صورة من العشق العذري الشاعر المجنون قيس بن الملوح

صورة من العشق العذري الشاعر المجنون  قيس بن الملوح


صورة من العشق العذري الشاعر المجنون  قيس بن الملوح

صورة من العشق العذري
الشاعر المجنون

ومن العشق ما قتل
لعل قصة مجنون ليلى اكثر قصص الحب العذري رواجا في الأوساط الادبية والشعبية ، فلا تكاد ترى احدا لا يعرفها او يعرف طٓرفا وطُرفا عنها ،
هل يصل العشق بصاحبه للجنون ويورده موارد الهلاك ؟
ألهذا الحد للعشق سلطان وقيد لا فكاك منه ؟
تعالوا نرافق المجنون من المهد إلى اللحد
فقد رافقه العشق من المهد إلى اللحد .
هو احد القيسين ولكنه اشهرهما
قيس بن الملوح ، صاحبنا هنا
وقيس بن ذريح ، كان صاحبنا في وقفة اخرى
حبيبته / ليلى العامرية ،
ابنة عمه بإجماع معظم التراجم ،
نشآ معا ، وتربيا معا ورعيا الغنم معا
ومن هنا رضعا لبان الحب قطرة قطرة ، إلى أن سرى عشقا كالحمى في كل ذرة من كيانهما ،
تعلقت ليلى وهي ذات تمائم
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وقالت ليلى تحكي قصة عشقهما :
كلانا مظهر للناس بغضا
وكل عند صاحبه مكين
وقالت :
باح مجنون عامر بهواه
وكتمت الهوى فمت بوجدي
وقالت :
اخبرت أنك من أجلي جننت وقد
فارقت اهلك لم تعقل ولم تفق
وقالت :
نفسي فداؤك لو نفسي ملكتُ إذا
ما كان غيرك يُجزيها ويرضيها
في احضان جبل/ التوباد وُلد حبهما ،
وعلى سفوحه نما وترعرع ،
وأجهشت للتوباد حين رأيته
وكبر للرحمن حين رآني
فقلت له أين الذين عهدتهم
حواليك في خصب وطيب زمان
وكان جبل / النوباد حاضرا في مسرحية شوقي الرائعة / مجنون ليلى ،
انصف فيها التوباد الذي شهد ذلك العشق ،
ولو تكلم لبكاه :
جبل التوباد حياك الحيا
وسقى الله صبانا ورعا
فيك ناغينا الهوى في مهده
ورضعناه وكنت المرضعا
وعلى سفحك عشنا زمنا
ورعينا غنم الأهل معا
ما لأحجارك صما كلما
هاج بي الشوق أبت أن تسمعا
قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعا
كبرت ليلى ونضجت أنوثتها ، ولم يعد يليق بأن تبقى وقيسا كعهدهما صغارا فحُجبت عنه ،
لم يستطع قيس كبت غرامه بليلى ،
فانفجر بركان صدره شعرا ،
وذاع صيت حبهما وتناقلته الرواة
امر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
وكانت تلك الخطيئة التي لا تغفرها الأعراف ،
التشبيت بالحبيبة ،
حتى وإن كانت ابنة عمه ،
ورفض والدها تزويجها له ،
وزوجها من رجل من ثقيف يدعى / ورد بن محمد العقيلي .
هذا هو العرف والقانون
ومن هنا كانت مأساته ،
هام على وجهه في البراري والقفار
يأنس بالوحوش ،
ينشد الشعر ويبكي حبه ويرثي نفسه ،
فهو الحي الميت ،
ألست وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبت عن ليلى تتوب
فها أنا تائب عن حب ليلى
فما لك كلما ذُكِرت تذوب
قادته قدماه يوما إلى حيث مضارب زوج ليلى وكان جالسا في يوم شات مع كبار قومه وقد اوقدوا نارا ،
وقف عليه وقال :
بربك هل ضممت إليك ليلى
قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك قرون ليلى
رفيف الاقحوانة في نداها
فقال زوجها :
أما إذ حلفتني فنعم
فقبض قيس بكلتا يديه على الجمر ولم يتركها حتى سقط مغشيا عليه ،
ومن اشهر قصائده / المؤنسة ،
وسميت بذلك لأنه كان يأنس بها وكثيرا ما يرددها :
ومطلعها :
تذكرت ليلى والسنين الخواليا
وأيام لا نخشى على الحب ناهيا
خليلٓي لا تستنكرا دائم البكا
فليس كثيرا أن اديم بكائيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله
بليلى فلهاني وما كنت لاهيا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
وختمها بقوله :
خليلي إن ضنوا بليلى فقربا
لي النعش والأكفان واستغفرا ليا
لم تفلح المحاولات لصرفه عن عشق ليلى والتسليم بالأمر الواقع ، فكادت نفسه تذهب حسرات ،
اخذه والده إلى الحج ليدعو الله أن يشفيه من حب ليلى ،
فتعلق بأستار الكعبة وقال :
اللهم زدني بليلى حبا ، وبها كلفا
ولا تنسني ذكرها أبدا ،
وانشد يقول :
ذكرتك والحجيج لهم ضجيج
بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت ونحن في بلد حرام
به والله اخلصت القلوب
أتوب إليك يا رحمن مما
عملت فقد تظاهرت الذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي
زيارتها فإني لا اتوب
قال يصف ما هو فيه من بلاء وابتلاء :
قضاها لغيري وابتلاني بحبها
فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
هذا البيت من الشعر يظهر عمق العذاب الذي كان يكابده ،
نسي نفسه في ادب الخطاب ( فهلا )
ولكن يشفع له انه يخاطب ربا رحيما يعلم عظم مأساته ،
وأنه ما قال ذلك اعتراضا ، ولكن قاله ليبين كم هو حجم المعاناة والمقاساة التي يلاقيها بحيث أخرجته عن وعيه ،
فهو كفاقد الرشد لا يؤاخذ بما يفعل او يقول ،
وكان لعمه نصيب في سخط قيس ،
أليس هو الذي حرمه من ليلى وفرق بينهما ، ولم يرحم قلبين غضين تعلقا وتعانقا ، ولم يرع حرمة القربى :
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى
شقيت ولا أدركت في عيشك الخفضا
شقيت كما أشقيتني وتركتني
اهيم مع الهُلاك لا أطعم الغمضا
وتذكر المراجع ان ليلى توفيت قبل قيس ،
ويقال بأن فارسين مرا به ونعيا له ليلى ،
فقال :
أيا ناعيٓي ليلى بجانب هضبة
أما كان ينعاها إلي سواكما
فلا عشتما إلا حليفٓي مصيبة
ولا متما حتى يطول بلاكما
وتطلع شمس ذات يوم على جسد مسجى بين أحجار ،
وقد خط بيتين من الشعر :
توسد احجار المهامه والقفر
ومات جريح القلب مندمل الصدر
فيا ليت هذا الحِب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
ويقضي قيس ،
قربانا على مذبح اعراف جائرة
في الأربعين من عمره ،
تعقيب :
فليت العاذلين كما ابتُلينا
بعشق يُبتلوا فيما ابتُلينا
فسهل أن تقول ولم تعاني
وأن تبدو بثوب الواعظينا

مدحت رحال

ليست هناك تعليقات