شعلات بروميثيوس في مساقات القصيد قراءة في قصيدة الشّاعر النحرير طالب الفريجي ..بقلم نافلة مرزوق العامر

 

شعلات بروميثيوس في مساقات القصيد قراءة في قصيدة الشّاعر  النحرير طالب الفريجي ..بقلم نافلة مرزوق العامر

شعلات بروميثيوس في مساقات القصيد قراءة في قصيدة الشّاعر  النحرير طالب الفريجي ..بقلم نافلة مرزوق العامر

شعلات بروميثيوس
في مساقات القصيد
قراءة
في قصيدة الشّاعر النحرير
طالب الفريجي
***شرارُ قصائدي***
بقلم
نافلة مرزوق العامر
"I gave them hope, and so turned away their eyes from death"
Aeschylus
"لقد وهبتهم الأمل كي لا يلتفتوا إلى الموت"
إيسخيليوس في مسرحيّة "بروميثيوس المقيّد"
هو الموت الرّوحي ما جنّبه بروميثيوس للبشر موت التّجدّد والخنوع لسلطة القدر القاسي. وهو موت الحماسة والتَقدم في روح القارئ ما قصد أن يجنّبه له شاعرنا كما سنرى من خلال أبياته الفصيحة وكما قال صلاح عبد الصّبور الكبير"لا يخشى الموت سوى الموتى"
هاتِ نارا فأوجدك حياة،
وهل دون النّار حياة؟
أولم تعتبر عنصرا من العناصر الأربعة التي بهم يكون الوجود وهم: النّار الهواء الماء والتّراب.
وما كان بروميثيوسًPrometheus وهو إله النّار أو سارق النّار في الأساطير الإغريقية آثما أو مخطئا في فعلته.نعم لقد علم ببصيرة المفكَر هذا الثّائر على الآلهة قيمة النّار للإنسان وتضامن معه فتحدّى آلهته وسرق النّار من زيوس كبيرهم وأهداها للبشر.هديّة لا تقدّر بثمن فالنّار رمز الثّورة التّجدد المعرفة والبعث لا بل هي طاقة هائلة قادرة على التّغيير والخلق فهل يطهى طعام دونها وهل تنار دروب دونها وهل يدفأ جسم وقلب دونها؟
وأما نار الفريجي أو شرار شاعرنا فهي هالة حرف ناريّ يقولب فكرا ويحدّد مساقاته بل يقرّرها ويوجدها ،نعم حرف يخلق حياة فكريّة منشودة راقية من روح شاعر متمرّدةبروميثيّة الجوهر إن أعدمت هذه الحياة.
يقول شاعرنا مفتخرا ومتحمّسا شأنه شأن شعراء الحماسة الغرر:
أخشى عليكمْ مِن شَرارِ قصائدي
ولهيبِ مُحبرتي وَوَهجِ يراعي
هو يخشى فهو محبّ في أرقى درجات المحبّة وهي الإهتمام لإنه وباهتمام يصرّح بخشيته على القارئ من شرار قصائده (كذلك خشي بروميثيوس النّبيل على مصير البشر دون النّار ).غنيّ عن التّعريف أنّ الشّرار يرمز لتأجّج الحرف وفكره فخشيته تنبع من أمرين الأول أدبي وهو أن يدهش القارئ ويعجز عن الإستيعاب وحتى عن التّقليد في نهاية الأمر شاعرنا يحتفي بقدراته الإبداعيّة ويفخر بها والأمر الثُاني وهو على ما أعتقد فكري إجتماعي فشاعرنا يخشى على القارئ من التّأثر بفكره السُياسي الثّائر فيتبنّاه و"يتورّط " في قضايا سياسيّة تورده سجون البطش وظلمة التّحقيقات وعذابها وهو ظاهرة شائعة على خارطة أوطاننا العربيّة الدّائخة من دخان الدّكتاتوريّة السائد الخانق. شاعرنا يخشي من "طرطشة"محبرته الفكريّة التي قد تصبغ أرواح النّاس بفكر هائج هم أضعف من حمل تبعاته على أرض الواقع.
يتابع شاعرنا المفكّر ويقول:
ما أنْ أواري النارَ تحتَ تصبّري
فتشبُّ كالبركانِ في الأضلاعِ
يا لجبروت هذه الرّوح يا لبلاغة التّعبير وفخامة التّصوير!الصٍورة حسّيّة مجرّدة مثقلة بالأحاسيس والأوجاع فالصّبر سمة العقلاء يستبطن النّار بكل خطورتها وأذيّتها حتى لو شبّت بركانا في الجوف.نعم شاعرنا يلوذ بالمجاز ليصف تهيّأه لحمل نتائج مواقفه الوجوديّة إلى أن تنضج في داخله بركانا من غضب ولهيبا من عواطف فكر سياسي بل فلسفة ناضجة يحرق فيه ما بلى من مظاهر وحالات حياتيّة تنعدم فيها كرامة الوجود.نعم فهو كما يقول:
فأنا الّذي جَمعَ الهمومَ وصاغها
عُقداً منَ الآهاتِ والأوجاعِ
وأنا الّذي خاض البحارَ بقاربٍ
متهشّمٍ يجري بدونِ شراعِ
هو بروميثيوس المتحدّي للمراسيم الآلهيّة محدث الثّورة حتى لو كلّفه الأمر عقابا منه تقييد على صخرة حتى تأكل الطّيور كبده ويتهشّم صدره من الأوجاع.
وشاعرنا في سعي ومعاندة للرّيح رغم المصاعب وضراوة البحر رمز المآسي والكوارث لكن هيهات فآهات الشّاعر غدت عقدا رمز العناد والعزيمة وهي جناس لفظي للعِقد والعقد رمز جمالي مما يدل على احتقار الشّاعر للأوجاع التّي صاغها في حرفه عقدا من لؤلؤي اللّفظ عسجديّ الكلام بهيّ التّعبير وما هو الوجع الزّائل أمام مجد باق!.
يكرّر شاعرنا كلمة "أنا"وهو شاعر الإلتزام المستلهم كلامه من مناهل القريض الحماسيّ وإرث المتنبٍّي وعنترة .هو شاعر الحرف المتردّم في هيكل الشعر المحدث شعر القرن الواحد والعشرين المتأبّط هموم الأمة الضّائعة اللهم إلّا في شرار الشُعراء ورماد التّاريخ الماجد.نعم رماد فشاعرنا يستطرد ويقول:
فإذا أتتهُ الريحُ مالَ بميلِها
نَسيَ الضِفافَ وتاهِ في الأصقاعِ
وغدا يتيماً كالعراقِ وما لهُ
كهفٌ يقيهِ بصارمٍ وذراعِ
رغم السّواد العائم على المعنى الظَاهر ورغم اليتم المقدّر للوطن دون “صارم” وهو رمز القلم أو الحرف القاطع فقد انتابني شعور بالتّفاؤل من
البيتين الأخيرين فالرّسالة تخبّر بنفوذ القلم وحرف الشّاعر وتأثيرهم في العقول والنًفوس.
إذا فهي "ريح" و"شراع" و"عراق"
أو حرف فكر ملهم ومحبرة سائلة وثورة وطن.
نعم شاعرنا ثائر حتى النّخاع تذر ريح حرفه رماد السؤدد المخنوق ومن يقرأه يلمس عشقه وجنونه بالعراق وغيظه واشمئزازه من مجريات الأمور فيه بل في وطننا العربي عامّة.شاعرنا يراقب التّفاصيل الصّغيرة والكبيرة في وطنه بعين حانية و يكتب بمسؤوليٍة فكريّة عميقة ويحرّض بمشاعر ناريّة على نبذ الرّضوخ للمستبدّ ويأنف صفوف الحياد فيعود إلى عبقر ويبعث في القصيد شرار المعرفة والتغيير ويوقذ جذوة النّار والنّور في حرم فروسيّة الشّعر وهو أضعف الإيمان.هو "كهف" في مساق القصيد تضيئه شعلة الرَوح وشرارة الحرف البروميثيّ

بقلم نافلة مرزوق العامر

ليست هناك تعليقات