أحمد طايل**..تجريف ذاكرة...2. رواية.**
.تجريف ذاكرة.... رواية
(.2.)
..هذه الليلة تحديدا ليست واضحة بذاكرته على الاطلاق..ضبابية..اشبه بصورة داخل اطار تم تهشيمه ودغدغته بشئ من العنف..ولكن ملامحه الراسخه داخله..هو.ما سمعه كثيرا فيما بعد من امه ومن دموعها..الليلة كانت شديدة الرعد وسريعة الرياح وامطار تتساقط بلا حساب..وام تأخذ بين احضانها ولدان وبنت..اكبرهم سبع سنوات..ابنة خمس سنوات..وهو ثلاث سنوات..رغم كل مظاهر البرد إلا أن حضن امه هو دفء العالم..هكذا الام بكل الدنيا..قد تختلف الطرق والسبل فى ابداء الرعاية والتعبير ولكن المؤكد أن حضنها يفوق كل اغطية العالم..الام تحتضنهم ..بين اللحظة والأخرى تميل عليهم تغمرهم بالقبلات..تمرر يدها على رؤوسهم..كرافد اضافى للدفء..امامها وعاء به نيران مشتعلة بإعداد الحطب للتدفئة..فجأة طرقات عنيفة تدق الباب ..طرقات باليد ..وركلات بالأقدام..الهلع تلبس الأم واولادها..انزوت دون ارادة بأحد اركان الغرفه..لحظات وانفتح الباب متحطما دافعا بثلاث رجال..هم الاعمام..كل جزء من وجوههم ينبئ عن عدم الخير..عيونهم جاحظة محملة بكل رياح الشر..مد أحدهم لعله الاكبر يده..جذبها من ذراعها بعنف..توجعت الما...لم بهتم..اخذ يمرجحها يمينا ويسارا..اماما وخلفا بكل العنف.صارت اشبه بريشة يتلاعبون بها..دفعها بعنف الى الحائط ..صرخت وجعا..صرخ بها وكأن الكل صم لا يسمعون..
=انت يا امرأة تعرفين جيدا اننا قبلنا بوجودك بيننا رغما عنا ..بعدما جاء بك مجاهد اخى بعد غياب اعوام لا نعرف اين كان ولا ماذا فعل وعمل..جاء بك تحملين على يدك ابنا..وحاملا..لا نعرف لك اصلا ولا فصلا ولا اهلا..عشت بيننا كرها عنا..لانه خرج على مألوف عادتنا وتزوج من خارج العائلة ..ما منعنا من طردك اولادك..نعرف ان لا ذنب لهم..ولكن مجاهد ذهب من اكتر من ثلاث سنوات ولم يعد تركك حاملا للمرة الثالثة..لا نعرف عنه شئ ولم نتوصل لشئ..والآن امامك امران..لاثالث لهم..
سكت قليلا..وتبادل النظرات مع اخويه الذين امنوا على حديثه..ثم عاود الحديث..
=الامر الاول وهذا ايضا كرها عنا..هو.ان تتزوجى احدنا..وتعيشى لتربية اولادك..وتنسى إنك اتجوزتى مجاهد..
صرخت به..وحكت فيما بعد انها حتى الآن لا تعرف كيف اتتها الشجاعة لهذا الصراخ..
=كيف اتزوج وانا على ذمة رجل حتى لولا نعرف عنه شئ..حى او ميت ..كيف..هذا ليس من شرع الله..ثم حتى لو اننى لست زوجة..لن اتزوج مرة اخرى..ياريت تتقى ربنا وتعرف الدين والشرع..اتقوا الله فى لحمكم وفى عرضكم ..اتقوا الله فى غيبة اخوكم الغائب طول عمره من اجلكم..تغرب لسداد رهنية أرضكم..تغرب ليبنى بيتا لم.نسكنه..عشت بينكم ولم اطلب يوما شئ ..لا اكل ولا شرب.ولا علاج ولا ملابس ولا اى صنف من صنوف الحياة....اشتغلت.كل شئ رغم.حقى وحق اولادى.وحق زوجى..والمشهود به من الجميع..رضيت ان اكون زوجة وام لايام كل عدد من السنوات لان اخاكم رجل..رجل يعرف حق الاخوة..حق الاهل..حق صلة الرحم..ولكن نقول الاصيل لامكان له...وقلت نعيش وسطكم..وسط.ناس يعرفونا ونعرفهم..اتقوا الله..الله لايرضى بهذا..اخوكم عمره.ماكان إلا لكم.ولاجلكم...اى سبب لكل هذا..الله عليم ويمهل لا يهمل..حسبنا الله ونعم الوكيل..منكم لله..
صفعها صفعات متتالية..وهى تتمرجح يمينا ويسارا ..اثخنها بالصفعات..والركلات..ثم عاود الصراخ...
=ما بقى امامك الا الامر الاخر..هو.ان تذهبى حالا لحال سبيلك وتنسى تماما انك عرفتى هذه البلده..وعرفتينا..انسى كل شئ..تخرجى حالا انت واولادك بلا عودة..وبلا عودة لاى مكان بالصعيد..وقسما بالله ان لمحتك يوما بمكان لانهى حياتك..حالا اخرجى ببعض.ملابسك انت والاولاد..وهذه نقود تذهبى لمحطة القطار تركبى لأبعد مكان..وتنسى كل سنواتك هنا..مفهوم..امامك ساعة زمن..نحن أمام الباب لنوصلك حتى القطار..لنطمئن على مغادرتك..مفهوم..مفهوم..
خرج وفى اعقابة اخوته الاخران..الحيرة امسكت بتلالبيب الام..ولكن هى لا حيلة لها..ماعليها حرصا على حياتها وحياة اولادها إلا الاذعان..البكاء سيد الموقف..تلملم بعض حاجياتها..يبدو انها كانت متوقعة.حدوث هذا الامر..اسرعت الى أحد شقوق جدار الغرفه مغطى باحدى الصور..واخرجت كيسا بلاستيكيا به شهادات ميلاد الاولاد..وعقود ارض نصيب زوجها من ميراث الاب..خباتها بصدرها..ارتدت جلباب اخر فوق جلبابها.وفعلت هذا مع صغارها..البكاء شريك كل خطواتها..كل ما كان يصدر منها هو..
=حسبى الله ونعم الوكيل..لكم يوم مهما طال..
الطرقات تتكرر استعجالا لها..خرجت حاملة الصغير على يدها..والبقية يمسكون بجلبابها..اركبوها كارته..جلسوا محيطين بها..الامطار جارفه..والرياح تعوى..لا يهمهم الامر..اوصلوها للمحطة..جلبوا لها تذاكر بالقطار الذاهب لبحرى..نبهوا عليها بأن عليها ان تختار اى محطة وتنزل بها..الصمت عقد لسانها.ولكنها كانت تتمتم داخليا..مؤكد لكم يوم يا ظلمة..رميتم لحمكم..واكلتم اخاكم الغائب..سوف نعود يوما ونرى كيف انتم بعد ذهابنا..الله مع المظلوم للابد..اتى القطار ..صعدوا بها..اجلسوها..وقفوا على الرصيف..للتاكيد على مغادرتها..وما ان انطلق القطار..مؤكد ما جاء برأسها..انهم تعانقوا وتبادلوا القبلات احتفالا بنهب ونهش اخاهم وأسرته..
التعليقات على الموضوع