صغيرة على الحب...قصة قصيرة بقلم مدحت رحال

القائمة الرئيسية

الصفحات

لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما عبدالناصر عليوي العبيدي

  لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما قدْ باتَ حبّي واضحاً للنّاسِ وجميعهمْ عرفوا بأنّي هائمٌ والقلبُ من حرِّ البُعادِ يُقاسي فَضَحَتْ شجونُ الليلِ كلَّ مشاعري إذْ باتَ حبّكِ في صدى أنفاسي واستوطنتْ عيناكِ كلَّ قصائدي وملامحُ اسمِك أَفْعَمَت كُرَّاسي لا تسألي هذا السّؤالَ تريّثي أنا في الهوى قدْ قُلِّعَتْ أضْرَاسي كَمْ تسألينَ وتعرفينَ إجابتي لاتضربي الأخماسَ للأسداسِ ماكلُّ مَنْ طلبَ الإجابة جاهلاً بعضُ الجوابِ يكونُ في الإحساسِ عبدالناصر عليوي العبيدي

صغيرة على الحب...قصة قصيرة بقلم مدحت رحال

 


صغيرة على الحب

 
جلست في شرفة منزلها ذات صباح جميل
أمامها على منضدة ركوه قهوة يملأ بخارها المكان
ينفذ عبقه في مسام الروح والجسد
يجبرك على أن تغمض عينيك ، وتأخذ نفسا عميقا ، كأنك تريد أن تلملم ما انتشر منه في صدرك ،
تتسلل خيوط الشمس على استحياء تتحسس المكان ،
يعانقها نسيم عليل ندي يلتمس منها دفئا ،
سكبت قهوتها في فنجان أنيق ، ينم عن ذوق ارستقراطي
رشفت رشفة صغيرة كأنها تهدي الفنجان قبلة ، أو تتلقى منه قبلة ،
تحسست شفتيها بطرف لسانها ،
يا لروعة مذاقها ،
وضعت الفنجان على حافة البرندة ،
ألقت رأسها إلى الوراء ، عيناها نصف مغمضتين
تحسبها نائمة وما هي بنائمة ،
تلفعت بخيوط الشمس ،
اخترقت حدود الزمان ،
بضع وثلاثون سنة مضت ،
اسمها راقية
طفلة أو تكاد ،
ذات أربعة عشر ربيعا ، مراهقة أو على حافة المراهقة
تلميذة في الثالث الإعدادي ، في مدرسة ( س )
ذكية نجيبة مرحة في خفر ، شأن المراهقات يطللن على عالم واعد ،
مدرس تاريخ ، شاب في العشرين ، أعزب ، وسيم
رصين على خلق رفيع ،
يعلم أين هو ،
في مدرسة بنات ، خطوته محسوبة ، نظرته مرصودة ، كلمته موزونة
أُُشفق على مثله في هذا المكان ،
يتحسس طريقه برفق وحذر ،
يعلم أنه محط أنظار هذه الطيور ، وحلم بعضهن ،
راقية ، يا للإسم الجميل
جذبه ذكاؤها وحيويتها وحياؤها وخفة دمها
جذبتها وسامته ورصانته ولطف معشره
تلاقت النظرات ، وقالت كل كلام دون كلام
أحبها ، أحبته
لم يصرحا بذلك ، ولكن عيونهما قالت ما هو أبلغ من التصريح
لعل دقات قلبيهما وشت بما يعتمل في الصدر من هوى ،
يعلم أن العيون تلاحقه وتحصي عليه أنفاسه ،
كان حصيفا ، وصلتها مشاعره دون أن تفطن زميلاتها
قابلت صمته بصمت ،
صمت يصرخ أحبك
وهكذا مضت الأيام ، حب صامت عاصف
تتنقل كفراشة ، تقفز كظبية ،
عاشقة
تعلم أنه يحبها ، ويعلم أنها تحبه
يختلسان لحظات في غفلة عن العيون لتتكلم العيون
ثم كان اليوم الموعود ، أو المشؤوم
إذا بالعاشق المعشوق يعلن أنه سيلتحق بكتائب الفدائيين في لبنان ،
هاجت المدرسة وماجت
خرجت العذارى من شرانقها ،
لم يمنعهن الحياء أن يبكين مسافرا لن يعود
زُلزِل كيانها ، بكت دما
صرخ صمتها
فغرت فاها
تريد أن تقول :
هل تعلم ماذا تفعل بي ؟
لو تعلم لأشفقت علي
احتبست الكلمات في حلقها
جف ريقها
تصرخ بلا صوت :
ولمن يهتف قلبي ، ومن تناجي أحلامي ؟
تنتحر الأحرف على طرف لسانها
لك الله يا صغيرة
وجاءت لحظة الوداع ، بل لحظة الوفاة
اقترب منها ، عيناه في عينيها ،
لم يعد يخشى الرقيب
صوته يرتجف ،
شفتاه ترتعشان
( لن أنساك ما حييت إن كتبت لي حياة )
عبراته تمردت عليه
كالحالمة مشت إليه
ستفعلها وليكن الطوفان
وقفت أمامه
رفعت نفسها على رؤوس أصابعها
وقبل أن تفيق ويفيق
التقطت بشفتين مرتعشتين دمعة كانت تنتظرها على رأس خده
نظرت في عينيه
استدارت
واستدار
أي كلام سيفسد اللحظة
اختزلت حياتها فيها
وذهب
تركها في لوعتها
كيمامة مذبوحة
ذهب ولم يعد
استشهد في لبنان ،
أفاقت على صوت زوجها :
راقية ،
ما بك ؟
ما هذه العبرات الصامتة على خديك ؟
مسحت دموعها ،
لا شيء ، ألم في قلبي ، يعاودني بين حين وآخر
نعم ،
ألم في قلبها عمره بضع وثلاثون سنة
لم تداوه الأيام
جذوته لا تنطفىء ،
تزيد أوارها الذكريات
هل يموت الحب ؟

بقلم مدحت رحال

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان