أحمد طايل**..تجريف ذاكرة..3.. رواية.**

القائمة الرئيسية

الصفحات

لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما عبدالناصر عليوي العبيدي

  لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما لاتسأليني هل أحبّكِ بعدما قدْ باتَ حبّي واضحاً للنّاسِ وجميعهمْ عرفوا بأنّي هائمٌ والقلبُ من حرِّ البُعادِ يُقاسي فَضَحَتْ شجونُ الليلِ كلَّ مشاعري إذْ باتَ حبّكِ في صدى أنفاسي واستوطنتْ عيناكِ كلَّ قصائدي وملامحُ اسمِك أَفْعَمَت كُرَّاسي لا تسألي هذا السّؤالَ تريّثي أنا في الهوى قدْ قُلِّعَتْ أضْرَاسي كَمْ تسألينَ وتعرفينَ إجابتي لاتضربي الأخماسَ للأسداسِ ماكلُّ مَنْ طلبَ الإجابة جاهلاً بعضُ الجوابِ يكونُ في الإحساسِ عبدالناصر عليوي العبيدي

أحمد طايل**..تجريف ذاكرة..3.. رواية.**

 


..تجريف ذاكرة....   رواية

(.3.)


..اخذت مقعدا باقصى عربه القطار..تحت مصباح تنتابه الرعشة..يضئ.ويغلق اضاءته..بين الثانية والأخرى..انامت الابن الاكبر على فخذها الايمن..والابنه على الايسر..والصغير اخذ مكانه على حجرها..ناموا ترتسم على وجوههم علامات الالم والخوف..تتساءل قسماتهم عن ما يحدث وعن سببه..القطار يسرع..واضاءات اعمده الاضاءة التى يمر بها سريعا تلقى بصيصا من الضوء عليهم..اطرقت راسها للارض..تذكرت بعضا من ايامها..وجدت نفسها ابنه لرجل طاعن بالعمر..دوما يسير بانحناءة ظهر..كثيرا من الايام تصحو لا تجده..ولكنها تشعر بذهابه باكرا كل يوم حينما يميل عليها ..يمرر يده على شعرها..ويقبل جبينها..ويدها..وتراه اتيا بعد مغيب الشمس أشد انحناءا..ايضا يأخذها بحضنه..يربت عليها بحنانه..يقبلها..هو يعمل بكل انواع العمل الذى يناسب عمره..بالحقول..باعمال البناء..ياتى حاملا جوالا به صنوف من الطعام يتحصل عليه من النقود التى عمل بها..او بعضا من تصدقات الاخرين..يغتسل..يصلى..يقرأ قليلا من القرآن ..يجلس بين زوجته والابنة..يتناولان الطعام بين ضحكات وحكايات يومه..ينهض مهرولا ..إلى المسجد المجاور لتنظيفه كما اعتاد طوال عمره منذ الصغر وهو.يفعل هذا ..لعل الله يفتح له بابا..يعود والسعادة تضئ وجهه..اخذ باعداد كوب الشراب اليومى..مجموعة من البرطمانات مليئة باعشاب متعددة..هكذا اخبرتها الام حينما اخذها الفضول نحو السؤال..يضع هذه الاعشاب ببعض الماء..يغليه على النار ..يضعه بكوب كبير من المعدن..يضيف اليه ملعقة كبيرة من العسل..يقلب المحتوى جيدا..عندما تبرد لحد ما يتجرعها دفعة واحدة..ثم يقبل جبين الزوجة والابنة ثم يدخل إلى فراشه..يتمدد..لحظات ويكون قد استغرق بالنوم ..الوجه مضئ بفعل الرضا والقناعة..الام مازالت فتيه .عفيه..مؤكد تصغره بعقود من الزمن..نشطه..دؤؤب..قبل استيقاظة..تنهض..تعد له ماء الاغتسال... قبلها تكون قد اعدت له قطعة جبن وبعضا من الخضار والمخلل..يتناولها على عجل..يسرع لصلاة الفجر بالمسجد..يؤدى صلاته..يسرع بعدها للعمل المحدد سلفا له..تسرع هى لتنظيف البيت الصغير..وغسيل الملابس.واعداد ما تنتاوية من طعام اليوم...ثم الخروج إلى حيث جلستها اليوميه على مصطبة اسمنتية صنعها الزوج وكل فترة يعاود ترميمها ودهانها.. مجاورة تماما لباب البيت ..كل من يمر بها يلقى عليها السلام والتحية..وبعض النسوة يسرعن لتقبيل جبينها....والبعض ياتين يشاركنها الجلسة..المصطبة لا يغادرها الظل مطلقا..هى من تعطى النصيحة لهذه وتلك لكى تستمر الحياة..الحياة عندها محطات..محطة بها بهجة والاخرى بها الم..واخرى تجمع الاثنين معا..لا يخلو يومها من قدوم كثير من النساء يحملن طواجن اللبن..والزبد.والجبن.وبعضا من الارز.القمح.الاذرة.الدقيق.السمن..البيت مبروك كما يصفه اهل القرية..البركة تنادى المار بها..الاشراق الدائم يعلو وجهها..صوت خفيض هادئ عذب..ابتسامة رضا وتقبل لا تغادرها..هى ايضا اكتسبت صفاتها..الكل يحبها يناديها الأطفال كل لحظة لمشاركتهم العابهم وطعامهم..حتى الكبار الذين يصادفونها يربتن على كتفيها بحنان بالغ ..البعض يناولها نقودا..او قطعا من الحلو..نشيطة تساعد هذه وتلك بلا شكوى..وصفتها احدى النساء..الإسم صبيحة..وهى مضيئة..تدخل البهجة معها لأى مكان تدخله..وصل الأمر إلى تنافس النساء على من يدعوها لقضاء اليوم عندها..تعددت وسائل الاغراء..ولكن هى كانت تستجيب لخطوات قلبها وعقلها..هى مزيج من الاب والام..جاءت لهم إبنة بعد اكتر من عشرين عاما من عدم الانجاب..كانت حياتهما صحراء قاحلة عاشوها الما يسكنهم..وجاءت فاضاءت واخضرت أيامهم..عندما وصلت لسن الإدراك صارت تعمل بالحقول ..لتاتى بما يزيد من وفاء متطلبات حياتهم بلا عناء..السنون كلما مرت ازداد انحناء الاب وصار المرض رفيقا له..ولكن لم يشكو يوما..والام راضية بايامها..حين بدأت انوثتها بالازهار..طرق بابها العشرات..ولكن الاب كان يرفض..فهو.يراها صغيرة..هذا سبب ظاهرى..اما مكنونه..فهو يريد أن يستمتع بوجودها معه إلى اقصى مدى من عمره..بدأت رحلة العمل خارج قريتها مع عمال التراحيل..يتنقلون من قرية إلى أخرى..المقابل اكتر..والشقاء اكبر.. بيوم كانت تعمل بتوزيع شتلات الارز بأحد الحقول..فتيات وشباب..شعرت بشئ يداعب قدمها..صرخت وهرولت وتعثرت..وجدت نفسها بلا وعى ولا ارادة ملقاه بين ذراعى شاب..للحقيقة..تعامل معها بنقاء..تلقاها..ربت على ظهرها بود..ثم اجلسها..وأتى لها بشربه ماء..وعندما هدات داعبها..ضفدع صغير يرعبك بهذا الشكل..لم تجبه..ولكن اجابت عيناها حينما زادت بريقا..هى بطبيعتها كانت تخاف من الزواحف..ولكن من يوم حادثة الضفدع احبت الضفادع..تقاربا يوما بعد يوم..تشاركا بالطعام مرات..صار ملازما لها..تستمع له..ويستمع لها..حكت له..وحكى لها..هو من قرية بعيدة عن قريتهم ..يعمل للوفاء بسداد ديون ابية ورهنه للارض ..هذا ما عرفه هو.واخوته بعد وفاة الاب..بجلسة بين الاخوة الاربعة..هو.اصغرهم وغير متزوج وغير مسئولا عن أسرة واولاد..استقروا على ان يعمل هو ما يمكن عمله..وياتى على فترات حاملا ما تم ادخاره لسداد الدين على دفعات..تقبل عملا بوصية الاب الذى دعاه ذات يوم..منفردا به..خاطبه.. =اسمع يا مجاهد يا ابنى..الكلام الذى سوف اقوله لك تعدنى بعدم معرفة أحد به إلا بعد وفاتى..انا اعرف كل واحد منكم جيدا..ارى انك الوحيد الذى يحمل قلبا نقيا طاهرا لا يهدف لاستغلال او طمع..او لأهداف تسلب بعض الحقوق..ومن هنا حماية لك من اخوتك الذين يحملون بين ضلوعهم انانية لا أعرف كيف جاءت لهم..لا علينا..انا كتبت لك نصيبك من الميراث حال وفاتى ولكنى استبقت الايام حرصا عليك..هذه الاوراق مستوفاة وموثقة..طلبى هو.عند وفاتى اكتفى بما اعطيتك وتنازل امام الجميع عن اى ميراث لك..عاهدنى..عاهد الأب الذى غادر مهرولا الحياة بعد شهور قليلة لاحقا بزوجته التى غادرته من سنوات بعيدة.. حكى لها كل تفصيلاته.رافقته بكل رحلات العمل..لم ترى منه اى شئ مشين..كان الخوف عليها واضحا بكل تصرفاته..حتى حين الصلاة ..كان يقف امامها حاجبا عنها العيون..تقاربا ..عرفته على الاب والام..الاب ارتاح له وكذلك الام..اصبحا فى اعبن الجميع خطبين..منعا للقيل والقال..تعاهدا على تدبير امورهم دون اى اعباء على اخريين..استمرا أكثر من خمس سنوات..حتى احسا بأن الوقت قد حان للزواج..طلبها من الأب الذى رحب وتهلل بشرا لتحققه على مدار السنوات والزيارات المتباعدة انه رجل يعتمد عليه ويؤتمن عليها..كانت تشاكسة وتمازحه..انا طالبه منك ان يكون أحد الشهود..ضفدع..لك ان تشكر اى ضفدع فهو.اساس حبنا..اختارا ان يتزوجا ببيت صغير قريب من أماكن عملهم..لم يهتم باخبار اخوته..الأمر لا يعينهم..تزوجها ..عاشا معا سعادة غامرة..وعندما حملت قرر أن يذهب بها إلى اخوته ليعرفهم بها..بمجرد أن طرق بيته وبيت اخوته..فتح الباب..لم يعنيهم اخيهم والسؤال عن.غيبته التى طالت..انصب همهم الاول عن السؤال عن المال..ثم السؤال عن من تكون..اخبرهم بقصتهم..الامتعاض كسا وجوههم..شعرت بانهم لا يرغبون بها ولا باخيهم..وان مجاهد مجرد سبيل للمال..لم.يطل بهم المقام..ثلاثة ايام وعادوا سريعا..وكل زيارة كان نفس الفتور حتى لا ترحيب بما انجبت..زيارات على فترات متباعدة..لم تتغير مشاعرهم..حينما كان الهم من تصرفات اخوته معهم تثقل نفسها تسرع إلى بلدتها ليوم او بعض يوم تفضفض مع الأب والأم..تزيح همها ..وتستمع لحكمتهم..وتعود مرتدية ثوبا جديدا من الطمانية والسكينة وراحة البال..المرة الاخيرة أتى بها..جلس معها ...اخبرها انه بطريقه للسفر وربما تطول غيبته ..مشروع.كبير فى قلب الصحراء ..سوف يمتد العمل لسنوات..وهو.عندما يجد فرصة سوف ياتيها..وهو لا يأمن على وجودها الا هنا حتى لوكانوا سيئين..وعليها التحمل..لانه مقابل عمله رح يكون كبيرا سوف يشترى.بيتا وارضا ببلد آخر بعيدا عن بلده..واعطاها شنطة اوراق طالبا.منها اخفاءها جيدا..فهى حق اولاده..طالبها بأن تعلم الاولاد لأقصى مدى..لا تجعلهم يعيشون حياتهم..غادرها باكرا تاركا الابن والابنة..وحمل ببداياته..اكثر.من ثلاث سنوات ولم يجئ لها اى خبر عنه..عملت بالحقول لتعول ابناؤها..لم تلن افئدة وضمائر اخوته..بل زادوا قسوة وجفاءا ولم يتحرك اى ساكن من مشاعر الانسانية.تعاملوا معها كانها وباءا هبط عليهم..الاقوال تناثرت بشأن غياب زوجها..هناك من قال انه مات بموقع العمل الذى لا تعرف اين هو..وهناك من قال أن اخوته قتلوة يوم مغادرته..واخفوا جثته..هى تميل للقول الأخير..انتبهت من شرودها الذى طال..فكرت ان تعود إلى قريتها..نعيش بين ناس يعرفونها وتعرفهم..تراجعت عن هذا التفكير..بعد وفاة الأب والأم خلال شهور مصرين على استمرار وجودهم معا حتى بالموت..وهى زهدت قريتها تماما رغم اهلها الطيبين ..ولكنها بالنهاية رأت انه من الافضل الابتعاد تماما ..بمكان لا تعرف احدا ولا يعرفها أحد..ولكن إلى أين تذهب..احتارت ولكن بالاخير اختارت أن تسير وفق قلبها وعقلها ...سوف تنزل بالمحطة التى تجد قدماها تنهض وتنزل بها..ولتكن مشيئة الله...ساعات طويلة وهى بجلستها تنتظر المجهول الذى لا تدرى كنيته..اليوم خبيئة الغد..اخذها النوم لوقت لا تدرى كم مداه..على حين بغته وجدت نفسها تنهض ..توقظ اولادها..الذين انتفضوا بخوف..اخذت مكانا بالقرب من باب العربة..عند اول محطة انزلقت هى واولادها..توقفت على الرصيف تتأمل ما حولها..تشخص برأسها للسماء.. الفجر اخذ بالانبثاق..نسماته تداعب الوجوه..الرصيف شديد الإهمال..كثير الحفر..سارت باولادها..على غير هدى..على بعد تظهر بيوت طينية متجاورة..بصيص اضواء خافته يتصاعد من خصاص النزافذ..الحركة قليلة..بعضا من الرجال والفتيان يهرولون بطريقهم إلى المسجد لصلاة الفجر..لا احد يلتفت اليها..فنداء الله هو الاهم..سارت لبعض الوقت..وجدت بيتا به بعض التهدم..ارتكنت هى وأولادها إلى الجدار..اخرجت من الصرة التى تحملها بعض من الطعام الذى حملته سريعا..واخذت تطعم الاولاد.انسالت الدموع بغزارة محاولة غسل المها.وهى تتمتم ..يارب انت من تعلم بحالنا..من عونا وسندا وحاميا لنا يارب العالمين.. يتبع


أحمد طايل

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان