشتكى المنثورُ
كما نرى في البيت أعلاه فقد وصف شاعرنا مشهدا واقعيّا عاديّا في التّباعد بين الخلّان لكن شاعرنا برومانسيّته المفرطة وحرفه الحالم أنطق الورد وأطلق لسان المنثور هي مبالغة في الوصف هي العاطفة الطّاغية وصف وسرد يشبك الحلم بالواقع.يستطرد شاعرنا في وصف تفرّق الجماعة ويتطرّق إلى شظف العيش وعوامل القهر المؤدّية للهجرة فالحاكم لئيم والفقر أشدّ لؤما وأما النّاي فهو الأسير بمعنى أن الإرادة أسيرة يا له من واقع مقفل عن التّقدم مردوع.
5-حملوا حوائجَهم وبعضَ نفيسِهم
قد غادروا عنها وانت أسيرُ
6-فالفقرُ يحْكمُ في المعاصمِ قيدهُ
لا عاشَ في زمنِ اللئامِ فقيرُ
بلاغة في الوصف وتميّز في التّصوير كيف لا والفقر صار حاكما يخنق بقيده معاصم البشر..صورة تتجانس مع ظلمة الجو وسواد الأحاسيس السائدين في القصيد.
يصل شاعرنا للبيت السابع ويصدمنا مرة أخرى في تقرير يخلط الواقع بالخيال ويودي بحدودهما إلى فيافي الضّباب نعم ضبابيّة ساطعة في هذا البيت فالبطلة هرّة والنّبرة تهكّميّة ساخرة كيف لا يصل شاعرنا الى هذا الأبسوردabsurd والواقع بأن لا حياة في الحيّ الا لهرّة مسكينة وحيدة تستأنس بالعازف وعليه أن يستأنس بها؟
نعم مشهد موجع والجواب هو الخيبة نعم الخيبة من واقع تكسّرت على شواطئه أجنحة البقاء والعيش اللّائق فهربت الحياة وتشرّد الشّعب وبقيت في المشاهد المخلّفة هرّة وحيدة .هذا المشهد ليس سينمائيّا ولا جزءا من رواية خياليّة بل هو حقيقي وصادق لكن من شدة قسوته نظنّه من بنات أفكار الشّاعر فيلتبس الأمر علينا ونضيع مرتين مرة من قسوته ومرة من صعوبة التمييز بين الواقع والخيال.مرة أخرى أكرُر بأنّه قد شاع في القصيد مظهران الأول تداخلال المشهد الواقعي بالحرف الشّاعري والثّاني الوصف الواقعي للمشهد السّريالي ولكنه سريالي في إعتقادنا وحقيقي في وجوده بمعنى أنّ العقل لا يصدّق أحيانا الحقائق الموجودة أمامه من يصدّق مثلا أنّ مواطني قرية بأكملها قد هجّروا إلى بلاد مجاورة؟؟.لله درّه شاعرنا أذ بلجوءه للحرف الحالم المحلّق نقل صورة هي في واقعها سرياليّة ينكرها العقل ويرفض تبنَيها وفي ذلك تجديد وتحديث في الأسلوب الشّعري فالتقريرية اندمجت بالخيالية وجاء القصيد ومضة من حكمة سامية ورسالة راقية للأجيال.
7-لاصحْبة في الحيّ إلا هرّة
فاستأنستْ وأتتْ إليك تزورُ
ويسترسل شاعرنا واصفا قتامة الواقع في انعدام معالم الحيويّة وضياع الفرد في طرقات الحياة الملغومة وذلك حتى البيت الحادي عشر:
8-لا الجارةُ الحسناءُ تفتحُ شرفةً
أو لاحَ من خلفِ الستور بدورُ
9-كلُّ العصافيرِ الصغيرةِ هاجرتْ
واستوطنتْ اعشاشَهنَّ صقورُ
10-والعاشقُ الولهانُ أصبحَ هائماً
في أصعبِ الطرقاتِ باتَ يسير
ثم تاتينا ذروة الدراما في حكمة ماسيّة تبلورت في سبك بليغ فصيح فيقول:
11-من لم يعش بالجرحِ لا يشعرْ به
فالخطبُ صعبٌ والمصابُ كبيرُ
فخامة في المعنى وبساطة في التّعبير لا عجب فطريق الحقيقة قصير مستقيم وقد جاء السّهل الممتنع هنا موفُقا الى أبعد الحدود وهنا تربّعت القصيدة على عرش الجمال المعنوي واللّغوي فجمال القول ينبع من صدقه وعمقه والصّدق بائن في حقيقة القول بأن الوجع لا يشعر به سوى صاحبه والعمق واضح لأن الجرح قد يُنسى ألمه برهة لكنه لا يشفى وقد لا يزول من نغمات النّاي لهذا يعود ويقول الشّاعر:
12-أصبحْتُ من هولِ الفجيعةِ عاجزاً
قد خانني التبيانُ والتعبير
نعم فمهما تقوّلنا وأشعرنا وتغنّينا يبقى هول الفجيعة أقوى ويبطش بقدراتنا حتى نعجز عن التّعبير عن مشاعرنا حياله ورغم ذلك فشاعرنا قد أدلى بدلوه وأجاد بقوله وسحر في بيانه وفي هذا المعنى يحضرني الآن قول جلال الدّين الرّومي:
"لا تجزع من جرحك
وإلا فكيف للنّور أن يتسلل إلى باطنك"
نعم فرغم معاتبة الشّاعر لعازف الناي واستصغاره لقدرة تأثيره
فقد عزف هو نفسه على وتر القصيد ونفخ في ناي الكلام أجمل قصيد ليبقى الشّعر مصدر إلهام وأفق وعي وشفاء أرواح من جراح الحياة

نافلة مرزوق العامر Stella Ra Nch

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان