أبو القاسم الشابي...رجاء احمد

القائمة الرئيسية

الصفحات

لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما عبدالناصر عليوي العبيدي

  لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما قدْ باتَ حبّي واضحاً للنّاسِ وجميعهمْ عرفوا بأنّي هائمٌ والقلبُ من حرِّ البُعادِ يُقاسي فَضَحَتْ شجونُ الليلِ كلَّ مشاعري إذْ باتَ حبّكِ في صدى أنفاسي واستوطنتْ عيناكِ كلَّ قصائدي وملامحُ اسمِك أَفْعَمَت كُرَّاسي لا تسألي هذا السّؤالَ تريّثي أنا في الهوى قدْ قُلِّعَتْ أضْرَاسي كَمْ تسألينَ وتعرفينَ إجابتي لاتضربي الأخماسَ للأسداسِ ماكلُّ مَنْ طلبَ الإجابة جاهلاً بعضُ الجوابِ يكونُ في الإحساسِ عبدالناصر عليوي العبيدي

أبو القاسم الشابي...رجاء احمد

 

رجاء احمد



أبو القاسم الشابي


للوطن في نفوس أبنائه من الوشائج ما يجعله متوهجًا في القلوب ، و قد انبرى الشعراء الوطنيون لترجمة ذلك التّوهُج شعرًا و مشاعرًا ، فكان من بينهم شاعرنا أبو القاسم الشابي الذي برز وتميّز بنزعته الرومانسية .. الشاعر الوطني المُرهف الإحساس و الحزين أحيانا كأغلب شعراء الرومانسية ، وهو كذلك الشاعر العاشق ، عاشق تونس الجميلة :
أنا يا تونُسَ الجميلة ** في لُجّ الهوى قد سبحتُ أيّ سباحة
شِـرْعتي حُــبُّكِ العَميــقُ **وإنِّـي قــد تــذوّقْتُ مُــرّه وقَراحــهْ
مولده ونشأته :
وُلِدَ الشاعر أبو القاسم الشابي في الرابع والعشرين من شهر شباط من عام 1909م في تونس ، وتحديدًا في قريةٍ تُعرف باسم الشابة والواقعة في محافظة توزر في الجنوب التونسيّ ، وهو ابن الشيخ والقاضي محمد بن القاسم الشابي الذي تخرّج من الأزهر ، ودرس في جامعِ الزيتونة ، ثم أصبح قاضيًا شرعيًّا .. فأسرته مُثقفة ومتدينة ؛ كان يرافق والده منذ طفولته في مختلفِ تنقلاته ورحلاته بين المُدنِ التونسيّة التي كان يعمل بها ، فاكتسب المعرفة بالعديدِ من المناطق في تونس ، أمّا وفاته فكانت في التاسع من شهر تشرين الأوّل عام 1934م ، حيث أُصيبَ بمرضِ تضخم القلب وهو في الثانية والعشرين من عمره ؛ وتوفي لما بلغ الخامسة والعشرين عامًا بعد صراع مع مرض القلب ..
مسيرته التعليمية : درسَ أبو القاسم الشابي المرحلة الابتدائيّة في مدينةِ قابس جنوب تونس ، وكانت دراسته باللغةِ العربيّة ، وحفِظ القرآن الكريم كاملًا وعمرُه تسع سنوات ، حيث مكّنته ذاكرته القويّة من ذلك ، ثم تعلّم من والده أصول اللغة العربيّة وأصول الدّين ، وعندما بلغ الثانيةَ عشرَة من عمره أرسله والده إلى العاصمة التونسيّةليكمل تعليمه في جامع الزيتونة.
لم يكتفِ بالتّعليمِ الذي كان يتلقّاه في الجامع ، بل قرأ الأدب العربي سواء القديم أو الحديث ، كما اهتمّ بقراءةِ الأدب الأوروبي ..
مُنِحَ أبو القاسم الشابي في عام 1928م أرفع وأعلى شهادة تمنحها الكلية الزيتونيّة ، وهي شهادة خَتْم الدروس الثانويّة ، ثُم درس الحقوق ، وتخرّج في عام 1930م ، وخلال فترة دراسته في العاصمةِ التونسيّة استطاع أن يرتادَ منتديات الفِكر ومجالس الأدب ، فأدّى ذلك إلى بروز موهبته في كتابةِ القصائد ، وإلقاء المحاضرات التي يُظهر فيها مدى رغبتِه في التّجديد وتجاوز كلّ ما هو مألوف ، فواجهَ العديدَ من الانتقادات من المحافظين ؛ كما قرأ كتب التّراث العربي : ككتاب الأغاني ، وصُبح الأعشى ، ونفح الطّيب ، وكتاب الكامل ، والعمدة ؛ واهتمّ بقراءة دواوين الشعر العربيّ ، منها ديوان أبي العلاء المعرّي ، وديوان الرّومي ، وديوان ابن الفارض ..
مسيرة أبي القاسم الشابي الأدبية : اعتمد أبو القاسم الشابي في تعليمِهِ على اللغةِ العربيّة في المقام الأوّل بالإضافة إلى انفتاحه على ثقافاتٍ أُخرى ؛ حيث ظهر ذلك جلياً في مطالعتهِ للأدبِ الأوروبيّ والأدب الأمريكيّ ، كان أبو القاسم الشابي من الشعراء الذين نادوا بالتجديدِ ، وتغيير كلّ ما هو مألوف ، فتعرّض للانتقادات من الكثيرين . نادى بتحريرِ الشعر من طبيعته القديمة وشكله النمطيّ ، وأراد الاقتداء بأعلام الغرب في جوانب الفكر والخيال ، فانتسب الى شعراء مدرسة أبولو في مدينةِ القاهرة ، التي نشرت قصائد له في عام 1933م أي قبل عامٍ واحدٍ من وفاته ، وقد أسفر ذلك عن شهرته في أوساط الأدب في الشرقِ العربيّ بأكمله ..
مؤلفاته : ألّفَ أبو القاسم الشابي أعمالًا أدبيّة مهمّة ، من أشهرها ديوان أغاني الحياة ، والخيال الشعري عند العرب ؛ وكتب أبو القاسم الشابي العديد من القصائد في كثير من المجالات ، سواء الوطنيّة أو الفنيّة وغيرها ، وقد تجسّد حزنه في شعره بشكلٍ واضحٍ بعد رحيل محبوبته ووفاةِ والده ..
أظهر الشابي في قصيدته نشيد الجبّار مدى تحدّيه للمرض الذي ألمّ به ، بالإضافة إلى تحدّيه لمن كاد له ، أو عاداه :
سَـأعــيشُ رَغمَ الــــدَّاءِ والأعـــداءِ كالــنِّســـر فوقَ الــقـمَّــة الـــشـمّـاءِ أرنو إلى الــشَّــمــس الــمـضــيـئــة هازئًا ، بالسُّحبِ والأمطارِ والأنواءِ
لا أرمقُ الظـلَّ الـــكئيــبَ ولا أرى مـــا فـي قـرار الــهُــوّة الــسـوداء ..
من القصائد التي كتبها قصيدة ( النّبي المجهول ) ، وقصيدة (فلسفة الثعبان المقدّس ) ، وقصيدة ( إلى الشعب )وقصيدة ( إلى طغاة العالم ) ؛ حيث كان لكلِّ قصيدة من قصائده مناسبتها ، وأسلوبه المتميّز فيها ..
و قد ارتقى بشاعرنا عشقه هذا إلى درجة الفداء وإنكار الذات والاستعداد للتضحية بالنفس ليرسم بدمائه نور الحرية فيقول :
لا أبالي وإن أريقت دمائي ** فدماء العشاق دومًا مباحة
وها هو يرصد الواقع المتدهوّر مُوظّفًا الأسلوب الانشائي تعبيرًا عن غضبه مما وجد عليه أمته من جمود وخمول ورضوخ و رضى بالهوان والاستسلام :
فمالكَ ترضى بذلّ القيود
وتنحني لمن كبلوك الجباه ..
و في حسرته ولومه لشعبه على التفريط في تاج القيم الإنسانيّة ( أي الحريّة )، يستعمل الشاعر أسلوب التشبيه لتقريب الصورة إلى ذهن المتلقّي :
خُلقتَ طليقًا كطيف النسيم
وحرًا كنور الضحى في سماه
تغرّد كالطير أين اندفعت
وتشدو بما شاء وحي الإله
و هنا تتجلّى نزعته الرومنسية في استنجاده بالطبيعة وتوظيفه لصورها في وصفه وتشخيص عناصرها ، فيصورها غاضبة تعبيرًا عن حنقه ، و حتى يُشعر المُتلقّي بما يختلج في وجدانه من غضب شديد مستعينا في ذلك بعناصر مَهيبة من الطبيعة كالأعاصير والرياح القوية ، كما يضفي حرفيّ الدال والميم على هذا البيت قوة خاصة :
دمدمتِ الريحُ بينَ الفِجاج
وفوقَ الجبال وتحت الشجر .
لم تكن النزعة الرومانسية للشابي وميله إلى التصوّرات الصوفيّة عائقًا أمام طرح قضايا شعبه والتبصّر في أوضاعه ومستقبله ، و لعلها أضفتْ على شعره صِبغة مميزةً جعلت قصائدَه وأبياته من أشدّ الأشعار الوطنيّة وقعًا على القلوب و تأثيرًا في النفوس و رسوخًا في الذاكرة .. فكان الناقدَ المُصلحَ و الساخطَ المُتمرّد والوطنيّ الثائر ..
و لعلّ أبرز ما يميّز لغة الشابي هو حزنه على حال شعبه وبلاده و تألّمه لعدم استيعاب شعبه للمدى السيّء الذي بلغته حاله .
و لهذا استعمل الشابي تقنية الدلالة الرمزية : من قبيل ، الكهوف ، الليل ، الظلام :
و تقنع بالعيش بين الكهوف
فأين النشيد وأين الأباة !؟
و يواصل في ذات السياق لومه لشعبه الذي يرى أنه قد فقد حِسّ الحياة ، فتحوّل من قانع خانع إلى مُمتنع ورافض للاستيقاظ :
و تطبق أجفانك النيّرات عن الفجر والفجر عذبٌ ضياه
وتسكت في النفس صوت الحياة القوي إذا ما تغنى صداه ..
ثم يثور الشابي على شعبه متسائلًا :
أتخشى نشيد السماء الجميل !! أترهب نور الفضا في ضحاه ؟!!
لم يقف الشابيّ عند النقد واللّوم ، بل اتّخذ من شعره سلاحًا للتطلّع إلى واقع بديل فدعا إلى الاستيقاظ والثورة ودرء الجمود و التخاذل :
ألا انهض و سِر في سبيل الحياة فمن نام لم تنتظره الحياة ..
و قد اعتبر الشابي الحريّة شرطَ الوجود الإنسانيّ مُعتبرًا إيّاها سُنّة و فطرة كونيّة :
خُلقتَ طليقًا كطيف النسيم
و حرًّا كنور الضّحى في سماه
كذا صاغك الله يابنَ الوجود
وألقتكَ في الكون هذه الحياة ..
و سعى الشابي إلى التّسلح بالعزيمة وتجسيم الإرادة مستعملًا أسلوبَ الشرط الذي يربط بين السبب والنتيجة ربطًا منطقيًّا :
إذا الشعب يومًا أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر ..
كما عمل على رفع المعنويات عبر التشجيع و الترغيب في الإقدام والمُغامرة والتقليل من عواقبها ، أملًا في تَحفيز أبناء أمته على مواجهة الاستعمار :
و لا تخشَ مما وراء القلاع
فما ثَمّ إلا الضُحى في صباه ..
وظّف أيضًا الأسلوب الحكمي ، فجاءت أبياتُه في شكل حكم ومواعظ وأمثلة متّصلة بالإنسانيّة عامةً وصالحة لكلّ مقام و مقال :
ومن يتهيّب صعودَ الجبال
يعشْ أبدَ الدهر بين الحفر ..
من هنا ، عقد الشابي مقارنة بين القمّة بما تعكسه من تألّق ، وبين الإحالة على الحفر التي تدلّ على القاع الذي يبتلع الإنسان دون أن يخلّده في هذا البيت الذي يؤكد رغبته في استنهاض الهمم مستعملًا الإيقاع الحماسي :
لا بدّ لليل أن ينجلي و لا بدّ للقيد أن ينكسر ..
لم يقتصر شعر الشّابي على بثّ روح المقاومة في النفوس فقط ، بل عرّج على المستعمر ، فشهَّرَ بأفعاله ، وفَضح صورتَه الحقيقية ، فانكشف المستعمرُ في قصيدة الشابيّ في شكل صورة دمويّة تشفّ عن وجهٍ عدوانيّ يحمل من البشاعة والفظاعة مايستفزّ النفوس الحُرّة فتهبّ هبّة الحقّ لنصرة المظلوم والانتقام من الظالم .. ومِنْ أبلغ الصور التي رسمها الشابي في هذا السياق قوله :
ألا أيها الظالم المستبد ** حبيب الظلام عدوّ الحياة
حذار فتحت الرماد اللهيب
ومن سيبذرالشوك يجنِ الجراح
وروّيتَ بالدّم قلبَ التراب
وأشربتَه الدّمعَ حتى ثَمِل
سيجرفك السيلُ سيلُ الدّماء
ويأكلك العاصفُ المُشتعل ..
أختم مقالتي هذه بقصيدته إرادة الحياة التي شكلتْ جزءًا من النشيد الوطني لتونس ..
إذا الشّعبُ يَوْمًا أرَادَ الْحَيَـاةَ .. فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي .. وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ .. تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ
وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ
وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ
رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَمَنْ يتهيبْ صُعُودَ الجِبَـالِ
يعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ
وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ
وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
هو الكونُ حيّ يحبّ الحياة
ويحتقِرُ الميْتَ مهما كَبُر .

رجاء احمد

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان