قراءة في شيحان القصيد لهيثم محمد النسور بقلم نافلة مرزوق العامر

قراءة في شيحان القصيد لهيثم محمد النسور بقلم نافلة  مرزوق العامر


״״״״إنزياحات شيحانيّة״״״״

إنزياحات الإنزياح
في رياح الصّياغة المجدّدة والثّائرة
الغرابة والإنزياح التّركيبي
Eccentricity&stylistic deviation
"في "شاعريّة" و"شخصيّة الشّاعر"
عند
شيحان القصيد
الشّاعر الفذّ:
هيثم محمد النسور
قراءة في قصيدته الوجدانيّة الغزليّة الفاخرة
"الغواني"
بقلمي:
Stella Ra Nch
نافلة مرزوق العامر
===============
في خَرقة مدهشة لغيوم العسر الإبداعي
يجلي شيحان القصيد شوائب التّفكير الصّدئ ليتجلّى على الورق حرف الجمال.
قال روبرت فروستR.Frost الشّاعر الامريكي الحائز على جائزة نوبل للآداب معرّفا الشّعر كما يلي"
:poetry is a process،poetry is a renewal of words,poetry is the dawning of an idea
بترجمتي:"إنّ الشّعر هو عمليّة (صيرورة في سيرورة),إنّ. الشّعر هو تجديد للكلمات،إن الشّعر هو بزوغ فجر جديد لفكرة ما".
فلمّا كان الشّاعر تبعا للتّعريف أعلاه في رحلة نضوج وصيرورة في آفاق تجديد وتحديث وفي إشراقات صياغة حرفيّة لا تتوقّف فقد
حطّ الصّقر شيحان
وهو القائل:
وكأنّني الصّقر إن حدّقت في هدفي
أسعى الي الصّيد لا أسعى إلى الجيف
عند عنوان :
“الغواني”
كباشق حرف مستفزّ.الإستفزاز الشّعريpoetic provocation هو ذاته أو مبعثه الدّهشة التي يخلقها الشّاعر المبدع creator الموهوب وهو غاية إبداعه إن كانت الغاية إثارة الفكر وهزّ الحسّ عند القارئ في طبعة تجديديّةinnovative لمفاهيم ومعان كان قد كتب فيها قبله الكثيرين.وأمّا هنا فالاستفزاز قد تكثّر وتكثّف في بزوغ شاعرنا الإنزياحي deviative حيث حاد عن مسارات الرّتابة وإشباع التّوقعات المنتظرة المكنونة في جعبة القارئ.إذا فشاعرنا مبتكر مستفز ّغريب الأطوار ومبدع الدّهشة كلّ هذا يبتدئ في
عنوانٍ مثير فيه غرابة "eccentricity أي انحراف عن مسار التوقعات وخروج عن المألوف وفيه انزياح deviation ظاهري (وليس جوهري كما سيثبت لنا )عن الهويّة الشيحانيّة والغرض الشّعري الشّيحاني وعن عناوين ومواضيع ألفناها له واعتدناها منه لكنّه مرة اخرى وكما سيظهر لاحقا هو انزياح لإنزياح يهدف للإنصياع لمسار معنوي كنّا قد أضعناه في متاهات الحياة وتعقيداتها.
"الغانية" مفردة دلالتها في الوعي الجماعي سلبيّة وتلحق كصفة لكل ساقطة أخلاقيّا وبترجمة أدقّ فالغانية هي بائعة الهوى ولكن عند شيحان فأنّ المعنى الحقيقي أنّ الغانية هي المرأة الغنيّة أخلاقيّاجهرا وجوهرا ظاهرا وباطنا والجميلة روحا وجسما!فشاعرنا حقّا كان مبدعا ومدهشا من الوهلة والكلمة البكر ،والإبتكار أوالخلق المختلف هو أفضل سمة للشّاعر القدير حسب رؤية خبير الإنزياحات الأسلوبيّة الشّاعر تي .إس.إليوت .
