غوص في ثورة العاطفة الأدبيّة العاصفة في محيط الخلود والإرتقاء بقلم نافلة مرزوق العامر في قصيدة ... أنا والطريق ... الشّاعر العراقي عماد احمد
طرقةٌ على التواءات الطّريقواسترجاع أغنية البريق
في قصيدة
"... أنا والطريق ..."
لقيصر الحروف
الشّاعر العراقي
عماد احمد
“ Truth exists for the wise,beauty for the feeling heart”F.Schiller
عركة شعريّة في نفس بشريّة من فكر وبهاء دارت رحاها في مخيّلة شاعر متلهّف للقاء!
في وحدة معنويّة مترابطة الأفكار جمع شاعرنا شخصيّته أو "شاعريّته الساذجة" “Naive poetry” (أي تصوير الحالة ظاهريّا دون تحليل وتعمّق)
"بشاعريّته الوجدانيّة"
“Sentimental poetry”
(أي الغوص في ماهيّة وأبعاد الحالة المدروسة)لينقل إلينا موضوعا متعالجا وعاديّا لكنّ عامل التّجديد أو التَميّز برز هنا جليّا في جمع الهويّتين أعلاه معا وهو أمر تعجز عنه إلّا الفحول سواء جاء مقصودا أم لا شعوريّا نعم وبين كرّ وفرّ بين معاني الغزل والشّوق وأيادي القدر وغبار السّاحات،هو والطّريق وما أدراك ما الطَريق!
عظمة في العنوان تصوّر عظمة الإنسان !نعم الإنسان الذّي يصاحب الحياة مع كلّ عملقتها وجبروتها متاهاتها والتواءاتها يا له من قادر هذا الإنسان المصاحب النّار محتملا الكيّ والحرق بل ساحرها في أبيات تلهب سطور الشّعر وتشعل مشاعل الخلود!إذا فشاعرنا وجدانيّ sentimental حسب تعريف شيللير كما سنرى لاحقا،
يعبرّ شاعرنا عن خلجاته في نفثات من كلام وفلسفة تعجّ بأنواع العواطف العاصفة بالأحاسيس ولكنّها لا تخلو من نقد ذاتيّ تأمّلات ودراسة للحالة الوجدانيّة في داخله ولا من أمنيات بل يتعملق قصيدنا هذا في خاتمة تعلن استئناف المشوار ومعاودة المشوار !
نعم تتمخّض قصّتنا عن نصر الرّوح العنيدة المتعمّدة عزيمتها في أنهار إرادة التي لا تلين!
ونعود للإقتباس أعلاه وترجمته بتصرّف:
“الحقيقة مسعى الحكيم .الجمال للقلوب الشَاعرة"
هو قول للمفكّر الشّاعر والفيلسوف الألماني العظيم فريدريك شيللير وبعيدا عن التّعقيد المترتّب على هذا القول هو ببساطة يعني النّقيضين الأزليّين المرافقين لوجودنا وهما العقل والعاطفة (أو القلب )فالعقل المتأمّل يبحث عن الحكمة والحقيقة وأمّا القلب فبحثه الدّؤوب يقتصر على الجمال والحسّ.
ولأنّ شاعرنا القيصر متمكّن فكرا وشعرا فقد ساق محبرته المفعمة بألوان البلاغة والجماليّات على بحر العاطفة والفكر الإنساني شاقّا عباب المجد والنّصر الإنساني نحو شواطئ الخلود ومراتع الإبداع الباذخ.
هو أنّ شاعرنا جاء في وجدانيّته متأمّلا باطنه وما يتلاطم فيه من مشاعر وآلام إنسانيّة فصبّها على تنوّعها في قالب شعري جماليّ ارتكز على روح واعية تقبض على معاني الحياة المنشودة وأخرى روح شاعريّة تعبّر وتخطّ ما لذّ وطاب من أحاسيس ترقص على إيقاع السّحر والشّعر المميّز.
ترقص لكنّها ثابتة لا تفلت من قبضة المنطق والوعي فأتت ثمالة القراءة من خمر لا يلبث أن يصحو على أفق يقظة ونصر الحياة على الحياة.
أنا والطريقُ ولَهْفَتي والمَوعِدُ
وشَتاتُ روحِي والهَوى المُتَمَرِّدُ
أنا وارتِعاشِي كلّما يَدنو اللِقا
فَكَأَنَّ يَومِي مايُطالعُهُ الغَدُ
بِي لَهْفَةُ المَفْجوعِ مزَّقَهُ النَوى
وعلى شَريطِ الذكْرياتِ مُسَهَّدُ
صَبٌّ بِأَكْنافِ العراقِ مَقِيلُهُ
وهَواهُ إِمّا مُتْهِمٌ أَو مُنْجِدُ
يامَنْ نَكَأْتَ بِيَ الجراحَ قديمةً
وقديمُ جُرحِي راعِفاً يَتَجَدَّدُ
مازالَ شَوقِي للعيونِ يُذيبُني
جَمْراً بأَعماقِ الحَشا يَتَوَقّدُ
كمْ ذا يتُوقُ وكمْ تَنَهْنَهَ خافِقي
وإليكَ كمْ من دمعةٍ تَتَهَدْهَدُ
حتّى هنا يخبرنا الشّاعر أنّه عاشق متمرّد مشتّت الرّوح يمشي والطّريق انتظارا واستقبالا للقاء الحبيب.
وإن كان شاعرنا هنا وجداني بتلهّفه لكنّه ساذج naive بتعبيره فقد جاء بسذاجة لا تخلو من عبقريّة إذ يشخصن الطّريق ويقدّم فكرة اصطحاب الطّريق بانسيابيَة عفويّة وتلقائيّة فيستقبلها عقل المتلقّي وكأنّها حقيقة وبديهة ومن ذا الذي ينكر جهبذة هكذا أسلوب وتصوير!
هذه السّذاجة في الطّرح ما هي سوى عملقة في فهم الشّعر والأدب وليدي الحياة وفهم الشّعر الذي يصوّر الغرابة في عاديّة باردة ومخدرّة للحواس في آن واحد.وأكثر ففي البيت الثّاني يدمج الشّاعر يومه في غده ويوحّدهما وهو أعظم ما يصف الإرتجاف والإرتعاش من رهبة اللّقاء!في الثالث يبدأ الوصف العاطفي والمرهف لأحاسيس الشّاعر وعاطفته نحو الغائب هو واحة من سكب رقيق بمجاز يختلط فيه صدى المفردة بالمعنى بل ينصهر إيقاع ولفظ الكلمة بالمعنى فتكتمل صورة الشّعر الأصيل وتكون دائرته مجهولة البداية والنّهاية ضبابيّة الحدود
إلى حدّ انسجام أطرافها مثلا "تنهنه خافقي"
"دمعة تتهدهد."
شعر فيه يظهر المجهور من الحرف في وقته ومكانه
ويهمس المهموس منه كذلك.
ويكفي أن جهوريّة القافية تمهّد وتعلن عمق الرّسالة لا بأس فالمعنى صوانيّ يلزِم قافية من صوّان.
ويستطرد في وصف طريق آلامه ومعاناته من لواعج الوجد والإشتياق في القسم الآتي حتّى الحادي عشر:
يافَورَةَ العِشقِ المَهيبِ تَسَعَّرِي
ودَعِي لَهيباً في الشِغافِ يُصَعَّدُ
هذي ضلوعُ الصَبِّ فاحْتَطِبي بها
لاتَخمَدِي فَسَنا الهَوى لاتخْمَدُ
بُثِّي بِأَوصالِي الحياةَ ومَسِّدِي
وَجَعاً بِكلِّ جَوارِحِي يَتَمَدَّدُ
أُوّاهُ من تَنْهيدَةٍ لَو بَثَّها
لَكَبا لِفَرطِ شجُونِهِ المُتَنَهِّدُ
يا لهائية التّعبير فهي زفرات وآهات فائرة في الصّدر وأمّا المفاجأة فهي داليّة القفلة تقصم وهن العاطفة وتستدعي الإنضباط هي القصيدة زفرة العاطفة الأدبيّة المنضبطة في سموً المعاني ويا لها من قلادرصفت بحبّات من بلّوريّ الغزل والغَزَل وعجيب الرّسم في وصف مشاعره ولكن لا ننسى بنبرة تصاعديّة تصعيديّة أشدّ حدّة ممّا سبقها إذ فيها من المازوخية والتّضحية الكثير فهو يسأل الحبيبة لضلوعه احتطابا وإيقادا لا بأس فما كان الشّاعر سوى روحا من شمع تصهرها القصيدة أو تشتعل لتنير درب القصيدة والحالتان مختلفتان لكنّهما طقوس إبداعيّة قائمة. بعد هذا التّكثيف بالتّصوير النّاري لحالته والمشاعر تأتي الذّروة وهي في القسم الأخير حسب تقسيمي للقصيدة وهو من المنطق بمكان لأن عظمة الشّعر تإتي في رسالته والرّسالة كما سبق وأسلفنا تإتي من نصّ يوثّق العاطفة الإدبيّة للشّاعر التي يقولبها بكلّ ما فيها من مشاعر متخابطة متناقضة ومتنوّعة ويصهرها في فكرة ترتقي بالتّجربة إلى حكمة تتناقلها الأجيال ومنها تتعلّم
حكمة تخلد في ذاكر الزّمن التّي لا تموت وهل تموت روح الشّعر؟
يعترف شاعرنا بالألم ويتقبّله يعترف لانّه يستشعره إذا فهو يقظ واع له بل يقبض عليه بل سيقلبه أغنية كساحر يخرج من قبّعته أرنبا فها هو يقول:
لكنَّ صَبْراً فيه يَحجُبُ صَرخَةً
لِدَوِيِّها يَنْهدُّ منها الثَهْمَدُ
سيحترف الصبر في صرخة مزعزعة تهدّ الجبال وتناصّ ثهمد هنا له دلالاته وإيحاءاته فهل شاعرنا وريث الحسن أم باني جمالا علئ أنقاضه؟
جرأة من شجاع!
