سحر البيان في الشعر..رجاء أحمد وقصيدة اليوم عودة الحزن للشاعر بلال الحمود

 

سحر البيان في الشعر..رجاء أحمد وقصيدة اليوم عودة الحزن للشاعر بلال الحمود

سحر البيان في الشعر..رجاء أحمد وقصيدة اليوم عودة الحزن للشاعر بلال الحمود

بسم الله الرحمن الرحيم...
إن من البيان لسحرا... وأكرم بذلك البيان الذي حفِل به الذّكر الحكيم...
اللغة العربية وعااااء ذاك السحر...
وسأحاول في هذه الزاوية أن أقطف لكم من بستانها أنضر الأزاهير ، وأصطاد لكم من بحورها أنقى اللالئ ، وأنثر الدّر ، لأعيش معها لحظات من العشق والتضافر ، أقرأ ما بين السطور ، وأنقل تفاعلي ومشاعري بأسلوب سهل الفهم...بعيد عن التعقيد...
وأسأل الله أن يكون هذا الجهد المتواضع فيما أنتقيه وأعرضه وأحلله ، زاداً يُغذي الفكر ، ويغني الروح ، وينقل لكم بعض الوهج من أنوار اللغة العربية...
اخترت لكم ( وبناءً على طلبه) قصيدة الشاعر الصديق بلال الحمود :
(( عودة الحزن))
((( يعقوب)))
كنعان تُبدي من جديدٍ حقدَها
لِتَخُطَّ في هذا الزمان كتابا
ألقت دمشقَ كيوسف في بئرِهِ
و رمت على ذكرى السلامِ حجابا
نيرون يقصف والمدافع شُرِّعَت
فوق التُراب فكم تنال رقابا
والأخوة العشرون سيفٌ خائرٌ
يتقهقرون على المدى أذنابا
ودمشقُ في الجبّ الحزين لوحدها
ترجو لمن قطع الودادَ صوابا
تسعٌ مضين ولم نزل في حَيرَةٍ
من أمرنا كم أغلقوا أبوابا
قالوا بأنّا إخوةٌ ويضُمّنا
دينٌ وكانوا بالظهور حِرابا
وهناك يعقوب الحزين مُسائلٌ
عن يوسف فيرى الدماء جوابا
يبكي بأنّاتِ الفؤاد ونبضِهِ
يدعو إلهاً. خالقاً. وهّابا
وعلى طريق الجُبّ قافلةٌ أتتْ
تبغى من الجبّ القديم شرابا
أدلت بدلوٍ كي تنالَ مُرادها
فإذا بنور الحقِّ يفتحُ بابا
عادوا إليهم إنّ عبداً آبقاً
رُدُّوهُ إنَّا نبتغيه رِكابا
يا رحمةَ المولى أفيضي حولَه
سوراً أ لم يكفِ الفؤاد عذابا
فإذا براعي القومِ يعرضُ نفسه
للموتِ يطلب من يُريد نِصابا
باعوهُ بَخساً فاشتراهُ بروحِهِ
ذاك الذي نال الغرام سحابا
ما قيّدوه ولا استداروا حوله
بل أودعوه الروحَ والأهدابا
ومضى إلى حيثُ الجِمالُ تُقلُّهُ
لِيُرى عظيماً حيثُ حلّ أطابا
فإذا عزيزُ القوم يُأسَرُ قلبُهُ
لمّا رآهُ فللفؤادِ أصابا
وشراهُ ضِعفَ السعر حين تدافعوا
يبغون من هذا الرحيقِ شرابا
يا يوسفُ الصديقُ طِبتَ منازلاً
وبك الهوى لقُلوبنا كم طابا
في ذلك القصر المُنيف ثعالبٌ
باسم الديانة كم لبثنَ نقابا
وقلوبهم مثل الذئاب على الورى
بظلام ليلٍ يقتلون شبابا
ماهمّهم غير البطون فما نرى
إلا طعاما عندهم وشرابا
والشعب مسكينٌ تضوّرَ جائعاً
فالقوتُ أصبح بالفساد يَبابا
ومكائدٌ في القصر حيكت ضدّه
من قوله للحقِ صِرن هضابا
نظرت زُليخا كيف تُوقِعُ يوسفاً
ومضت تُهيِّيءُ دونهُ الأسبابا
و دعتهُ في ليلٍ لتقضي نحبها
لكن بتقوى الله نال حجابا
فرموه في سجنٍ برغم براءةٍ
فإذا بقلبٍ للإله أنابا
وعدت عليه من السنون عجافها
لم تُثنِ عزماً. كم روتهُ عذابا
في الحلم سبعٌ يُلتَهَمنَ بسبعةٍ
من بعدها فرجٌ يكون مُذابا
وإلى الخزائن جاء إخوةُ يوسف
يبغون من هذا الطعام نِصابا
لم يعرفوه فإن يوسفَ لم يعُد
طفلاً يتيماً يرتجى إطنابا
يا قومُ إن عُدتم بغير اخيكمُ
لا تطلبوا خيراً سأُغلِقُ بابا
عادوا إلى يعقوبَ قال أجئتُمُ
تبغون من باقي البيوت خرابا
آتَوهُ مَوثِقَهُم بأنّا كُلُّنا
نفديهِ يا أبتي ننالُ حسابا
فإذا بهم قد فرّطوا في حقّهِ
فازدادَ يعقوبُ الحزينُ عذابا
صبراً جميلاً كي تنالَ مراتباً
فالصبرُ يفتحُ دونك الأبوابا
يبكي العزيزُ بأدمُعٍ فيّاضةٍ
لمّا أرَوهُ من الحزينِ كِتابا
هانت عليكم دمع شيخٍ مُرهَقٍ
وَلَكَم ظلمتُم بالورى أنسابا
هذا أخي وأنا به مُتَفاخِرٌ
توبوا لِيُجزِلَ بالعطاء ثوابا
ربّاهُ إنّا في الجحيم ف كُن لنا
عوناً أتينا نلزَمُ الأعتابا .
🌺🌺🌺
التعريف بصاحب النص :
بلال الحمود مواطن سوريّ ، من محافظة إدلب ، مدينة معرّة النّعمان ، قرية معر شورين . ولد عام ١٩٧٢ م. ، درس الابتدائية والمتوسطة في القرية ، ولم يحالفه الحظ بامتلاك الشهادة الثانوية .. تنقّل بالعمل بين الألبسة تجارةً وخياطةً .. ينتمي إلى عائلة متدينة ؛ والده وجدّه وجدّ والده كانوا أئمة مساجد في القرية ..
من المكتبة التي كانت ميراث أجداده اكتسب ثقافة دينية ولغوية كبيرة ، وألزم نفسه بالقراءة المستمرة طيلة عشرين سنة متواصلة ..
بدأ بالكتابة وهو في سن السادسةَ عشرةَ ، وكانت بداياته كتابة خواطر ، انتقل بعدها للشعر الموزون تدريجيًّا ، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في الشعر الرصين .
مناسبة القصيدة :
يقول الشاعر بلال : في ظلّ ما نعانيه اليوم من ظلم واضطهاد وشظف العيش ، أحببت أن أقدم هذه الكلمات تعبيرًا عن المعاناة .. ويستحضرني حزن سيدنا يعقوب ، وكأنّ ما جرى بقصة يوسف متشابهًا جدّا بواقعنا الحالي وهذا ما دفعني لتصوير اليوم بالأمس ..
🌺🌺
شخصية الشاعر من خلال القصيدة :
هو شاعر متمكّن جيدًا من علوم اللغة العربية نحوًا وصرفًا وبلاغة ، ويبدو اهتمامه أيضًا بقواعد الإملاء وبخاصة همزات الوصل والقطع التي يغفل عن التفريق بينها الكثيرون ..
وتتميّز قصيدته بوفرة المترادفات اللغوية وسهولة الاختيار بما يناسب التفعيلات الخاصة بالبحر الكامل الذي اعتمده بسهولة ودون تكلّف ..
ويكمن جمال القصيدة في حبّ سيّدنا يوسف ، وشرح قصصه في ترابط وتناغم الأبيات مع تسلسل الأحداث من بدايتها إلى آخرها بصنعة ماهرة دون تكلّف ، الأمر الذي يوضّح تأثّره بالقرآن الكريم واقتباسه منه( على سبيل المثال) استخدام لفظ الحزين للدّلالة على سيدنا يعقوب عليه السلام ، ويكمن جمال القصيدة أيضًا في جمال الإسقاط على الأحداث التي تمرّ بها بلاد الشام من خلال شرح قصص سيدنا يوسف عليه السلام بما يوحي بأن الفرج آت بعد الشّدّة والسنين العجاف .
بلاغيًا :
يتنوّع أسلوب القصيدة بين الأساليب الخبرية والإنشائية .. فالأسلوب الخبري يتضح أكثر في سياقها ، إضافة إلى تنوّع الصور البلاغية والتي استخدمها الشاعر بأدوات فنية رائعة ما بين التشبيه والاستعارة والكناية ، فبدت كأنها لوحة فنية متكاملة في عناصرها الحركية والصوتية والسمعية ..
وعلى سبيل المثال لا الحصر : ألقت دمشق كيوسف في بئره : تشبيه غرضه التجسيم .. قلوبهم مثل الذئاب تشبيه وكناية عن الغدر والخيانة .. تبغي من الحبّ القديم شرابا : تشبيه الحبّ بالساقي استعارة تصريحية ، الغرض منها تأكيد المعنى وتوضيحه ..
تتسق تلك اللوحة الفنية مع النسق القرآني ، وتوظيف مفرداته الفنية توظيفًا معاصرًا ؛ فاستُخدمت كلمة دمشق وما تعرّضت إليه من نكبات من بعض من قاموا بخيانتها : بيوسف عليه السلام من إخوته عندما ألقوه في البئر ، ويظهر ذلك في صورة جلية باستخدام مفردة ( نيرون ، وكنعان ) وقد ألقوا بها في الهاوية كما ألقى إخوة يوسف أخاهم في البئر تخلّصًا منه ، ثم ما كان من اتهام امرأة العزيز له وبراءته مما نُسب إليه زورًا وبهتانًا .. وبعد أن فسّر للعزيز رؤياه ، عاد أميرًا على خزائن ملكه بعد أن مرت بمصر سبع عجاف ..
ويغلب على القصيدة في معظم في أبياتها كما ذكرت النسق القرآني في( باعوه بثمن بخس ، على طريق الجبّ قافلة ، والشعب المسكين تضوّر جوعًا ، دعته في ليل ، في الحلم سبعًا ، يا قوم إن عدتم بغير أخيكم ، آتاه موثقهم ..
استلهم الشاعر من الأساطير الرومانية قصة نيرون رمز الظلم الذي حرق روما ، وبنى قصره الجديد على حطام تلك المدينة ، ولكنه في نهاية الأمر هو الذي هلك ، وبقيت روما المدينة الفاضلة . وهذا ما أراد الشاعر أن يشير إليه بأن دمشق ستبقى المدينة الفاضلة مهما تعرضت إليه من نكبات ..
كما استدعى الشاعر قصة كنعان بن نوح من الحضارات القديمة في سورية التي قامت قبل الحضارة الرومانية . ومما يؤكّد تمكّن الشاعر من استخدام أدواته الفنية استدعاؤه لتلك الشخصيات التاريخية والدينية ، وتوظيفها توظيفًا فنيًا دقيقًا في ثنايا مفردات القصيدة وألفاظها بما يتناسب مع عرض السياق الفني والموضوعي والتصويري لموضوع القصيدة ..
عاطفة الشاعر :
تبدو عاطفة الشاعر جلية من عنوان القصيدة ( عودة الحزن ) و يبدو أنه استمرّ ولم يتحوّل إلى فرح وسعادة كما كان النسق القرآني في قصة يوسف ..
العروض :
نلاحظ تمكّن الشاعر من علم العروض حيث انه أجاد وأحسن بناء القصيدة على البحر الكامل التام ببراعة وفَهم واعٍ للوزن والزحافات والعلل اللازمة والصحيحة في القصيدة ..
اخيراً أرى أن القصيدة تعبّر عن واقع معاصر تتعرّض له كثير من بلداننا العربية من مآسٍ وقد استخدم الشاعر من الألفاظ والصور البلاغية ما يعبّر عن ذلك الواقع مع رصانة الأسلوب ودقة المعاني وجمال التصوير الفني دقةً فنية تملّك الشاعر أدواتها فرسم لنا هذه اللوحة الجميلة ..
عزف على أوتار القلوب ، جمال في اللغة ، سحر في التعبير ، نبل في المشاعر ، وإنسانية راقية ..
أذكّر بأنّ وزن القصيدة كان صحيحًا فقد قطّعت الأبيات كاملة ولم أعثر على أي خلل عروضي ..
(( عودة الحزن )) (( يعقوب ))
كنعان تُبدي من جديدٍ حقدَها
/ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه//ه
لِتَخُطَّ في هذا الزمان كتابا
///ه//ه /ه/ه//ه ///ه/ه
ألقت دمشقَ كيوسفٍ في بئرِهِ
/ه/ه//ه ///ه//ه /ه/ه//ه
متـْفاعلن متـَفاعلن متـْفاعلن
و رمت على ذكرى السلامِ حجابا
///ه//ه /ه/ه//ه ///ه/ه
متـَفاعلن متـْفاعلن متَفاعلْ
أعزائي أزاهير روضتنا الجميلة أشكر حضوركم الوارف وصبركم على قراءة الدراسة فقد طال الحديث .. تحيّاتي

رجاء احمد


ليست هناك تعليقات