لقد ارتأى شاعرنا في رحلة فنّيّة ومهمّة لغويّة ولفتة أنسانيّة أخلاقيّة إزالة اللّبس عن هذا المفهوم فجاءت إزاحة اللّبس انزياحا مضاعفا بمعنى كونه انزياحا معنويّا من جهة وكونه انزياحا تصحيحيّا تصليحيّا من أخرى أي ببعدين الأوّل إرجاع المعنى المقصود أصلا
والثاني تغيير طريقة تفكير القارئ في فهمه وأيضا تغيير مسار إدراكه عن طريق الأسلوب الشعري والكلمة المؤثرة في الوعي المجتمعي ،ويا حبّذا لو يقدم جميع شعراؤنا على الكتابة بهذه الرّوح الفكريّة المرهفة ،ولكن الوثابة revolutionary في آن واحد،وينفثوا روح الجدل الفكري والاجتماعي في ثورة لغويّة معنويّة تجميليّة جماليّة لكلّ مفهوم خاطئ درج بين أظهرنا ,إما سهوا وتقليدا أعمى أو فهما خاطئا للمعنى أو لأسباب أخرى مختلفة.
وقبل البدء في تذوّق معالم الرّسم الفخم وارتشاف نوتات النّغم الزّخم واستنباط خلاصة الفكر الرّشيد في هذا القصيد،أوضّح لكم خريطة قراءتي الأسلوبيّة الإنطباعية فيه وهي تتمحور حول قضية “الإنزياح"بمسارين وهما : الخارجي
وهو الأسلوبي والذي يرتبط بهويّة الشّاعر العامّة والمعروفة
والثّاني الدّاخلي وهو المعنوي واللّغوي الذي يتجلّى في أبيات القصيد.الأوّل يتطرّق لموضوع "الغرابة" في شخصيّة الشّاعر "الجديدة"والمنبثقة من بعد فكري يختلف عن أبعاد كان قد عهدها القارى في مواضيع شيحان في شعريه المهجري وشعر العودة تلك المواضيع العاديّةالمتعلّقة بالفخر البطولة والوطنيّة إلخ .هذه الغرابة تخلق في نفس القارئ صدمة وجذب معا فحين يقف القارئ على تغيير وانزياح في هذا الموقف الشّيحاني تنهار توقّعاته مما كان يحسبه وينتظر قراءته انسجاما مع ما عهده من فكر شيحان .بمعنى آخر يتولّد في نفسه شعور الخيبة وهي هنا خيبة أدبيّة إيجابيّة.فالخيبة هنا تعني نزول الشّاعر مضارب التّجديد وضرب أوتاد التّغيير والتّأثير في القارى فيما يخصّ الموضوع المطروح. شاعرنا على لغته غيور أوليس هو القائل:
"لغة نزل بها الكتاب..
..”
عاشق اللّغة والتغزّل بثروته اللّغويّة الثرَة يلمّع واجهة مفرداتها.سنرى شا يفتّق أبعاد الكلمة ممزّقا آفاق إيحاءاتها دلالاتها وطاقتها وشاحنا خواصرها بأجنحة التّحليق المعنوي كما ويمنح قاصدا بل في اهتمام بالغ لكلمة "غانية "برقة وطاقة معناها الأصلي. ونحن هنا بصدد انزياح أدبيّ فكري شعري عن طريق ازاحة حدود التعريف لمفهوم "الغواني" بغية الإشراف على مشهد جديد له.تماما كمن يزيح أحدنا السّتائر لينعم بالنّور والمنظر المختبئ من وراءها.إنزياح تصحيحي
يهبه معنى وبعدا آخر أكثر ترغيبا وأقل ترهيبا
بل ويعيده لمعناه الأصلي ببعد تجديدي عصري وهو وإن لم يضف عليه شيئا يكفي أن يضفي عليه صبغته الأصليّة وهذا بحد ذاته سير بعكس التّيار وعناد وإصرار لكشف الحقيقة دون خشية لومة ودرءا لكلّ لطمة غاشمة فالشّاعر الحقّ لا ينحرف إلا ليتّبع درب السّلامة وليمتطي صهوة الرّقي ليُسمِع صهلة التّميّز . نعم هو تجديد وعبقريّة وارتقاء بالفكر والفلسفة نحو الذرى.وقد قال الرّومانسي wordsworth بأنّ الشّاعر الحقّ هو "فيلسوف"و"مفكّر""Thinker” يملك روحا مرهفة مدركة تفوق غيرها من الأرواح تحسّسا وحساسيّة وتستوعب الواقع بشكل أعمق A comprehensive soul
فيكتب أفكاره وينثرها كالرّيح تعصف بالواقع والمجتمع فتغيّره وتؤثر في اتجاهاته ومناحيه في القضايا المهمّة والتي تعنيه.بعد إلهامي وإيحائي ذو قيمة علميّة وعمليّة.
تنقسم قصيدةًشاعرنا حسب الفكرة إلى خمسة
أقسام فحتّى الخامس هي انزياح منهجي في دعوة للمعاقرة ووصف للخمرة وفعلها في النّفس والعقل
حتى التاسع انزياح وصفٍ لجلسة المعاقرة المفعمة بالحسرات والنّدب والنّدم على الماضي
حتّى السابع عشر انزياح عاطفي في مونولوج في الحنين والعتاب ووصف للتّباريح وأوجاع البين
حتّى الخامس والعشرين انزياح في تساؤل عتابي
وندب ولوم النّفس وشكوى
حتّى الأخير في الحكمة وفي انزياح طباقي بلاغي إن صحّ القول وقد جاء في تعجّب من انصياع الحبيب لوشاية الغريب
ورثاء قريحة عصت عليها درر الشعر.
فلنقرأ "الغواني" !..
يقول شاعرنا استهلالا:
هَـيَّـا نَـهِـيْــمُ بِـنَـشْــوَةِ الْأَنْـخَــابِ
مِنْ غَـيـرِ إِثْــمٍ أَوْ عَـسِـيْـرِ حِـسَـابِ
ها هو شيحان ينزاح ويهيب بالرفاق معاقرةً! ويصوغ هيامنا حرفا مثملا يستهل فيه أبيات الثملان!ينزاح كيف لا وهو في ذاكرتنا الأدبيّة شاعر الغربة والحنين الوطن المهجر البطولات والفخر والإعتزاز،شاعر الفكر السّياسي اللامع في منارة العدل،الشّكوى وغيرها وغيرها من معلّقات العقيان وجواهر الكلام!ويتابع في دعوته للشرب قائلا:
وَنَـعُــبُّ مِـن رَاحٍ تَـعَـتَّــقَ شَـهْــدُهُ
وَرَحِـيْـقُــهُ يُـجْـنَـى مِـنَ الْأَعْـنَـــابِ
حَيْثُ الْـغُـصُـونُ تَـمَايَلَتْ أَعْطَافُهَـا
لِـتَـضُـوْعَ مِـنْـهَا نَـفْـحَـةُ الْأَطْـيَــابِ
بائيّة الكامل فيها شفاه مطبقة تلتذّ برحيق الحرف والمعنى وتقف عندها العيون متأمّلة بلاغة أفصحت عن براعة رسم وتصوير تأجّج في ما يشبه ويذكّر بالتّوصيف النّواسي للخمرة حيث قال شيحان:
صَـفْـرَاءُ فِي الْأنْخَابِ تَفْعَلُ بِالْحَجَى
صِـنْـوَ الْـحِـسَـانِ تُـطِـيـحُ بِالْأَلْـبَـابِ
يَـشْكُـو لَهَا الْقُمْرِيُّ شَـجْـوَ مَوَاجِدِي
وَكَــآبَــةِ الْأُوْجَــاعِ مِــلْءُ إهَــابِـــي
بعد وصف منظرها في الجنائن كرمة تتمايل أفنانها وعنب تعتّق رحيقه يصفها بعد العصير وفي عصارة حرفيّة احترافيّة لا تقلّ حلاوة عن ذاك الشّهد المعتّق المترع في كأس الشّراب..
كيف لا والمفردات البلّورية" وصنو ""بالحجى""إيهابي" "تتوالى كموج مدوّخ للبصر يلاحق بعضه لينعم جوّ الأبيات برنين وموسقة لفظيّة ساحرة فتختال عندها وتشقّ المعاني العميقة عباب الأفكار المتوقّدة.
وتاتي بعد هذا التّلوين المحيي للكلمة وللنّفس وبعد ذلك ذهبيّ الوصف الأصفر وقفة الشّخصنة personification فالطّير القمريّ يشكو ويستعطف الحبيبة فينوجد عندها الشّهد الحسّي ويخلق في نفس القارئ ردّ فعل حسّي رائع لفعل الخمرة يكاد فيه يراها يتذوّقها بل ويثمل منها! هذا هو سقوط المحسوس على المحسوس وهو عندي ذروة الثّملان الشّعري.
يتابع في وصف الجلسة فيقول:
فِي جَـلْسَـةٍ كَـانَ الْـعُـقَـارُ رَفِـيـقَـنَـا
دَارَ الْـكَـــلَامُ بِـهَـا عَـنِ الْأحْــبَـــابِ
وَالْكُـلُّ شَـمَّـرَ لِلْـحَـدِيـثِ لِـسَـانَــهُ
مُسْتَـغْـرِقًـا بِـالْـبَـوْحِ فِـي إطْــنَــابِ
وَتَـنَـاثَـرَتْ عُـقَـدُ الْـكَـلَامِ بِـبَـوحِـنَـا
وَدُمُـوعُـنَـا ثَــرَّتْ نَـزِيـفَ سَــحَـابِ
وَالْـكُــلُّ يَـنْـدُبُ لِلـنَّـدَامَـى حَـظَّــهُ
نَـدَمَ الأَسِـيـفِ وَخِـيـفَـةَ الْـمُـرْتَـابِ
لقد بدأ شاعرنا بتمهيد مونوتوني بنبرة رتيبة هادئة في وصف الحنين ولواعج الوجد في جلسة سكر مفعمة بالشّكوى والنّدب والحسرة ..بوحات نفثها الرّفاق كلّ وقصّته في الهوى
لكنّ على حين يباغتنا شاعرنا بانزياح اسلوبي ويزفر زفرة حارقة في مونولوج نتخيّله وكأنه انقطع عن الجلسة نظنّ فيه أنّ شاعرنا وان كان في صحبة واعترافات لكنّه أيضا وحيد يعيش معزولا في غربة داخليّة وإن تواجد جسدا بين النّاس ،فنراه قد لاذ إلى نفسه. في هذا المونولوج شاكيل وجعه وبحسرة شديدة فها هو يتأوّه ويحنّ لليال صبا مضت فيقول:
آهٍ لَـيَـالِـي الْأُنْـسِ كَــمْ رَاقَــتْ لَـنَـا
عَـهْـدٌ تَـقَـضَّى فِي صِـبًـا وَتَـصَـابِـي
تَـاهَـتْ بِـصَحْرَائِي النُّجُـومُ فَمَزَّقَـتْ
بُـرْدَ الْـعَـفَـافِ لِـتَـرْتَـدِي جِـلْـبَـابِـي
وَالْلَـيْـلُ يَـسْـتُـرُ نَـفْسَـهُ مُـتَـخَـفِـيًـا
فَـالـصُّـبْـحُ فَـضَّـاحٌ لـِكُـلِّ حِـجَـابِ
يهمّني هنا قوله "مزّقت برد العفاف "لألصقه بنظرتي في تمزّق مساره اللّغوي والمعنوي المألوف فكأن شاعرنا يعي فنّ نضوج الكتابة وكيف يستلزم تمزيق طبقات تعبيريّة وانتقالات فكريّة لغويّة ليثبت الشّاعر للشّعر أنه رحّالة في أمداء البحث عن الجمال والحقيقة حتى النّوال. وهذه رومانسيّة بحدّ ذاتها لا تنفصل عن سمة الشّاعر المجدّد إلّا كما تنفصل الغيمة عن البحر!
ويكمل شاعرنا وبتلاصق معنوي باهر فكرته في صورة اللّيل والصّبح ،برأيي ليصوّر لنا تبدّل طرق التّعبير وسمات هويّته وبصمته وأنّه المبدع الحيوي فجمود الكاتب عند إمارة أو أفق إبداعي واحد هي علامة نهايته وجفاف قريحته! وكم أتقن حرفته وتسلسل أفكاره المنطقي حين استطرد قائلا:
وعرى الأواصر فتّقت أوصالها
حَـتَّـى اسْـتَـوَى الْأحْبَـابُ بِـالْأَغْـرَابِ
لا زلنا في التّمزيق حيث تمخّضت الفكرة عن "استواء" فتساوى في البين الغريب والحبيب!هي حقا مأساة لكنّها تحليلًا تأتي انزياحا وتعني تساوي المواضيع المبحوثة أهمّيّة في جعبة الشّاعر!فالشّاعر الغنيّ تتنوع أفكاره وتتعدّد أبعاده وتتفتّق كل أربطة التّحديد والتّقوقع الفكري والحرفي عنده..كالنّهر يجري جامحا ليتحرّر في البحر الشّاسع.ويمضي شاعرنا في الشّكوى واللّوم ولكن بلون التّساؤل والتّحقيق التّعجّب والعتاب فشاعرنا المشتاق يقف على عتبات الحنين سائلا دون نيل جواب فبعد معاتبة الحبيبة على ما سامه من عذاب البين ونصب البعاد يسائلها ما الذي جرى حتّى تقطعت بهم الأسباب وذهب الوصال دون إياب ويعنيني هنا قضيّة السّؤال:
أَوَ مَـا كَـفَانِي مَا احْتَمَلْـتُ مِنَ النَّوَى
وَتَـقَـطَّـعَـتْ مِن هَـجْرِكُمْ أَسْـبَـابِـي
فَـمَـتَـى تَـجُـودُ بِـقُـرْبِـكُـمْ أَيَّـامُـنَــا
فَلَـعَـلَّ كَـفَّ الدَّهْـرِ يَـرْحَـمُ مَا بِــي
لَوْ كَـانَ لِـي أَمَـلَ الْـفِـرَارِ مِنَ الْأسَـى
لَطَـوَيْـتُ عَــرْضَ الْأَرضِ دُوْنَ إِيَــابِ
حُلْـمِي مُـسَجَّى فِي حُـرُوْفٍ صِغْتُهَـا
لَـمْ تُـبْصِرِيْهَـا فِـي سُـطُـورِ كِـتَـابِـي
تحديدا وحصرا هذا السّؤال
وَلَقَدْ سَأَلْتُـكِ مَـا الَّذِي طَعَنَ الْهَـوَى:
لَـكِـنَّ سُـؤْلِــي ظَـــلَّ دُوْنَ جَـــوَابِ
سؤال رومانسي مؤدّاه أن نوال السّعادة هو في عدم نوالها!!برادوكس حلّه بسيط فكلّما نلنا غاية تتجدّد فينا أمنية وغاية أخرى نسعى إليها وهذ هو الجمال الفكري intellectual beauty الذي كتب عنه شعراء الرًومانسية الإنجليز الآباء مثل شيللي كولوريدج وكيتس وغيرهم!
وهنا توازيها حالة شعريّة تقول بأنّه كلّما نلنا إجابة تسصرخنا أسئلة جديدة مطالبة بأجوبة جديدة .هي رحلة تساؤل وإجابة متواصلة متواترة لا تنتهي ،أوليس هذا هو الجمال بحد ذاته!فما الفائدة من معرفة تنتهي عند حدّ وحياة تتوقف على ردّ ..وهنا تعني ما المعنى في تجمّد غايات أغراض ولغة الشّعر والشّاعر?ما الفائدة من اجترار الماضي وتكرار الأذواق!!شاعرنا انزياحي بامتياز فكرا وحسّا فالحبّ عنده سؤال لا يحوز جوابا لولا ذلك لما كان القصيد في استمرار!.
ثم تنزاح اشرعة السرد مرة اخرى فمن سؤال وتساؤل فجاة ودون توقّع من القارئ يشرع شاعرنا مرة اخرى في الشكوى والبكا على الاطلال التحسر ووصف لظى رؤية الحبيب البعيد.
يصف لنا اضطرام نيران الأعصاب ويغدق علينا شاعرنا بليغ بديعه وسحر مجازه الثّر فيصف العيون بشرفات الجنّة صعبة المنال مرّة أخرى نرجع لعيون الشّعرالمقفولة
وهل دون فكّ عقد الغموض والركض وراء إماطة لثامه من رونق للشّعر
ومن طعم للحياة!
يَـا لَـوْعَـتِـي لَـمَّـا رَأَيْــتُ لِـحَـاظَـهَـا
دَبَّـتْ دَبِـيْـبَ الـنَّـارِ فِـي أَعْـصَـابِـي
شُـرُفَاتُ فِرْدَوْسِ الْجِنَـانِ عُـيُـونَـهَـا
لَـكِـنَّـهَـا مَــقْـــفُــولَــةَ الْأَبْـــــوَابِ
وَالنَّـرْجِـسُ الْـوَسْـنَـانُ فِي آمَـاقِـهَـا
قَـدْ دُثِّـــرَتْ بِـسَــتَـائِــرِ الْأَهْـــدَابِ
نَقَشَتْ شُـمُـوعُ الْحُسْنِ فِي وَجَنَاتِهَا
كَـلـِمَـاتِ سِـحْـرٍ صَـعْـبَـةُ الْإِعْـرَابِ
وَكَـأنَّـنِـي وَالـنَّـارُ تَـسْـرِي فِـي دَمِـي
ظَـمْـآنُ يَـجْـرِي خَـلْفَ وَهْمِ سَـرَابِ
وتصل ذروة السّرد ذروتها وتتقطّب جغرافيّتها الفكريّة حين يقول شاعرنا:
ثَـلْــجٌ وَنَـــارٌ فِـي الْـفُــؤَاد ِتَـلَاقَـيَــا
جَـــالا بِـبَـيــتٍ مُـرتَــــجِ الْأَبْـــواب
إنزياح في "بزغة الإعتراف" واكتمال في اجتماع التّضاد فهو إذا الثّلج وهي النّار المتضدان المتناقضان ما يبرز انزياحية شاعرنا وباعترافه وإقراره هما قطبان متناقضان في جنان ونبض واحد .نعم هي حالة شعريّة في العصرنة والتّحديث وكما عرّفها الشاعر فروست أعلاهrenewal كيف؟هو حين تتلاقا الأضداد كحمل وأسد في بيت واحد أفلا ترتجف أنحاءه خشية العراك المحتوم ؟أفلا ترتجف القلوب خوفا من افتراس مرصود؟ فهذا هو التّحديث والعصرنة كيف؟حين يحمل شاعرنا إرث ثلج القديم النّاصع الصّلب الخصب ويدمجه بنور ونار القريحة العصريّة حينها يرتجف الشّعر وتزهو صاريته بعلم التّنوع والإنسجام الفكري فالخلود دون تشكيك ولا توتولوجيّة فارغة.نار ونور القديم فالبيت شعره والمتعاكسان يعكسان هويّة شاعريّة مزدوجة ولكنها أصيلة أفليس الممثّل البارع القدير هو من يتقن أداء كافّة الادوار وإن تفوّق في أحدها عن الأخريات،هكذا هو الشّاعر النّحرير فهو أبدا في صيرورة وتغيير كما قال فروست ،يتقلّب في تجارب الكتابة والإبداع ويكتسب خبرات ومهارات متنوعة منها تكتسي أبياته بعباءات التّنوع والتّبدًل فتضيف لهويّته الشّعريّة السّمات المتعدّدة المؤدّيّة لبراعة السّبك .لا يفوتني هنا ذكر تناصّ لفظي جاء عفويّا ولأجل الصّدف الأدبيّة، لو صح القول ،فلقد كتب نفسه الشاعر روبرت فروست قصيدة بعنوان”Fire and ice”أي"نار وثلج" هو وان رمز في ذلك. لطباع يتبنّاها الفرد فالبعض بطبع ناريّ يحمل رغبات وعطاء والآخر بطبع بارد يرمز للجمود والكراهيّة وكلّ يحصد غلّته إلّا أنّ هذا التّضاد أيضا كما عند هيثم موظّف لرسم صورة وجوديّة في حتميّة وجود الشّيء وعكسه وسبحان الله الذي "ليس كمثله شيء"منزّه عن كلّ ندّ أو ضدّ.ويمضي شاعرنا في رحلة الشّكوى والحنين والتّذلّل للحبيب فيقول:
يَا آسِــرِي مَـا هَـكَـذَا شَـرْعُ الْـهَـوَى
رَشَـأُ الْـمَـهَـا يُــرْدِي أُسُـودَ الْـغَـابِ
تراكمت آهات الحسرات وأنّات الوجع من غياب الدّفء على أجنحة نفث النّايات الشجيّة البهيّة .يهمّني هنا العجز أكثر فقد أودى الوجد بشاعرنا مهاوي الخنوع ولكنّه ليس خنوعا عاديّا بل هو خنوع "الأسود" لل"رشأ" ًوهو انزياح غرضي في وروده أغراض العشق وتبعاته بعد اعتلاء أغراض الفخر والإعتداد ..وهذ ليس بمنقصة لا إنسانيّا ولا فكريًا ولا شعريّا وان كان داع وباعث لتكريم الشّاعر وتقدير مواقفه وإبداعه الشّعري. إذا هو عتاب يزيل غموض الأسباب ودواعي الغياب الذي جاء من نصتة لوشاية الأعداء وسخرية الغرباء سمّا دسّوه في نفس الحبيب أودى الحبّ مهاوي الإنطفاء..
وَعَجِبْتُ كَيفَ سَمِعْتِ قَوْلَ حَوَاسِدِي
يَسْتَهْزِئُـونَ وَمَـا سَـمِـعْـتِ عِـتَـابِـي
ولكن هيهات ينطفئ القريض!!
ثم يجيء الإنزياح البلاغي في البيت الأخير أدناه..كيف؟حقّا
لولا قريحة النّحارير ما لمعت درّر السّطور
فكل ما ذكر أعلاه سوف لن يلغيه تواضع العالم!
هو انزياح عن دروب الصّراحة والحقيقة وإن كان بلاغيّا رقيقا ففيه من شموخ تواضع العلماء كما قلنا وبساطة الأثرياء!
مَـا أَسْعَفَتْنِـي فِي الْقَرِيضِ قَرِيحَتِـي
وَخَـلَا مِن الـدُّرَرِ الْـحِـسَـانِ جِــرَابِـي
حقّا إنّ نور نجم الجهبذة يعصى على رقّة فنّ الأختباء!
وأين سيختبئ نور الشيحانيّة
تحت رعاية نجم الفذلكة البيانيّة؟



Stella Ra Nch   نافلة مرزوق العامر

ليست هناك تعليقات