أَوَريثَةَ الحُسْنِ المُنيفِ تَجَمَّلِي
ماذا يزيدُكِ في الجمالِ الإثْمدُ
أم أنّ وريثة الحسن هي قصيده الممشوق بطبيعته لا يحتاج زينة إثمد!
هي شجاعة فالقوام تترصّده الحسّاد
وشاعر المعاصر يتأبّط قصيده مخترقا جدار الغيرة والحقد!
لِقوامِكِ المَمْشوقِ غُصناً فارِعاً
فَحَذارِ من حُسّادِها تَتَرَصَّدُ
لِي منكَ ماتَرَكَ الفؤادَ مُقَدَّداً
أَوَما يضيرُكِ واهِنٌ مُتَقَدِّدُ
خَفَتَتْ بهِ نَبَضاتُهُ وأخالُهُ
رَمَقاً بِآخِرِهِ التُرابَ يُوَسَّدُ
سِرْنا مَعاً وتَشابَكَتْ عَشْرٌ لنا
للهِ من عَشْرٍ بنا تَتَوَحَّدُ
بل شبك أنامله بها كعاشقين متشابكي الأنامل متوحّدين
لا ضير فالقصيد والشّاعر وحدة لا تتفرّق!
تطرّقنا لرمزيّة القصيد لكنّ روعة وبذاخة البلاغة في التّشبيه والمجاز تجذبنا وبقوّة تقديرا وانحناء لبراعة السّبك لشاعر مطبوع يفلت في ميدان الشّعر ويتراكض كهمّام يغنّي حرّيته أنظر قوله:
أَلَقُ الجَبينِ وفي المُحَيّا مسْحَةٌ
لِلحُزنِ لَوْحةُ عاشِقٍ تَتَجَسَّدُ
لوحة كلم من عسجد
في صورة نورانيّة جاءنا شاعرنا لا عجب !فجبين قصيدنا ساطع ناصع!
وتتلوها لوحة أثيريّة ومائيّة
معا :
وتَآلَفَتْ بِنَدى الدموعِ قلوبُنا
وسَما بها قُربٌ وراقَ المَشْهَدُ
لا عجب فالحروف عند قيصرنا مرآة
تترقرق فيها مشاهد الحرف المتماوج الرّقراق لفظا ومعنى
فهو واثق بخطاه ثابت بإيمانه في الموعد واللّقاء
لأنّ الأغنيّة أبدا متربّعة في جعبته يشعر بها يدندنها
وينثرها بمشيئته متى أراد
قصيد تلوح كباقي وشم لن يمحوه شتاء بل سيربض في باطن الكتب الباقية.
.
ينتابني شعور عند قراءة القصيد بأنّه مستلهم من أطلال خولة طرفة بن العبد وباعث لمعانيها في عصرنا الآني وهو ليس بغريب فشاعرنا المحدث وارث هذا الإرث من الأصالة دون تهشيم أوخدش بل بالتزام وبلمسة شخصيّة لا تخلو بصماتها من ثقافة العصروتجربة الشّاعر الشّخصيّة فهو يقول:
سَنعودُ أُغْنِيَةً يُرَدِّدُها المَدى
والعَوْدُ للعُشّاقِ عَوْدٌ أَحمَدُ
ميدانه المدى
والمدى صدى اللّحن الرّاجع أبدا
للعشّاق
وما أجمل رجع لحن عماد الأحمد
التعليقات على الموضوع