الفذّ الشاعر هيثم النسور
"عليل الهوى"
بقلم الناقدة: Stella Ra Nch
لقد برع شاعرنا في قرض الوطنيات والوجدانيات ولانت له الحروف كالحديد لداوود وها هو قد طرق فلك النّسيب وهو أبعد ما يكون في فكره عن الشعر الفاحش والإباحي ..
نعم شاعرنا النحرير المحدث قد أشبع حروفه بفسلفة أخلاقية وفكر ديني وسياسي ينضحان بقيم عربية إسلامية راقية وهي أشد ما نحتاج إليه في عصرنا المادي هذا،عصر فيه غزتنا الحضارة الغربية بأوبئة أخلاقية نالت من جسم أمتنا ما نالت من تخريب وإفساد. ويبقى حرف الشاعر جنديا مجهولا في هذه الحرب الحضارية الباردة ومن هنا فأن شاعرنا وإن كتب في الغزل الحب والعاطفة فقد احتوى الموقف وما احتواه الموقف نعم إن شاعرنا على قدر من الجدية والمسؤولية الأخلاقية حتى صب حروفه العذرية في قوالب عفيفة شريفة قد ارتقت بالمعشوق إلى مصاف العفة والطهر! الشاعر الفذّ يكون كالممثّل القدير الذي عليه أن يتقن أداء كافة الأدوار التمثيلية فعليه( الشاعر) إتقان شتى أجناس الشّعر. الغزل تعريفا هو اللّهو مع النساء وهو الخفّة العاطفية وقد قيل للظبّي غزالا لخفة حركته كذلك غزل شاعرنا العفيف العذري الشريف فيه من الخفّة ورشاقة التّعبير أنظر العنوان .."عليل الهوى" كلمات هوائية خفيفة رشيقة شجيّة.. لكن سرعان ما تتكسر هذه الخفّة بهشاشتها على صخر معانيه وفكره النّاهض فها هو يستهلّ بثنائيّة التلذذ بالألم في الحب masochism:
الرّوح في جسدي تلذ لرابض
لكتها ألم لقلبي النابض
يا له من عاشق يلتذ بألمه!
موضوع تناقله شعراء القلوب وما اختلفوا فيه.فالعاشق يلتذ بمرارة الشوق.عدا عن المعاني والفلسفة المكثفان في هذا البيت لننظر إلى التصوير المدهش فالشاعر يصف المعشوق بالرابض..يا له من وصف يا لها من كلمة..فالرابض يقصد أن يربض دون تحلحل حتى يتمكن من غريمه! والرابض لفظا ثقيل والربوض يأتي متعمدا ومقصودا لكن عجبا فروح الشاعر تلتذ بهذة القعدة الثقيلة وإن لحقه منها ألم وأوجاع!!وكأن الشاعر يرحب بزائر ثقيل لماذا؟لأنه كما يستطرد ويقول:
لك في الفؤاد محبة رقراقة
أودت بنا غرقا ببحر غامض
ألحرف رقراق والإستعارة بعمق الغموض الذي يكتنف بحر الشعر .. غموض لأن الشاعر يغرق بإرادته في بحر الحب !كيف يأتي الحرف عند شاعرنا كيف يستجلبه الإحساس والعقل مدبره؟
إنه غموض بحر ثقيل معناه وعميق بثقل القافية المميزة وبعمق المعنى الرابض في فكر البشر ولمّا حلّلوه وفهموه ألا وهوكيف يقبل المحب الغرق في متاهات الحب؟
شاعرنا محدث ولا يخلو حرفه من فكر وثقافة عصره الحالي
فتطرقه لقضية الحب وتعقيداته في خفايا النفس البشرية جاءت متأثرة من مفهوم السعادة في علم النفس الحديث:
سعادته تأتي من رضاه وقبوله.نعم أن شاعرنا وأن رفضه الحبيب وإن توالت أيام الرفض او القبول فهو قابل راض بالموجود لا ينشد ولا يطمح لغيره وهكذا فهو يوازن نفسه ونفسيته ليبلغ أرقى درجات الحب الصادق .يقول شاعرنا
فسعادتي يوم ويوم ندّه
من واصل ود الحبيب الرافض
واضح التشابه بين رؤية الشاعر و نظرة عالم النفس كارل يانغ Jung لمفهوم السعادة..فحسب يانغ إنها أن يفهم المرء نفسه ونوازعها يتعايش معها براحة ويزيل التوتر الحاصل من تناقضات رغبات الأنا واللاشعوروصولا للتوازن النفسي المؤدي للسعادة او قل اللحظات السعيدة.. ..وشاعرنا يفهم ويعلم ما يريده من الحبيب ومن شغفه به يبيد هذا التوتر الداخلي بإبداءالرضى التام في الصد والرفض.شاعرنا يتعايش مع نفسه ويوجهها إلى القبول والرضوخ لرغبات من يحب. في هذا السياق يحضرني قول المتنبي
وبين الرضى والسخط والقرب والنوى
مجال لدمع المقلة المترقرق
وكأن الدمع قد وجد لتقبل السخط والصد بدم بارد وانصياع تام.
قد بلغنا نهاية القصيد وكان النسيب عفيفا والحرف نقيّا لا جسمانيات ولا تصوير حسّي بغيض
بل يستنجد الشاعر بالله لطفا بمصيره والأجمل تكملة العنوان فصار الختام:
عليل في الهوى متمارض..
رجعنا لإنيغماenigma الموقف أ ي غموضه فالعاشق متمارض وليس مريضا لوزن الفعل تأثيره وأسبابه وهل يستوي الآمر والمتآمر!!
.قد أوسع الشاعر الموضوع جوانبا وأبعادا أثرت القصيد وأغنته معنويا وفلسفيا وأدبيا فالشاعر من جماليات الشعر واللفظ ما بخل حيث قال:
فكأني وكأنها ارجوحة
ذهبت وعادت من أكف القابض
ومن البعد النفسي أتحفنا فقال:
ومرارة الأشواق بركان لما
في النفس من ولع وود فائض
وفي البعد الفلسفي أدهشنا الشاعر حين قال:
لم ندر كيف نجاتنا إذ اننا
لسنا نميز فيه سر تناقض
تساؤل حول جهل طرق الخلاص وانعدام التمييز فللخلاص سبل منعتها صعوبة التحليل والإلتباس الراسخ في سر التناقض.التناقض الكامن في رغبة الروح وقبولها لرابض في النبض يؤلمها.
إذا فهنالك تناقض غامض والسر ما عرفه المحبان .الطريق واضح والقرار جريء والإصطلاء مقبول عليهما..وكأني بهما هاربان أمامهما البحر يحدّقان ببعض وتهمس نظراتهما قائلة:" لنقفز"!!.. إنه فعلا تناقض..لكنه في الخيال فالقفزة كانت إلى بحر النجاة بحر القريض الذي يخلّد أبيات الشعر العذري كما خلّد توبة وقيس والآن شيحان القصيد اللّامع
التعليقات على الموضوع