فِي عَيْنِ مُغْتَرِبٍ... هيثم محمد النسور

فِي عَيْنِ مُغْتَرِبٍ... هيثم محمد النسور


فِي عَيْنِ مُغْتَرِبٍ

أَضَـرَّكَ السُّـهـدُ فِي الْأَجفَانِ يَا أَرَقُ
أَمْ شَاقَكِ الْوَجدُ وَالتَّحنَانُ يَا مُؤَقُ
لِلْوَجْدِ فُسحَتُهُ فِي عَيْنِ مُغْتَرِبٍ
يُشَرِّعُ الْغَوْصَ فِي آهَاتِ مَنْ عَشِقُوا
يَا مَوطِنًا غَاصَ فِي بَحرِ الْوَغَى أَنِفًا
كَأَنَّهُ فَارِسٌ صَمْصَامُهُ الْحَدَقُ
فِي حُبِّهِ مُهجَتِي صَارَتْ تُجَاذِبُنِي
لِيَلفِظَ الضِّلْعُ قَلْبًا كَادَ يَحتَرِقُ
يَا جَنَّةً يَفْتِنُ الْفِردَوسَ رَونَقُهَا
جَـنَى الرَوائِحَ مِنْ لَيمُونِهَا الْعَبَقُ
مَا ضَـرَّ نَـجْمَكَ إِنْ يَأْفَلْ تَـوَهُّـجُـهُ
فَالـشَّمسُ حِينًا تُوَارَى ثُمَّ تَأْتَلِقُ
يَـا أَيُّـهَـا الْوَطَـنُ الْمَلْحُودُ بَارِقُهُ
آلَاؤُهُ قَدْ سَرَتْ فِي ضَوْئِهَا الطُّرُقُ
يَـا أَيُّـهَا الْوَطَنُ الْمَنْهُوبُ مَعذِرَةً
إِنْ كَـانَ ضَـرَّكَ فِي تَكْبِيلِهِ الرَّبـَقُ
فَـلَـنْ تُـعَـانيَ بَـعدَ الْيَومِ مِنْ كَمَدٍ
أَبْنَاؤُكَ الشُّوسُ قَبلَ الْمَوتِ قَدْ خُلِقُوا
لَـقَـدْ أَعَـادُوا لِغِمْد ِالدَّهْرِ نَصلَتَهُ
لَا يَـأْبَـهُـونَ بِضَوضَاءٍ لِمَنْ نَهَقُوا
وَعَـادَ فَجـرٌ قَدِيمُ الْعَهْدِ فِي وَطَنٍ
تَـغـتَـالُهُ طُغْمَةٌ مِنهَاجُهَا الصَّفَقُ
ضَمَمْتُ طَيْفَكَ في عَينَيَّ مِسْبَحَةً
كَمَا يَضُمُّ عُقُودَ اللُّؤْلُؤِ الْعُنُقُ
يَا بَـسمَةً أَيـنَعَتْ في ثَـغْـرِ نَرجِسَةٍ
والنُّورُ يَرقُصُ فِي أَفْيَائِهِ الْأَلَقُ
كَأَنَّ صَوتَ صَلَاحِ الدِّينِ فِي أُذُنِي
يُحَرِّضُ الْجُنْدَ أُمُّوا الْقُدْسَ فَانطَلَقُوا
لِتَهتِـفَ الْأَرضُ:فُرسَانُ الْوَغَى عَبَرَتْ
فَوقَ الرِّقَابِ فَضَاقَتْ بِالْعِدَا الطُّرُقُ
وَالْيَاسَمِينَةُ فِي مِشْكَاتِهَا اعتَصَمَتْ
خَوفًا عَلَى مَجْدِ أَهْلِ الْحَقِّ يُسْتَرَقُ
يَشْدُو الْفُرَاتُ لِيُهدِي النِّيلَ أُغنِيَةً
أَلْحَانُهَا مِنْ خَرِيرِ الْعِزِّ تَنْدَفِقُ
يَا مَنبَعَ الْحُسْنِ وَالْإِحسَانِ يَا قَمَرًا
عَلَى مَآقِهِ يَغْفُو الزَّهرُ وَالْغَدَقُ
حَتَّى الْمَلَائِكُ خَجْلَى مِنْ نَضَارَتِهِ
فَسِحْرُهُ مَع جَلِيلِ الْقَدرِ يَتَّسِقُ
نَامَتْ عَلَى قَارِعِ الْآلَامِ مُهجَتُهُ
فَلَفَّعَتهَا بَقَايَا الثَّوبِ وَالْخِرَقُ
أَدُسُّ فِي شَعرِكَ الْمُنْسَابِ أُغنِيَتِي
تَسرِي بِرَكْبِ الْأَمَانِي صَاغَهَا الشَّفَقُ
لَا ذَنْبَ يَا صَاحِ لِلْمِرآةِ إِنْ عَكَسَتْ
طَيْفَ السَّرَابِ وَسِيمًا وَهوَ يَحتَرِقُ
إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي تَرجَوْ زَمَالَتَهُ
قَصِيدَةٌ خَطَّهَا مِنْ كُحْلِهِ الْغَسَقُ
سَأَزرَعُ الْقَمحَةَ السَّمْرَاءَ تَحصُدُهَا
مَـنَـاجِـلٌ حَـدَّ فِي شَفْراتِهِا الْعَرَقُ
وَأَعْجِـنُ الشَّـوقَ وَالْأَنْفَاسَ أَرغِفَةً
تَسرِي مِنَ الْعَينِ كَيْ يُسْقَى بِهَا الْوَدَقُ
لِلقَانِعِينَ بِأَدْنَى كِسْـرَةٍ رُكِلَتْ
لَـعَـلَّ مِنْ نَـزْفِـهَـا الْآمَـالُ تَـنْبَثِقُ
كَانَتْ شِرَاعِي بِوَجهِ الرِّيحِ تَائِهَةً
مَا بَانَ لِي مِن عِنَادِ الْمَوجِ مُفتَرَقُ
فَكَمْ نَزَفْـتُ دُمُـوعَ المُقْلَتَينِ دَمًـا
كَأَنَّ سَعْدِي مَعَ الْأَحْزَانِ يَتَّفِـقُ
كَهَـيـئَـةِ الْـرِئَـةِ الْبَكْـمَاءَ فِي وَطَنٍ
تُصَدِّرُ الذُّلَّ مِنْ أَنْفَاسِ مَنْ سَبَقـوا
دُنْـيـاكَ تَـلـهُـو بِـتِيهٍ وَهيَ وَارِدَةٌ
لِـغَـيْـهَبٍ فِي مَدَى أَغْوَارِهِ الْغَرَقُ
تَـقُـدُّ مِن يَـبَسِ الْأَعْمَاقِ أَخْيِلَتِي
لَو أَنَّهُ حَلَّ فِي الْجُلْمُودِ يَنْفَلِقُ
إِنَّي عَلَى سُدَّة ِالـتَّـارِيخِ مُـتَّكِـئٌ
عَلى رَصِيفٍ مَعَ الْأَوهَـامِ أَسْتَبِقُ
وَالنَّهرُ يَعْزِفُ سِيمْفُونِيَّةً، فَبِهَا
تَشْدُو الدُّمُوعُ لِكَي يُروَى بِهَا الْحَبَقُ
حِـجَـارَتِي أَعلَنَتْ عِصيَانَهَا وَرَمَتْ
حِجَارَةً مَحَقَتْ أَشْـلَاءَ مَن نَفَقُوا
مِنَ اليَـهُـودِ، فَمَهمَا عَاثَ بَغيُهُمُ
سَيَبسُمُ الْفَجرُ مِنْ أَنيَابِ مَنْ سَرَقُوا
ذَرَّاتُ رَمْلٍ تَلَظَّتْ فِي شَوَاطِـئِنَا
جَمْرًا لِتَكوِي بِهِ أَشْدَاقَ مَنْ نَعَقُوا
تَقَنطَرَ اللَّيلُ عَنْ صَهْوِي بِصَولَتِهِمْ
حَتّى اضْمَحَلَّ فَلَا يَبْقَى لَهُ رَمَقُ

 هيثم محمد النسور


ليست هناك تعليقات