محمد علي الشعار ....سحبُ عصب
سحبُ عصب
يُقيمُ وحيداً دونَ ماءٍ وكهربا
وأجملُ عُمْرٍ أنْ يعيشَ مُعذَّبا
تشعشعَ في دُنيا ودُنيا وكلّما
أضاءَ بقنديلٍ تملّكهُ خبا
يُصارعُ من أجلِ البقاءِ ضَوارياً
وعزَّ عليهِ أنْ يَخِرَّ ويُغلبا
وقُطِّعَ أجزاءً مؤونةَ جائعٍ
وقُدِّدَ كالسردينِ لحماً مُعلَّبا
يؤانِسُ حِرماناً بثوبٍ مُرقَّعٍ
يمرُّ عليهِ الحلْمُ خيطاً مُذهَّبا
تَشمَّمَ نجماتِ الأُفولِ بأنفِه
وعضَ رداءَ الليلِ كلباً مُدرّبا
لكم كلُّ شكرٍ يا مؤسّسةَ العمى
وقد زادَكم صمتُ المقابرِ مرحبا
بلغتُ شبابي نذْرَ أمُنيةِ السنى
وعُدْتُ على أيديكِ شيخاً مُحدَّبا
مكثتُ كلصِّ الليلِ خلفَ ثقوبِه
أُراقبُ رأساً للشعاعِ مُدبَّبا
أعيدوا لنا التيارَ تدفأْ عظامُنا
فصاحبُكم بالبردِ أمسِ تَخشّبا
وحوصِرَ من كلِّ الجهاتِ مواطناً
وأصبجَ معزولَ المحيطِ مُذَنّبا
تُمزِّقُه الحاجاتُ ألفَ مُمزّقٍ
فسافرَ في خطويهِ شرقاً ومغربا
تأنّفَ مازوتُ المواقدِ وافداً
وجلَّ رغيفُ الخبزِ في الفرنِ مَطلبا
وللغازِ مكتوبٌ يُراسلُنا هوىً
بكى فوقَهُ الحطّابُ فأساً مُنكّبا
وكادَ يزُفُّ القومَ فُحشَ مقولةٍ
بكلِّ ضريعِ الوصفِ لكنْ تأدّبا
تخرّجَ من لُجُّ الليالي وعصْفِه
وسِارَ بموجٍِ أسودِ اللونِ مركباً
تقحّمَ أستارَ الظلامِ مَهيبةً
ولمْ يخشَ في سِرِّ الغياهبِ مُرعبا
وهيّأ لليومِ المُوافى شَراشفاً
تأزّرَ فيها الموتُ لمّا تَقشَّبا
وراحَ إلى وقتِ النهايةِ فاتحاً
يَخُطُّ لشُجعانِ المنيةِ مَذْهبا
وزارَ ترابَ القبرِ دونِ مخافةٍ
فكيفَ يخافُ المرءُ شيئاً مُجرَّبا ؟!
وحينَ ٱختفتْ في الليلِ أُنْمُلَةُ الدجى
تطاولَ شمعاً في الخيالِ تَرهُّبا
نفضتُ جناحيِّ القصيدةِ واقفاً
وأنشبتُ من حرفِ اليراعةِ مِخْلبا
وهذا بياني فاقرؤوهُ على الورى
لمن شاءَ أن يرعاهُ أُذْناً ومن أبى
وما كانَ من أهدى الحقيقةَ ثوبَها
كمن شفَّ من تحتِ البِطانِ وكذّبا
تَبَنَّ لأولادِ الفضيلةِ مَولداً
وإنْ لم تكنْ أمّاً لهم فلتكنْ أبا
تُهجَّرُ أطيارُ الخضارِ مواسِماً
بلا رجعةٍ تذوي على هجرِها الرُّبا
ولحني بأوتاري وروحي عزفتُه
على إصبعي حيناً وحيناً على الصَّبا .
التعليقات على الموضوع